الولايات المتحدة بين غطرستها وهشاشة أدواتها
} د. علي سيد
الحرب الاقتصادية التي تشنّها الولايات المتحدة الأميركية على لبنان بكافة أطيافه شعباً ومؤسّسات تحت مسمّيات واهية… ما هي إلا نتيجة لفشل أدواتها من الإمساك بالوضع اللبناني. فالحرب الناعمة التي بدأتها منذ أعوام وصلت إلى خواتيمها، والكباش بين محور الغرب بقيادة أميركا ومحور الممانعة والمقاومة وصل إلى الذروة.
هناك حرب سياسية واقتصادية معلنة بين أميركا وإيران، وقد وصلت امتداداتها وتردّداتها إلى أرض لبنان، لا شكّ أنّ الوضع كارثي بفعل الأزمة الاقتصادية والحصار، ولا أحد يفكر الآن بتداعيات كوفيد-19، وهمّ اللّبنانيين تأمين لقمة العيش والسيطرة على قيمة صرف الدولار.
لقد جاء تعيين السفيرة الأميركية الجديدة في بيروت دوروثي ك. شيا على خلفية تضييق الحصار على محور المقاومة في لبنان، فهي ذات خبرة 28 عاماً في السلك الدبلوماسي وعملت بين عامي 2014 و 2017 كنائب للمسؤول الرئيسي في القنصلية الأميركية العامة في القدس، وكانت قبلها بأعوام المسؤولة السياسية في السفارة الأميركية في تل أبيب، وتجيد الفرنسية والعربية.
طبعاً، الذين يقومون بدور أدوات أميركا هم موجودون داخل وخارج النظام في لبنان للخدمة وتمرير المشاريع، وهنا بيت القصيد، فتضييق الخناق على اللبنانيين بمن فيهم أدواتها أو مريدوها سوف ينتج عاجلاً أم آجلاً بيئة داخلهم ترتدّ على المخطط، فالضائقة الاقتصادية تصيب الجميع وسعر الصّرف هو واحد على كلّ الأراضي اللبنانية، وبالتالي فإنّ الأدوات (بيئة أميركا والغرب) أصبحت ترزح تحت الضيق والعوز داخل تلك المجتمعات، وفي البيئة التي تقف بوجه محور الممانعة. السؤال المركزي هنا: إلى متى سيتحمّل هؤلاء الوضع الحالي؟ وما هو مستوى قدرتهم على الصمود؟ بينما نجد أنّ البيئة الحاضنة للمقاومة من الممكن أن تكون أقلّ تأثّراً مع أنها هي المقصودة بكلّ ما يحدث ويخطَّط له.
يُقال: (اشتدّي يا أزمة تنفرجي)، ونحن الآن في أشدّ مراحل هذه الحرب الاقتصادية الناعمة، وهنا يجوز القول إنّ لبنان أصبح في حالة حرب معلنة مع الولايات المتحدة الأميركية.
المؤامرة الأميركية على لبنان لا تعني التقليل من حجم مسؤولية الطبقة السياسية ومن تسلّم زمام الاقتصاد والمال حتى وصلنا إلى ما وصلنا إليه، فلو أنّ اقتصادنا صلب والفساد والهدر تمّ القضاء عليهما لما استطاعت الولايات المتحدة منازلتنا بهذه السهولة في عقر دارنا.
إنّ الانفتاح على الشرق والغرب معاً واستفادة لبنان من أيّ فرصة متاحة للنهوض باقتصاده في ظلّ حكومة ورئيس مجلس وزراء لا يوجد في قاموسه إلى الآن أيّ تراجع أو تفكير بالاستقالة، فرئيس الحكومة د. حسان دياب مستمرّ في إداء مهامه وهو يبعث بالرسائل في كلّ الاتجاهات بأنه سوف ينفتح على أيّ دولة تريد مساعدة لبنان (طبعاً باستثناء عدوّنا إسرائيل) ولا يرى أيّ مشكلة في التّعاطي مع دول الشرق فمصلحة وطننا لبنان فوق كلّ اعتبار، وبناءً عليه فقد وصلت الإشارات إلى الجمهورية العراقية الشّقيقة بالانفتاح على لبنان للتقليل من الخسائر لأنّ البديل هو إيران، فقامت أميركا بفتح هذا المنفذ لأنها لا تريد خسارة كلّ شيء.
من الواضح أنّ الأزمة وصلت إلى ذروتها وبدأت الولايات المتحدة وحلفاؤها البحث عن الحلول، فالحصار سيُفقدهم جزءاً كبيراً من بيئتهم ومؤيديهم، وهذا المجتمع بدأ ينفذ صبره على قاعدة إذا أردت خنق خصمك فما ذنب أدواتك ومريديك المتواجدين في بلد ومنطقة الخصم، فهذه الحرب الاقتصادية لا تميّز بين الطوائف والمناطق، من الطبيعي أن يصبر ويقاوم الحصار مؤيدو محور الممانعة لأنّ خيارهم المقاومة ومقارعة العدو الصّهيوني وعدم الاستسلام لمشاريعه العدوانية والتقسيمية، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه: ما الذي يدفع بيئة المحور المقابل إلى تحمّل القليل والكثير والمزيد من العوز والضائقة، فالإدارة الأميركية تعلم هشاشة إيديولوجية وطريقة تفكير البيئة الحليفة خاصة المترفة منها؟
من الواضح أن الأزمة التي نعيشها لا تستطيع أن تتحمّل حتى تشرين الثاني موعد الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة الأميركية، وهذه الأخيرة بدأت البحث والتسويق لبعض الحلول لأنها بدأت تخسر شيئاً من أدواتها بفعل الحصار والدفع باتجاه انهيار الليرة.
الكباش الأميركي الإيراني وخطط إضعاف محور المقاومة والممانعة في المنطقة وخاصة في لبنان من الممكن أن ينتهي لصالح هذا المحور، وما زيارة قائد المنطقة المركزية الوسطى في الجيش الأميركي الجنرال كينيث ماكنزي إلى لبنان وتصريحاته الأخيرة، وجولات السفيرة شيا على المسؤولين وخاصة الرئيس نبيه برّي لما يمثّله من ثقل على ساحة الوطن، إلّا في إطار البحث عن حلول للمأزق الأميركي في المنطقة…