الاغتيالات آخر حروب أميركا المأزومة
} شوقي عواضة
يشهد العراق ارتفاعاً في وتيرة الأحداث المتسارعة لا سيّما بعد اغتيال قائد فيلق القدس الجنرال قاسم سليماني ونائب رئيس هيئة الحشد الشّعبي أبي مهدي المهندس مطلع العام الحالي. واحتدمتِ المواجهة على أثر اندلاع حركة الاحتجاجات الشّعبية إذ تطالب بتحسين الأوضاع المعيشيّة في العراق، والتي حاولت إدارة البيت الأبيض استثمارها بالتزامن مع بداية انتشار جائحة كورونا للتّحريض على الحشد الشّعبي الذي شكّل سياجاً منيعاً للعراق، وكان الحصن الذي تحطّمت على أعتابه أحلام واشنطن والرياض من خلال الانتصارات الكبيرة التي حقّقها الأحرار من الشعب العراقي والحشد والشّرطة الاتحادية والقوى الأمنية بالقضاء على داعش ووأد المؤامرة الشّيطانية في مهدها لتحوّل إدارة ترامب المعركة إلى معركةٍ سياسيّةٍ مارست خلالها المزيد من الضغوط على حكومة عادل عبد المهدي لإسقاطها بعد رفضه الخنوع للشّروط الأميركية في ظلّ كرٍّ وفرٍّ ديبلوماسيٍّ أدّى إلى تعيين مصطفى الكاظمي رئيسا للحكومة، تعيين لم يغيّر من سياسة الولايات المتحدة وعدائيتها للعراق ولحشده الذي أصبحت بعض فصائله قوّةً كبيرةً لمحور المقاومة، إذ شكّلت تهديداً حقيقيّاً للولايات المتحدة الأميركية والكيان الصهيوني وعلى رأس تلك الفصائل كتائب حزب الله من أوائل الفصائل التي أدرجتها الإدارة الأميركيّة على قوائم الإرهاب في ظلّ اعتبار تلك الفصائل للتواجد الأميركي على أرض العراق هو احتلال وسيتمّ التعامل معه على أساس ذلك في حال لم يعلن برنامج انسحابه وفقاً للاتفاقية الأمنيّة بين البلدين وبعد مطالبة البرلمان العراقي ببرنامجٍ زمنيٍّ واضحٍ للانسحاب الأميركي الذي لم يستجب لذلك بدأت إدارة ترامب وحلفاؤها بتحريك بعض المجموعات الداعشيّة في محاولة لقلب الموازين وتغيير قواعد الاشتباك لتبرير استمرار وجودها تحت عنوان محاربة الإرهاب ومع إدراك فصائل الحشد للأهداف الأميركية بدأت عملية الاستهداف للقواعد والمصالح الأميركية بالصّواريخ ممّا دفع ترامب إلى شنّ حربٍ على الحشد دون تقديمه أيّة خسائرَ عسكريّةٍ أو ماديّةٍ في محاولة منه للردّ على الهجمات ولإيجاد شرخٍ بين الحشد الشعبي الذي هو جزء من المؤسّسات العسكريّة والحكومية العراقيّة وبين جهاز مكافحة الإرهاب الذي أقدم بتاريخ 25 _ 6_ 2020 على اعتقال 14 شخص من كتائب حزب الله في منطقة الدّورة في بغداد، وهي عملية استدعت استنفار فصائل الحشد وتطويق المنطقة الخضراء ومن ضمنها السّفارة الأميركية، وبعد إجراء العديد من الاتصالات تمّ الافراج عن المعتقلين لتتحوّل الفتنة التي أرادها الأميركي بين أبناء الخندق الواحد إلى صفعةٍ وهزيمةٍ جديدةٍ لم تيأس واشنطن من تكرارها لتستعمل أسلوباً شيطانيّاً جديداً مستهدفة رأس الهرم المتمثّل بسماحة آية الله السّيد علي السيستاني الذي كان له دورٌ أساسيٌّ في تأسيس الحشد الشعبي من خلال فتواه الشهيرة فلجأت أدوات ترامب للإساءة إلى المرجعية من خلال نشر رسمٍ كاريكاتوريٍّ يسيء للمرجعيّة في صحيفة “الشرق الأوسط” السعودية في عددها الصّادر في 3_ 7_ 2020، إساءة وحّدتِ الشّارع العراقي بكلّ مكوّناته وأشعلته فخرجت مسيرات الغضب مندّدةً بإساءة الإعلام السعودي للمرجعيّة، موقف استدعى ترامب إلى المحاولة مجدّداً لإيجاد شرخٍ يضرب مشهد الوحدة العراقيّة ويضع العراق في دائرة الفوضى وعدم الاستقرار بعد الفشل الذريع في عملية الاغتيال المعنوي للمرجعيّة، الأمر الذي دفع بالأميركيين وأدواتهم إلى عمليّة اغتيال الباحث والخبير الاستراتيجي هاشم الهاشمي في السّابع من الشّهر الجاري، واكبتها تغطيةٌ إعلاميّة واسعةٌ أطلقتها أبواق واشنطن والرياض موجّهة الاتهام لكتائب حزب الله بعد أقلّ من ساعة على عملية اغتيال الهاشمي مستبقةً التّحقيقات ومستشهدةً ببعض الإعلاميين والمحلّلين ومرتزقة السفارات الأميركيّة والإسرائيليّة والسّعودية، عملية اغتيال بتخطيطٍ أميركيي وتمويلٍ سعوديّ وتنفيذ بعثيين سابقين درّبوا في معسكرات “بلاك ووتر”. يبرز ذلك من خلال دقّة رصد الهاشمي وتتبّعه واستغلال اللّحظة المناسبة لتنفيذ العملية بأعصابٍ باردةٍ تدلّ على وجود مجموعاتٍ داعمةٍ للقتلة في محيط منطقة الاغتيال كانت على استعداد للتدخّل في حال وقوع أيّة مفاجأة لحماية القاتلين وتغطيتهم للانسحاب أو حتى تصفيتهم بعد التنفيذ، سيناريو هوليودي الهدف منه صناعة قضية رأي عام كما حصل في عملية اغتيال الرئيس رفيق الحريري في لبنان لاستثمار الدّم سياسيّاً ومن ثمّ اتهام حزب الله بالاغتيال كمقدّمةٍ لتجريده من سلاحه.
هو أسلوب واحد لأمّ الإرهاب في العالم تجدّد باغتيال الهاشمي في بغداد لتلصق التهمة بكتائب حزب الله وتصنيفها بمنظمةٍ إرهابيّة لإضعاف قوّتها وإجبارها على تسليم سلاحها ردّاً على استهداف قوّات الاحتلال الأميركي في العراق، تلك الكتائب التي كان ولا يزال هدفها الدّفاع عن العراق والأمّة في وجه الغطرسة الأميركية وقوّاتها التي لا يمكن التعامل معها إلّا على أساس أنّها احتلالٌ مأزومٌ ومهزومٌ لا محال.