شارع المقاومة يُسقِط «قيصر» في عوكر… رسائل تهديد تُدجِّن السفيرة الأميركيّة!
} محمد حميّة
انقلب المشهد السياسي الداخلي رأساً على عقب… فبعد الاستباحة الأميركية للساحة اللبنانية على مدى أسابيع، تغيرت الصورة خلال الأيام القليلة الماضية وتوّجت أمس، بحدثين: سياسي دبلوماسي تمثل بزيارة السفيرة الأميركية في لبنان دوروثي شيا الى السرايا الحكوميّة ولقائها رئيس الحكومة حسان دياب، الثاني شعبي أمني تمثّل بالتحرك الذي شهده محيط السفارة الأميركيّة في عوكر احتجاجاً على السياسة الأميركية العدوانية ضد لبنان ومحاولة اقتحام حرم السفارة والدخول اليها.
فما هي الوقائع والمعطيات التي أدت الى استبدال أجواء التصعيد الأميركي الى حدود التلويح بإسقاط الحكومة والتهديد بالحرب العسكرية، بأجواء حوارية وهادئة؟
فبحسب معلومات «البناء» فإن دوائر القرار المعنية في الولايات المتحدة تلقفت رسائل الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في خطابه ما قبل الأخير بجدية واهتمام كبيرين، لكنها لم توقف حربها على لبنان وكانت تراهن على خطوة سياسية أمنية تقلب توازن القوى السياسي والحكومي الداخلي وذلك عبر إسقاط حكومة الرئيس دياب في الشارع بمساعدة حلفائها من القوى السياسية المحلية وترك البلد في فراغ وفوضى اجتماعية مشرعاً أمام احتمالات الفتنة الطائفية والمذهبية، وبالتالي إجبار القوى السياسية على تأليف حكومة جديدة بشروط أميركية يرأسها أحد الموظفين المصرفيين النافذين المحسوبين عليها، وإما اجراء انتخابات نيابية جديدة تظن أميركا أنها تعبث بالخريطة السياسية للمجلس النيابي الحالي، وعلها بذلك تدفع حزب الله الى التنازل والتسليم بالشروط الأميركية في ملفات عدة أبرزها ملف النفط والغاز في البلوك المتنازع عليه في المياه الإقليمية.
أما هدف إسقاط الحكومة فيصب في هذا الاتجاه. فالمخطط الأميركي بحسب معلومات «البناء» تركز على إطاحة حكومة دياب وتحويلها الى تصريف أعمال كي لا تتمكن من اتخاذ اي قرار في الملفات السيادية لا سيما في موضوع النفط والغاز، وبالتالي يمنع لبنان من تلزيم أي من بلوكاته النفطية ولا عقد اي اتفاقات اقتصادية مع دول عدة مستعدة لمساعدته لكسر قانون العقوبات قيصر وإنقاذ البلد من الانهيار ليبقى أمامه خيار وحيد هو صندوق النقد الدولي.
وبحسب المصادر، بعد فشل مخطط إسقاط الحكومة والهجمة الحكومية المرتدة على صعد عدة لا سيما زيارة الوفدين الصيني والعراقي الى السرايا الحكومية واتفاق السلة الغذائية الجديدة، وتزامن ذلك مع خطاب حاسم للسيد نصرالله حمل رسائل تهديد للأميركيين وبعد تلمّس واشنطن جدية حكومية بالتوجه الاقتصادي الى دول كالعراق والصين وايران وسورية مع الإعلان عن أن بواخر المساعدات الايرانية المحملة بالمحروقات والمواد الغذائية ترسو في المياه الإيرانية تنتظر اشارة الانطلاق الى لبنان، أوعزت وزارة الخارجية الأميركية الى سفيرتها في لبنان بالتهدئة ولجم الاندفاعة التصعيدية والانفتاح على الحكومة ورئيسها للحفاظ على العلاقة مع لبنان وقطع الطريق على دخول دول أخرى الى الساحة اللبنانية. وتعزّزت القناعة الأميركية بضرورة التغيّر بعد سماع السفيرة الأميركيّة الموقف اللبناني الحاسم في عين التينة على لسان الرئيس نبيه بري برفض لبنان المطلق التنازل عن حقوقه في ملف النفط والغاز.
