الأنيقة الصديقة رجاء الجداويّ رحلت بهدوء كما نجوميّتها!
} جهاد أيوب
صديقةٌ كانت…
لا تغدر، ولا تصنع الخصامات، ولا تعرف غير الوفاء…
مهذّبة لا تعرف غير استخدام كلمات منمّقة، تزيد من نثر المحبة…
ولا مرة التقيتها، وتسامرنا، وتجالسنا، واتصلنا عبر الهاتف إلا وكانت كلماتها، همساتها منمّقة، وذات جمع الشمل مع ابتسامة عميقة تُدعى رجاء الجداوي!
تعرّفت عليها في مهرجان الأردن الأول للأزياء منذ أكثر من عشرين سنة، تشاركنا في لجنة التحكيم، كانت الرئيسة، وقالت لن اتفق مع كاتب هذه السطور – جهاد أيوب – لآني في الاجتماع الأول وضعت قوانين تنظم عشرة أيام من التنافس!
كان القدير الراحل فاروق الفيشاوي خير الحضور، يجمع، يرمي هضامته، يغني، يصالح الجميع، يسهر معنا ويصرّ أن ينام في دمشق ليعود قبل ساعة من المهرجان، ولكنه كان يتعامل مع رجاء بمحبة وبلطف وبكل تقدير إلى جانب القديرة بوسي… وإذ بنا نكتشف أن رجاء الجداوي طفلة غنية بطفولة لا تعرف الحقد، ولا تؤمن بالانتقام، وتوزع المحبة على الجميع!
عارضة أزياء مهمة، وممثلة أهم، ورغم أنها لم تلعب دور البطولة تحكّمت بنجومية تُحسد عليها، حافظت على حضورها بكل ثقة، ولم يسجل لها أي خلافات مع الفنانين، ولم تسمح لنفسها أن تتشاجر مع أحدهم، ولم تسرق اي دور من إحداهن…هي هي كما كانت في عرض الأزياء مارست التمثيل بأناقة تصرفاً وقولاً…
هي هي رجاء كما عاشت طفلة حزينة قررت أن تزرع محبة في كل مساحة كانت فيها…
هي هي رجاء الجداوي التي تترك الأثر الطيب في المكان التي تشارك، تحضر، تبوح فيه!
ربما المطلوب أن أتحدث ببانوراما فنية عنها، ولكن هذه البانوراما لا فائدة منها لآننا بسهولة نجدها، بينما إيجاد فنانة أصيلة، وعفيفة اللسان، وعافية الصداقة من المستحيل أن نجدها، وخاصة في هذا الزمن، ولكننا نجدها في رجاء الجداوي!
رجاء الجداوي لا تحب المشاكل على عكس خالتها الراقصة الشهيرة تحية كاريوكا، والتي تبنتها في الفن وفي الدنيا، وللحق استمرّت رجاء بزرع المحبة بين مَن تتخاصم معهم تحية، وتقرّب وجهات النظر مع باقات من المحبة.
رجاء في الفنّ هامسة كالنسمة، لعبت الكثير من الأدوار المنوّعة في شخصيات بسيطة، وغنية بصباها، وبجمالها، كانت بطلة ثانية، ومساندة شاطرة ومتميّزة، ومتفوّقة، وظلت أمينة لكل ما حققته، ومقتنعة به من دون أن تتطاول على صلاحيات ومساحة دور مَن يشاركها العمل!
وحينما وصلت رجاء الجداوي إلى عمر معين في أواخر أيامها كانت تعتمد على خبرتها، وتكاد تكون الوحيدة في الدراما المصرية هذه الأيام تعرف استخدام صوتها صح، نفسها صح، وايمائيات جسدها ووجهها صح، وكنا قد تلمسنا ذلك في دراما رمضان هذا العام، واشرنا إلى رجاء واستخدامها لخبرات الكبار ممن عاشرتهم، وتعلمت منهم!
لم تبالغ رجاء بتجسيد أدوارها، ولم تتعمّد الصراخ في التمثيل، كانت طبيعيّة، ولكثرة عفويتها في قراءة تأدية الشخصية تخالها حقيقية، وهذا ما جعل الإجماع عليها، وقلّما تجد الممثلين والفنانين والإعلاميين يتفقون حول شخصية فنية واحدة وهي رجاء الجداوي!
أذكر حينما زارت دولة الكويت لتحل ضيفة على مهرجان المسرح أصرّت وهي في المطار، وبعد وصولها بدقائق أن تتصل بي، وتخبرني بوصولها… كنت في باحة الفندق أنتظرها، وكان الورد ينتظرها في غرفتها لتباغتني بزجاجة عطر لا زلت أحتفظ بها… أحتفظ بها لأنها من إنسانة وفية، من فنانة ذات قيمة في المحافظة على الفنانة والطفلة بداخلها، من نجمة لا تعرف غير النجوم كي تتصالح معها ومعهم…
هذا قليل من التي أسلمت روحها منذ قليل رجاء الجداوي وهي في هدوء العمر، وهدوء الحضور، وخارج ضوضاء نجوميّة كاذبة لا يبقى منها غير الإنسان الموجود فيها، والسمعة النظيفة، والصداقة الذهبية… باختصار كل ما ذكرت يعني رجاء الجداوي، وفي رحيلها خسرنا باقة ورد ذات عطر جذاب، ينتشر كلما ذكرناها..