هكذا يتطوّر حزب الله
ناصر قنديل
– يجب أن يتذكّر اللبنانيون والعرب وكل معنيّ بمسار حركة التحرر في المنطقة والعالم تاريخ 7-7-2020، لأنه اليوم الذي قرّر الحزب الذي قدّم أبرز نماذج القدرة على إلحاق الهزيمة بالهيمنة الأميركية وبكيان الاحتلال، الانتقال لتقديم أهم نماذج التنمية، لتجتمع عنده بحجم ما يمثل من مقدرات وقوة ومهابة، الفرصة لإلهام شعوب وحركات في المنطقة والعالم، بالقدرة على الجمع بين مشروع المقاومة القادرة على التحرير وتحقيق الانتصارات في الميادين العسكرية والسياسية، ومشروع التنمية الاقتصادية الاجتماعية، الذي يشكل التتمة الضرورية لحماية مشاريع حركات المقاومة، التي كما في لبنان، في كل مكان، ستكون عرضة للحصار والتضييق في المجالات الاقتصادية والمالية.
– لم يكن حزب الله قد خطط لذلك، وكان الكثيرون يعتقدون بصعوبة اقتناع حزب الله بضرورة منح الجوانب الاقتصادية حيزاً من الاهتمام يعادل الحيز الذي تحتله المقاومة وتنمية مصادر قوتها، وها هو حزب الله مع كلمة أمينه العام السيد حسن نصرالله، يثبت أنه حزب بحجم المهام التاريخيّة التي تصنعها التحديات، وهو الحزب الذي يظنّ كثيرون أن خلفيته العقائدية تشكل عقبة أمام نجاحه في مقاربة الملفات الاقتصادية، أو يظنون أن توافر موارد مالية تغنيه عن هذا الاهتمام سيجعله بعيداً عنها، أو أنه إن أبدى اهتماماً بها فسيكون ظرفياً في الزمان ومحدوداً في المكان، لجهة تغطية حاجات العبور من المحنة بتقديم دعم تموينيّ وصحيّ وماليّ للعائلات الفقيرة في بيئة الحزب، لكن كلام السيد نصرالله، يقول إن حزب الله شمّر عن ساعديه وقرّر خوض غمار النهوض الإنتاجيّ بالاقتصاد الوطني.
– حجم الشرائح الشعبية التي يمثلها حزب الله والتي تنضبط بنداءات السيد نصرالله، وحجم البلديات التي تتبع توجيهاته، وحجم الاستثمارات الفردية التي سيستقطبها نداؤه، وحجم المقدرات التي سيتمكن من تسخيرها، ستجعل كلها من نداء السيد نصرالله لإطلاق نهضة زراعية وصناعية وإعلانه وضع الأمر تحت شعار سنكون حيث يجب أن نكون، نقطة انطلاق سريعة نحو ظهور مئات المشاريع الزراعية والصناعية المدروسة والمتنوعة، خصوصاً في مجالات كانت قائمة في البيئة القريبة من حزب الله في الثمانينيات، من صناعة الألبسة والأحذية والسكاكر والألبان والأجبان والعصائر والمكثفات الغذائيّة، ومثلها زراعة القمح والذرة والشمندر، وستحقق نسبة واسعة من الاكتفاء الذاتي الغذائي والاستهلاكي، إضافة لفتح أسواق تصدير نحو سورية والعراق وإيران للسلع المنتجة، وستخفف فاتورة الاستيراد بمئات ملايين الدولارات، وتخلق آلاف فرص العمل الجديدة، وستظهر قربها مزارع الأبقار وتنتعش حولها تربية الأغنام، وتعود الحياة إلى الريف، ويعود التوازن بينه وبين المدينة.
– بالتوازي سينجح حزب الله بترتيب استيراد المشتقات النفطية من إيران بالليرة اللبنانية، لأن لا دولة من دول الخليج ستجرؤ على فعل ذلك بدلاً من إيران، وهو لا يمانع إن فعل ذلك أحد آخر، وسواء كان الاستيراد لحساب الدولة، أو بواسطة شركات خاصة جاهزة لتحمل تبعات العقوبات الأميركية، فإن النتيجة هي سحب كتلة بمليارات الدولارات من سوق الطلب على الدولار، أوضح السيد نصرالله مطالبته المسبقة بتخصيصها لتسديد حقوق المودعين، عدا عن دورها التلقائي في حل أزمات الكهرباء، ودورها في حماية سعر الصرف، وهي المشكلات الكبرى التي يشكو منها اللبنانيون. وإذا سارت الأمور كما يجب في مسارات التفاوض مع العراق والصين، فسيكون لبنان قد انتقل من مرحلة الخوف من الانهيار والجوع إلى النهوض والازدهار، ويعرف الأميركيون أن الأحزاب التي تقود مجتمعاتها وترسخ في وجدان شعوبها، هي الأحزاب التي تنجح في تقديم الحلول للمشاكل المستعصية، وقد يولد حزب الله العابر للطوائف بصيغة أو بأخرى من رحم هذا الإنجاز، وربما يكون هذا مقصد السيد نصرالله، من نصيحته للأميركيين بعدم الرهان على إضعاف الحزب عبر السياسات الأميركيّة، التي قال إنها ستزيد الحزب قوة.