لُبنان… أرصِفةُ الموتِ الحمراءْ
} حنان سلامة
منذ نعومة أظافرنا ونحن نصارع ونحارب. نبحث عن بصيص أملٍ ينقلنا من عالمنا الممزوج بالفساد والتّعصّب إلى عالم الحقّ والخير والجمال.
يكثر الصّخب حولنا، وأحياناً تضيق بنا الدّنيا وتحفل أيّامنا بالضّياع والاستسلام بدلاً من العزم على المواجهة، فنتناسى أنّ الحياة ثمينة لا يجب أن نهدرها بالخمول والرّضوخ للواقع أو العيش النّمطيّ، بل علينا التّحدّي والتّمسّك بالبوصلة الّتي توصلنا إلى الطّريق الصّحيح. فكلّما وقعنا في مأزقٍ سنخرج منه أقوى وأكثر حكمة، شرط أن نتحلّى بالقناعة الّتي تجعلنا نبدو دوماً أغنياء بحضورنا وفي علاقاتنا مع الآخرين، حيث نترفّع عن العديد من الأمور السّطحيّة، ما يجعلنا نشعر بالاستقرار والطّمأنينة، ونقي أنفسنا من اليأس، حيث نمنح أرواحنا جمالاً رائعاً تغمره الرّاحة النّفسيّة.
عندما يصبح الجوع آفّة، علينا أن نحشد الموارد الماليّة والإرادة الشّعبيّة والقوى السّياسيّة لمكافحته ومحاربته. ولإنجاح هذا العمل لا بدّ من إعلاء صوت الحقّ؛ ونجاحنا في تحقيق الهدف يرتبط بمدى إيماننا وقوّة اعتقادنا بأنّنا قادرون على التّغيير بإرادتنا الصّلبة ومواقفنا الثّابتة. فنحن لنا الحقّ في الخلاص، بدايةً، من القيد الطّائفي والمذهبيّ لنتجاوز سائر العقبات والأزمات، ولتعزيز مستقبل الوطن. فحلّ النّزاعات لن يكون سهلاً إذا ما سبق ذلك عملنا على الوحدة لجمع أوصال البلد.
إنّ العنصر الأساسيّ لحلّ النّزاع وكافة الأزمات هو الحوار الأصيل القائم على إذكاء الوعي الاجتماعيّ. فهذا النّهج هو السّبيل الأمثل لخلاصنا من التّشرذم في ظلّ التّنوّع الطّائفيّ والتّمييز الهائل بين أفراد المجتمع. وبهذا نتجنّب خسائر فادحة، ونساهم في تعزيز وتوجيه الفرد ليتمكّن من مواجهة خطر الانهيار الاقتصاديّ. فتعزيز حقوق المواطن من خلال التّعاون لبناء قدراتٍ فرديّةٍ وجماعيّة، والتّصدّي للأزمات الرّاهنة، يعيد الأمل ببناء وطنٍ قائمٍ على وحدة شعبه، فتكون الرّكيزة صلبةً لا تتزحزح مهما عصفت المصاعب والمحن..
فعندما نضع هدفاً نصب أعيننا، علينا أن نفكّر في كيفيّة تحقيقه، فنسلّط الضّوء على نقاط القوّة فينا لنفعّلها أمام خطّةٍ مدروسة قبل المباشرة بالانطلاق نحو تحقيق الهدف المرجوّ. ولأنّنا أبناء الحياة، ولأنّنا تعوّدنا أن نبثّ الحركة في الجماد لنراه يتجمّل، ولأنّنا ما عرفنا يوماً الاستسلام، لا بدّ من أن يكون لصوتنا صدى.
لكن، وسط الصّراع القاسي مع الحياة، هناك مَن تغلبه الصّعاب، فيقرّر الرّحيل بصمتٍ، ليترك وصمة عار على جبين الحاكم. ليس ضعفاً أو استسلاماً، إنّما عدم القدرة على تحمّل العيش في عالم يشوبه ظلمٌ ووهنٌ وجوع.
على الرّصيف كان مرميّاً وكأنه ورقة اقتلعت من شجرة… مرميّاً كزجاجة عطرٍ فارغة ينظر المارّة إليها لمعرفة اسمها… مرميّاً كالشّعب اللّبنانيّ الّذي يذلّ على أبواب الأفران حيناً ومحطّات الوقود أحياناً. يُذلّ أمام الرّفوف في المتاجر تعتليه صدمة الارتفاع الفاحش للأسعار.
ساعات وساعات بقي على الأرض هذا الإنسان الّذي تحوّل جثّة بسبب سياسيّ سارق او مسؤول أصمّ.
قتلوك يا عزيزي…
قتلوك بجشعهم وفسادهم
قتلوك بكفرهم وانعدام الإنسانية
قتلوك باللّهو عنك وعنّا
قتلناك يا عزيزي
قتلناك بصمتنا ورضوخنا
قتلناك بعدم وحدتنا واتّحادنا
قتلناك عندما فضّلنا الطّائفية على الوطن
أنت عشت ألم الموت مرّة،
وها نحن نرى الوطن يُقتل كلّ يومٍ مذبوحاً بسكين حادّة مسنونة بالخطابات الّتي تدعو إلى التّفرقة…
وطني يرفرف كعصفورٍ يتلفّظ أنفاسه الأخيرة ولا سبيل لإنقاذه إلّا بثورةٍ نسحق فيها الباطل ويتلاشى فيها الانتماء الطائفي ويبقى فقط الانتماء للوطن.
يا باحثاً عن الحرّيّة تحرّر
من قيد الطّائفيّة الأوَّلِ
قد تحرّر الغمامُ فأمطر
حرّيّةً على تقدّم الدُّولِ
أدِّ صلاةَ الانتِماءِ لِأمَّةٍ
فخير الصّلاةِ للأمّةِ الأجملِ.