حروب الولايات المتحدة بالوكالة العدوان الثلاثي الجديد على سورية
} أيهم درويش
تبدّلت عبر التاريخ أساليب الاحتلال وأشكال التدخلات بشؤون البلاد الداخلية وطرقه، حيث لم تعد الدول الاستعمارية تلجأ للتدخل العسكري المباشر، بل أصبحت تخوض حروبها بالوكالة، لما أثبتت هذه السياسة من فوائد للدول المستعمرة على الصعيد العسكري والاقتصادي. هذه السياسة «القديمة الجديدة» التي تنتهجها الولايات المتحدة استخدمتها حتى على حلفائها، حيث ظهرت جلية بعد الحرب العالمية الثانية، وعقب خروج اليابان وأوروبا مدمّرَتين من الحرب، حينها تمكنت شركات وقطاعات الإنتاج الأميركي من التغلغل في الأسواق اليابانية والأوروبية، وساهمت في تعميق حالة التخبّط التي كانت تمرّ به تلك الأسواق، مستغلةً ولاءات بعض السياسيين وقوتهم العسكرية، بالإضافة إلى الدمار الناتج بعد الحرب، وعدم قدرة تلك الدول من محاربة التوسع الأميركي الطامع لسرقة حلفائه وإخضاعهم، عوضاً عن مساعدتهم في التعافي.
تأتي عودة استخدام سياسة حرب الوكالة الأميركية بعد الفشل الذريع للسياسة الأميركية بعد اجتياحها العسكري المباشر للعراق، والتي حاولت فيه تغيير التوازن الدولي في منطقة الشرق الأوسط وتأكيداً على غطرستها عبر سياسة القطب الواحد. فبعد ما يسمّى بالربيع العربي في عام 2010 بدأت الولايات المتحدة باستخدام سياستها التي أظهرت وبشكل تامّ الأطماع الغربية في الشرق الأوسط وخصوصاً في ليبيا واليمن وسورية، ومحاولةً وقف التوسع الروسي والإيراني في الشرق الأوسط، حيث دأبت الولايات المتحدة منذ اللحظة الأولى على دعم حركات التطرف والمجموعات الإرهابية بالسلاح والمال اللازمين لضرب الأمن وتقويض استقرارها، خصوصاً سورية، عبر ذراعيها، الأول الصهيوني الذي عبر اعتداءاته المتكررة حاول جاهداً تدمير عزيمة الجيش السوري، بعد فشل إرهابيّي «جبهة النصرة» في مهمتهم الموكلة إليهم، ولا يخفى على أحد تسهيلات العدو الصهيوني على فتح مشافيه لمعالجة الإرهابيين الذين قضى عليهم الجيش السوري، وذراعها الثانية التركية، التي لعبت على أساس ايديولوجيتها الدينية التي تربطها بالعرب وتحكّمها بحركات التطرف العربي مثل جماعة الإخوان المسلمين الحاكمة في كثير من الدول العربية، ولتحقيق حلم أردوغان بتحقيق سلطانه وإحياء «الدولة العثمانية» واستغلالها لجوارها مع سوريا والعراق، حيث ساهمت تركيا في دخول إرهابيين من كلّ أنحاء دول العالم إلى سورية وولادة تنظيم الدولة الإسلامية «داعش»، ومع التدخل التركي في الأزمة الليبية رأينا عودة ظهور التنظيم الإرهابي في ليبيا وشمال وشرق القارة الأفريقية.
وكانت الولايات المتحدة قد طوّرت سياستها خاصةً في دول الخليج العربي، الذي يدفعون باستمرار الثمن على طبق من ذهب لكسب رضا الولايات المتحدة، التي تمارس معهم سياسة رمي صنارة الصيد، فهي كلما احتاجت لتمويل مخططاتها الاستعمارية تقوم برمي الصنارة عبر تهديد دول الخليج بخديعة أنّ العدو هو إيران وليس الاحتلال الصهيوني الذي يتنصّل من كلّ القوانين الدولية التي تطالبه بالوقف الفوري لخطة الاستيطان وانسحابه من الأراضي الفلسطينية، وتكرر تهديداتها بأنها ستسحب قواعدها العسكرية وتتركها دون حماية، حيث كرّر وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو مزاعمه الكاذبة مراراً من خلال قوله «إنْ لم تكن إيران تشكل تهديداً للسلم والأمن الدوليين، فأيّ شيء يمكن أن نعدّه تهديداً»، ليجتمع الأمراء الخليجيون ويتمسكوا بالصنارة الأميركية، وتسحبها وتأخذ منها ما تريد مثل اتفاقيات التعاون العسكري التي قدّرت قيمتها بأكثر من 600 مليار دولار، تدفعهم السعودية في صفقة الدفاع منذ عام 2017، وعندما تنتهي، تعود الولايات المتحدة لترمي صنارتها من جديد.
وكما طوّرت الدول الاستعمارية سياستها، فقد استطاعت الدولة السورية سريعاً الانتباه للخطر الأميركي والتحرر من مصيدته، وعندما لاحظ الأميركيون فشل جميع مخططاتهم العسكرية، قاموا برمي ورقتهم الأخيرة بالضغط على سورية من خلال قانون «قيصر» الجائر لاستعادة بعضاً من مكانتهم واستثماراتهم لحفظ ماء وجههم الإقليمي والدولي في الشرق الأوسط، حيث استطاعت سورية بمساعدة حلفائها من استعادة السيطرة على كامل الأراضي التي احتلها الإرهاب، وقامت بتفعيل قواعد جديدة لحلفائها لتمنع الدول الاستعمارية من إعادة محاولتهم التوسع ضمن الأراضي السورية عسكرياً، وهكذا تمكنت دمشق من استيعاب الهجوم الثلاثي الأميركي والتركي والصهيوني عسكرياً، وطورت سياستها الداخلية التي ساهمت في تعافيها السريع على المستوى الاقتصادي، بعد نهوضها صناعياً وزراعياً وعلى كلّ المستويات، وتحررها من قيود العقوبات الأميركية، واستغلال تلك العقوبات للنهوض اقتصادياً والتوجه شرقاً عبر فتح سُبل جديدة للاستثمار والاستيراد من خلال واجهتيه الروسي – الصيني، وتمسكها بخيار الصمود وثقتها الكاملة بقدرتها على تجاوز الأزمة، فالنصر العسكري الذي حققه الجيش السوري أكد ثبات الدولة السورية، وبأنها الدولة الوحيدة القادرة على مواجهة الاحتلال التركي سياسياً واقتصادياً، ومجابهة المشروع الأميركي، وهي قادرة على تحقيق توازن للقوة في الشرق الأوسط عبر ثوابتها القومية والوطنية، ودفاعها عن حقوقها المشروعة ورفضها المساومة بالقضية بالفلسطينية مهما كانت الأثمان.