هل الحلول مؤجلة بانتظار تقاطع المصالح الإقليمية والدولية…؟
} علي بدر الدين
الخط البياني المتوقع للأوضاع السياسية والاقتصادية والمالية والاجتماعية والمعيشية في لبنان إلى تصاعد وتفاقم وينذر بالأسوأ وبانسداد كلّ أمل بولوج الحلول أو أقله بتخفيف الاندفاعة باتجاه الهاوية وإقفال طريق العودة ربما لوقت قد يطول ويراكم التعقيدات والأزمات التي تنعدم فيها المخارج وتصبح عصية على المعالجة والحلّ بالوسائل السياسية التقليدية والانتهازية والمصلحية، وفي ظلّ طبقة سياسية ومالية فاسدة ومتعجرفة وناهبة لمقدرات الدولة وأموالها ولحقوق شعبها وتحويلها لبنان الى صحراء قاحلة بعد أن التهمت أخضره ويابسه، وصادرت ماءه واطفأت أنواره وتلاعبت بعملته الوطنية التي بلغت الحضيض وفقدت قيمتها الشرائية ولم تعد قادرة على الصمود والاستمرار في مواجهة الدولار الأميركي الذي سرقه حيتان السلطة والسياسة والمال وهجروه الى مصارف خارج الحدود كما هجروا قبله ملايين من اللبنانيين بسبب فسادهم وجشعهم وسوء أدائهم وإدارتهم لشؤون البلاد والعباد وسياسة النهب والحرمان والإهمال التي اعتمدوها منذ تكوّن النظام السياسي الطائفي والمذهبي البغيض.
الشعب اليوم كما بالأمس يحصد الحروب والفتن والصراعات والاتفاقيات التي لا تحصل سوى بتوافق إقليمي ودولي لأنّ الطبقة السياسية الحاكمة منذ زمن فقدت قرارها وشخصيتها السيادية والاستقلالية وانعدمت قدرتها على حكم نفسها وشعبها أسوة برجال الدولة في الدول التي تحترم شعوبها وتطمح الى بناء دولها الموحدة والقوية والعادلة والقادرة على مواجهة التحديات الداخلية والخارجية مهما كانت صعبة ومعقدة، وتكون قدوة حسنة لشعبها بالمواطنية الصحيحة وبالولاء للوطن والتفاني في سبيله وفي الالتزام بالأنظمة والقوانين وتطبيقها وفق المصلحة العامة.
وعلى عكس الحكام والدول فإنّ الطبقة السياسية في لبنان على اختلافها ومراحل حكمها وتسلّطها سارت بالمقلوب، وبدلاً من أن تبني ودولة بالمواصفات المعترف بها عالمياً وقانونياً وتشريعياً ودستورياً وإنسانياً واقتصادياً واجتماعياً وثقافياً وتنموياً بنت وطناً خاصاً لها وعلى شاكلتها ووفق قوانينها وبما يخدم مصلحتها ولكن من أموال الدولة والشعب والمؤسّسات، حيث أقامت الأبراج والقلاع المحصّنة والمربعات الأمنية التي اطاحت بشوارع وساحات ومساحات وضيّقت بها على الناس، الذين للأسف استسلموا للأمر الواقع القائم الذي هو ضدّ مصالحهم وانغمسوا في مشاريع الطبقة السياسية يضحّون من أجلها ويهتفون بحياتها ويسكتون على بلاويها وما فعلته بهم على مدى عقود من التسلط والظلم والاستبداد ومصادرة الحقوق وحرمانهم من الخدمات والتقديمات والاستقرار الاقتصادي والمعيشي. الأكثر من ذلك أمّنت لها الحماية والحصانة الشعبية والمذهبية والطائفية وفدتها بالأرواح والدماء والمهج وفلذات الأكباد، وهي على علم ومعرفة بارتكاباتها وفسادها وسياستها القائمة على مقولة «أنا أو لا أحد»، ولا وطن ولا دولة ولا مؤسسات ولا شعب الا والكل في فلكها يسبحون وهم بالنسبة اليها مجرد مساحات وأمكنة ودمى خاضعة لقوانينها ومحكومة بأزلامها الى أن يقضي الله أمراً كان مفعولاً.
لسنا نبالغ في تصوير المشهد العام في لبنان، انه واقع الحال الذي نعيشه من دون زيادة أو نقصان، والشواهد على مرأى من الجميع بالأدلة والوقائع والبراهين التي لا مجال للتعمية عليها، والشعب اللبناني بكلّ شرائحه ومناطقه وطوائفه يعاني منها فقراً وجوعاً وقهراً وذلاً وتهجيراً ومن دون عمل أو وظيفة مهما كانت وضيعة أو عالية المقام وحتى لو نجح للوصول إليها لا يوظف إلا إذا تأمّن التوازن الطوائفي، كما في غيرها لا يحقّ له أن يحلم بالتوظيف إلا إذا كان محظياً ومن الأقرباء أو من المنتمين حزبياً حتى لو كان نزيهاً وكفؤاً ومن نفس المذهب والطائفة. وهذا معاش ولا يحصل في أية معاملة لتسهيل أموره إلا بطرق ملتوية ومشبوهة.
هذا غيض من فيض مأثر الطبقة السياسية أقله من حكم الثلاثين سنة الأخيرة والنتيجة هي الكارثة التي تجثم بقوة على اللبنانيين وتكاد أن تخنقهم وتميتهم قهراً وجوعاً من دون أن يصرخوا من الوجع والجوع…
لا يتوقعن أحد أو حتى يحلمن ومهما أوغل بالتحليل والتفاؤل أنّ لبنان سيسلك طريق الحرير والحلّ في الزمن الآتي القريب او المتوسط، لأنّ كلّ المؤشرات والمعطيات العلنية والمخفية وما يحصل من تطوّرات غير متوقعة لا توحي أو تنبئ بشيء من الأمل ولو كان وهمياً أو مصطنعاً بل العكس تماماً فإنّ الأمور إلى مزيد من التعقيد والتصعيد الإقليمي والدولي حيث تغيّم على تضارب المصالح او حتى تقاطعها وتمطر سموماً في لبنان على قاعدة الغنم لهم والغرم على اللبنانيين الذين هم أو معظمهم جزء أساسي في ما وصلوا إليه لصمتهم القاتل وارتهانهم المذلّ وكأنهم على اتفاق معمّد بالتبعية المطلقة لهذه الطبقة أو شركاء في انهيار البلد وإفلاسه وقد وقعوا على أن يكون الفقر والجوع من نصيبهم والحصص والمغانم والسلطة والمال حلال زلال للطبقة المؤبدة في الحكم.
ويصحّ القول في الشعب الصامت والتابع عن جهل أو عن مصلحة متواضعة جداً ما قاله أحد الشعراء:
حراً ولدت فلا تكن مستعبداً
لا العبد كنت ولا سواك السيد