العوضي… رجل بسعة البحر
} د. عباس خامه يار*
العام الماضي وفي مثل هذا اليوم، ارتحل عن الدنيا رجلٌ، بِسعة البحر…
التحقَ إلى ديار المعبود رجلٌ كان بسعةِ البحر؛ عبد الرحمن العوضي رئيس جمعية الصداقة الكويتية – الإيرانية ووزير الصحة الأسبق للكويت. مثقّفٌ إيرانيّ الأًصل أمضى عمره المبارك بأكمله في إعانة الموجوعين والفقراء وتعزيز نشر العلم والمعرفة. لا سيما في مجال الطبابة والعلوم الطبية. كان رئيس مركز أكاديمية العلوم الطبية في العالم العربي، حيث كان يتولى مسؤولية تعريب وانتقاء المصطلحات الطبية الانجليزية وإيجاد المصطلح المناسب لها في اللغة العربية. أسّس العوضي مستشفى الطب الإسلامي من أجل إحياء الطب الإسلامي التقليدي، وإثبات الإنجازات العلمية المذهلة للعلماء المسلمين منذ قرونٍ مضت.
كان مؤسس ورئيس المنظمة الإقليمية للحفاظ على البيئة البحرية، ولطالما كان لديه هاجس تلوّث مياه الخليج الفارسي، وفي مكتب عمله، كانت عيناه على أجهزة المراقبة التي ترصد حركة دخول السفن وخروجها عن طريق الأقمار الصناعية، وإنْ كان هناك أيّ مخالفة، يتمّ فوراً التعريف بالمخالف ومجازاته. إلى جانب ذلك كان يحذر من رمي النفايات ومياه الصرف دون تصفية، وكان يعتقد بأنّ تلك المياه هي بمثابة سلعةٍ استراتيجية ثمينة جداً، حيث أنّ الحياة في هذه المنطقة مرتبطة بها. وكان حريصاً على الثروة السمكية فيها، ويشعر بالسخط على ناقلات النفط الغريبة الضخمة التي تلقي بنفاياتها وفضلاتها في المياه؛ حيث إنّ العبور اليومي لـ 1500 سفينة كبيرة يهدّد الثروة السمكية.
كان عبد الرحمن محرك طريق الحقيقة، وعالماً عاملاً حيث كان فقدانه خسارةً للمجتمع الإنساني. كان لا يتوانى عن السعي إلى توسيع المناسبات الشعبية الإيرانية والكويتية وكان يعشق إيران والإيرانيين.
خلال السنوات الأخيرة والأولى من الثمانينيات والتسعينيات، حيث كنتُ ممثل بلادنا الثقافي في الكويت، وبالإجماع والتعاون مع نخبةٍ من المثقفين والحريصين في تلك البلاد، وفي ذروة أجواء الترويج لـ “إيرانفوبيا” والحرب النفسية والإعلامية ضدّ بلادنا، تمّ في اجتماعٍ محدود في نقابة الصحافيين في الكويت، اقتراح تشكيل جمعية الصداقة الكويتية – الإيرانية، وبرز اسم عبد الرحمن العوضي بين الأسماء المقترحة. أثناء تلك اللحظات الأولى، ومن خلال اتصالٍ هاتفيٍّ معه، فاجأتنا حفاوةُ استقباله للفكرة، ثم تولى بعد ذلك رئاسة الجمعية، وقضى حياته حتى آخر عمره في تعزيز العلاقات الشعبية بين البلدين بإخلاصٍ تام.
وقد دافع بعلمه وشجاعته عن موقف الجمهورية الإسلامية الإيرانية مقابل الاستعمار الحديث، حيث قال خلال استقباله لأعضاء الصداقة في البرلمان الإيراني – الكويتي الذين كانوا قد دخلوا البلاد بدعوةٍ من مجلس الأمة الكويتي في آذار 2016: إيران بلدٌ كبيرٌ ومهمّ، وإنّ الروابط القوية بين شعوب البلدين متجذرةٌ في التاريخ، وإنّ على عاتقنا مسؤوليةً عظيمة؛ إذ علينا أن ننقل هذا الميراث القديم إلى الجيل الشاب. ويضيف: المنطقة في الوقت الراهن تعيش حالةً من التلوّث والتشنّج، وعلى جمعيتنا ومجموعتكم أن تسعى لتطهير هذا الجوّ الملتهب والمتوتر.
ومعرباً عن سروره بالمفاوضات الناجحة بين إيران وستةٍ من بلدان العالم الكبرى، وإثبات النشاط النووي السلمي، يقول الدكتور العوضي: أميركا هي رأس كلّ الصراعات التي تحكم المنطقة، وقد حاولت السيدة رايس وزيرة الخارجية الأميركية السابقة أن تبث الفتنة بين الأعراب وإيران من خلال الفتن ومخططات الفوضى الخلّاقة، لكن علاقات الدول الجيران لا ينبغي أن تتأثر بالأمور العابرة والحواشي.
الفقيد عبد الرحمن العوضي، كان لديه ميلٌ كبير لزيارة مسقط رأسه “اوز” (عوض) في محافظة فارس، وكان يشترطُ عليّ أن أرافقه. لكن لسوء الحظ بسبب التقدّم في السن، ومعاناته مع المرض، لم يتمكّن من ذلك.
بالإضافة إلى اجتماعات الجمعية، كان حاضراً في مناسباتنا التي كانت تقام في المستشارية الثقافية لبلادنا في الكويت، وكان يكنّ لها فائق الاحترام والتقدير، وكان يعبّر عن تقديره نشاطاتها، وكان يعتبر مستشارية بلادنا الثقافية في الكويت نموذجاً ومثالاً لكلّ المراكز الثقافية الأجنبية في الكويت…
فليرحمه الله وإنا لله وإنا إليه راجعون…
*المستشار الثقافي لجمهورية إيران الإسلامية