أما انقلاب المشهد فتجلى أيضاً بعودة قوى وأحزاب المقاومة للسيطرة على الشارع عبر التحرّكات الشعبية باتجاه السفارة الأميركية في عوكر رفضاً للسياسة الأميركية العدوانيّة تجاه لبنان، بعدما تفردت واشنطن في التحكّم بالشارع منذ 17 تشرين الماضي عبر تحريك أحزاب 14 آذار ضد الحكومة وسلاح حزب الله وتنظيم تظاهرة داعمة للسياسة الأميركية في لبنان وتطبيق القرارات الدولية، فكانت تظاهرة الأمس ضربة مفاجئة للمخطط الأميركي تلقفتها السفارة الأميركية على أنها رسالة أمنية سياسية من حزب الله وحلفائه تحمل في طياتها غضباً وحنقاً من الشعب اللبناني بمختلف تلاوينه من العربدة الأميركية وسياسة حصار لبنان وتجويع شعبه، وبالتالي تشكل جرس إنذار لبداية التحرر اللبناني من الاجتياح الأميركي للبنان بوسائل اقتصادية والسطو على القرار السيادي. الأمر الذي يهدد المصالح الأميركية في لبنان والنفوذ التاريخي في هذه المنطقة. فأدت هذه الرسالة غرضها بأن دفعت الدبلوماسية الأميركية في لبنان للعودة الى «حضن» الشرعية اللبنانية، ولذلك تنقلت شيا بين مقرّي الرئاستين الثانية والثالثة للاحتماء من غضب الشارع.
هكاذ أجهض الشارع قانون «قيصر» قبل أن يولد وأمام «أمه وأبيه» أي في سفارة عوكر المكان الذي عقدت فيه الاجتماعات ونُسجت المخططات للإطاحة بالحكومة وضرب الاستقرار، بحسب ما أكدت معلومات رسمية لـ«البناء».
فالولايات المتحدة بحسب مصادر نيابية في فريق المقاومة تعمل على خنق لبنان لكن ليس قتله، فلا مصلحة لديها بدفع لبنان الى الفوضى الكاملة والحرب الأهلية لأن ذلك يدفع حزب الله وحلفاءه من أحزاب وقوى المقاومة لتنفيذ «الخطة ب» أي اعلان الولايات المتحدة عدوة للبنان وسفارتها موقع عدواني تجب إزالته وفتح لبنان لدخول دول أخرى لإنقاذه اقتصادياً، لذلك تلقفت أميركا رسائل التهديد المتنوعة ما دفعها الى تدجين سفيرتها في لبنان وتأنيبها على تصرفاتها الأخيرة.
علماً أن مصدراً دبلوماسياً لبنانياً سابقاً في واشنطن ومطلعاً على السياسة الأميركية يؤكد لـ«البناء» أن «واشنطن لا تريد إغراق لبنان بالانهيار الكامل بل تريد الضغط على لبنان لتحميل حزب الله المسؤولية وتقليب البيئة الشعبية عليه ودفعه للرضوخ للإملاءات الأميركية الإسرائيلية». وتوقع المصدر استمرار الضغط الأميركي على لبنان مع بعض الليونة في الموقف الأميركي وبعض الإجراءات للتخفيف من حدة الأزمة اللبنانية وذلك حتى الانتخابات الرئاسية الأميركية على أن تبدأ ملامح مرحلة جديدة في لبنان والمنطقة والعالم مطلع العام المقبل مع تلمس توجهات وسياسات الإدارة الأميركية المقبلة».
وبدا الربط واضحاً بين الليونة الأميركية تجاه لبنان والمؤشرات الإيجابية الخارجية التي لاحت مؤخراً، كزيارة الوفد الصيني تلاه الوفد العراقي الى بيروت ثم ورود إشارات إيجابية من دول خليجية لا سيما قطر والكويت وإحياء المفاوضات مع صندوق النقد الدولي والحديث عن زيارة وزير خارجية فرنسا الى بيروت. ما يشير الى ضوء أصفر أميركي لحلفائها في المنطقة للتأهب لمساعدة لبنان لقطع الطريق على الاندفاعة الإيرانية لكن متى يتحول الى ضوء أخضر؟
يجب الحذر من المناورات الأميركية ما يستوجب على الحكومة الاستمرار بخيار الانفتاح على الشرق ولا تراهن على الإيجابية الأميركية فقد تخسر الاثنين معاً، فالشرق بات حاجة ملحّة للبنان من دون إقفال الأبواب مع الغرب، لكنه وسيلة تعزز الموقف التفاوضي اللبناني.