كذبة الأبطال في صراع التاريخ والجغرافيا ولعبة الاقتصاد!
جهاد أيوب
للتاريخ بصمته، وللجغرافيا مساحتها الهامسة الهامة بثقة منطقية لحركة الإنسان فيها، ولا مجال للتناقض بينهما إلا في العقول الضعيفة رغم تغير الزمان بينهما، ولكن أماكن التواصل باقية مع بقاء كل إشراقة شمس لا يشوبها غير طمع الإنسان، وجهله بحدوده!
يطمع الإنسان بممارسة الدماء بحجة البطولات الكاذبة، يخترعها، يصوّب عقده عليها، وربما يتذكر التاريخ بما حمل من دون أن يطوّر حدثه في قراءة أحداثه، ومن دون أن يستفيد بما وقع، فيقرّر استغلال هذا التاريخ بماضٍ شوائبه أكثر من فوائده فيقوم بعدمية وجوده فيه، وبعنوان فيه من حب الذات الكثير، وبأن حقي أن أعيش وغيري أن يموت أو يكون عبداً فيبدأ بسجن وجوده في جغرافيا مهتزة من تحته، ويأخذ باقتحام الجغرافيا، وبإقحام الجغرافيا في اهتزازات التاريخ الذي كان بين وجوده في كتب الماضي، ووجوده الذي يبنيه بثرثرات من هم من حوله!
يجهل هذا الذي عاش عقدة الحقد في التاريخ أن للجغرافيا حضور الإنسان، وقيمة الطبيعة، ويعزز أفق مكانه، ويعشوشب في طموحاته على حساب غيره، فيشرب زيت العمر معتقداً أنه البطل الذي قرّر إلغاء غيره، والسيطرة على كل مساحة جغرافية داسها، ولا عجب أن غالبية من ذكرهم التاريخ كأبطال للمعارك، وصناع تهديم الجغرافيا هم كتل بشرية مريضة نفسياً، تحتوي على نقاط قوة لا يعرفون استخدامها إلا بالبطش، ونقاط ضعف تسبب الأمراض النفسية، والضعيفة بعقدها، وتعيش خجل الوجود فتخوض معاركها بواقعية مريضة لتلجم ما هي عليه، وتقوم بتكسير الجغرافيا، وتحتل المساحات بإلغاء التاريخ، وبتحويل ما يناسبها من التاريخ إلى دماء على قطع أواصر الجغرافيا!
يعني مَن قال عنهم التاريخ إنهم صنعوا التاريخ من خلال هدم الجغرافيا هم في الحقيقة بشر، وبغالبيتهم عاشوا مع عقدهم ومشاكلهم البيئية، والاجتماعية، والعائلية، والبيولوجية، والايديولوجية، وأورثونا الكثير منها!
نعم، ومَن يقرأ السير الذاتية لغالبية من ذكروا في صفحات التاريخ بأبطال احتلالات الجغرافيا يكتشف هشاشة التربية، وسذاجة الطموحات، وغباء التفكير كلما اجتمعوا مع ذواتهم أو مع غيرهم، وعقدهم تصبح فلسفة وجودهم الحاقد على من حولهم، لذلك بطولاتهم هي مهربهم من واقعهم، وهذا يبعدك عن حقيقتهم بعد أن يأخذوك إلى ما ارتكبوه من غزو في دماء الجغرافيا بما حملت من تهشيم المساحة والإنسان مع أن التاريخ رغم تزويره هو نزاع الملك الوجودي، يأخذك من فعل، من نبع عقد نفسية اجتماعية إلى افتعال انتصارات جغرافية على ورق التاريخ حينما يكتبه كما يرغب ويشتهي المنتصر، لينتهي معه بكذبة تزوير التاريخ، ونحن غافلون عنه إلى حين غرة!
التاريخ هو الدرس الذي نعود إليه كي نتعلم إذا قررنا مناقشته من دون أن نأخذه كما هو، وكما اشتهى كاتبه، وكما تدعونا تمنيات ورغبات عقدنا الدينية والطائفية والمناطقية والقبلية والعشائرية، وأيضاً «الشعوبية» التي أصبحت مصرعنا وأمراضنا، ولم تعد معنية بفئة معينة، وببقعة جغرافية محدودة كما كذبوا علينا في التاريخ!
قراءة التاريخ من خارج قراءة حالته الاقتصادية تبعد حقيقة جغرافية الأمكنة، ومساحات العمق الجغرافي تصبح مجرد تراشق حوارات تعتمد على الكذب، وعلى فن التكاذب في لعبة السياسة !
قراءة التاريخ مع ما ذكرت، وجب أن نضيف إليها قراءة منطقية لطبيعة حياة وبيئة ذاك البطل الذي كما أشرنا تعمد التنكيل بالجغرافيا!
وحينما نجعل من التاريخ عقيدة ننهزم، ولا نبني جغرافيا، ونعيش من خلاله ازمة وجودية، خاصة أننا نتغنى به بعنصرية متضمنة تزمتنا المبني على حقدنا الجغرافي!
لذلك من المستحيل إيجاد شركاء في العيش بين مساحات جغرافية مشتركة، وأهلها يعيشون عيشة طبيعية ومنطقية خارج حروب الحقد والغيرة وإلغاء الآخر، مع أن الاندماج الجغرافي يفرض ولادة المصالحة في المصالح، وليس الصراع مع المصالح وعلى حساب طبيعة الجغرافية!
من هنا نجد دائماً هنالك أطماعاً، ودائماً هذه الأطماع تصنع الصراعات، ودائماً الصراعات الجغرافية توصل إلى الطمع الذي يعيش بين اختراع الحروب، والطمع يتطاول على التاريخ، والتاريخ هو حالة جنونيّة من واقع الاقتصاد، وهذا التطاول يفرض الدماء، ومَن ينتصر يزوّر وجوده في التاريخ بعد أن غلفه بتحسين حالاته الاقتصادية!
الجغرافيا هي التي تصنع الحلف، والعقيدة المتحركة لمصلحة الوطن، بينما التاريخ إذا استخدم بحقد يجعل من الوطن مجرد خبريات من كذب طموحات الساسة، وفساد المسؤولين، وعنصرية مواطن بالأصل لا مواطنة لديه، وليست عنده، وليست له، ومهما جُمّل حال الاقتصاد يبقى هذا الأخير غاية وليس هدفاً فقط، والأهم كيفية استغلال تأليف خبريات دينية طائفية لمصلحة المنتصر الذي زوّر التاريخ كي يحتل الجغرافيا.
اقصد، ومن خلال موضوعية المراقبة، وحيادية الأنسنة، والابتعاد عن أممية الديانات التي شكلت أفيون تحركات أهل الطموح السياسي بمعادلة القتل في تحرير الركود الاقتصادي نجد أن الجغرافيا أبقى من التاريخ مهما زوره المنتصر، والمنتصر مهما تكاذبنا في تجميله هو من وقع بإرادته في لعبة الاقتصاد فجعلنا مندهشين بما فرض علينا أن نعيش غشاوة التاريخ في وضوح الجغرافيا وتغيير في سيرة البطل الذي رسمناه خارج الزمن ولا يشبهنا!