اتفاقية التعاون العسكري بين سورية وإيران رسائل موجّهة ومسمار جديد في نعش «قيصر»
أيهم درويش
قراءة تطورات العلاقات السورية الإيرانية التي أدّت إلى توقيع اتفاقية التعاون العسكري الأخيرة في الثامن من الشهر الحالي من دون رؤية الرسائل الاستراتيجية التي تهدف قيادات البلدين لإيصالها، يجعلها تبدو كأنها مجرد اتفاقية جديدة يوقعها الطرفين ويمضيان، ولكن من الواضح أنّ لها دلالات غير تلك المعلن عنها، ويبدو أنّ طهران ودمشق تريدان إيصال رسائل موجهة إلى جهات القرار الأمني والعسكري الإسرائيلي، مفادها بأنّ سورية لن تتخلى عن حليفها الإيراني، وأنّ تطوير طهران لأنظمة الدفاع الجوية السورية ضمن الاتفاقية دليل على أن طهران لن تقف مكتوفة الأيدي أمام الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على سورية، وهذا ما أكدته وسائل إعلام عبرية عبر نشرها «أنّ إيران أصبحت قادرة على ضرب إسرائيل من داخل الأراضي السورية، وهذا بالفعل أمر يجب الانتباه إليه في الفترة القريبة المقبلة».
لكن الرسالة الأهمّ هي في توقيت الاتفاقية التي جاءت بعد الفيتو الروسي – الصيني على مشروع القرار الذي حاولت الإدارة الأميركية تمريره عبر مجلس الأمن بحجة إدخال «المساعدات الإنسانية» إلى سورية، بعد اليقين الروسي والصيني أنّ المساعدات المخصصة من الأمم المتحدة منذ أربعة أعوام على التوالي تذهب بمعدل سبعين في المئة للتنظيمات الإرهابية المسيطرة على أجزاء من محافظة إدلب برعاية تركية، لترفض روسيا دخول أي مساعدات دون تنسيق مع الحكومة الشرعية في دمشق، لتأتي بعدها إيران وتثبت للإدارة الأميركية برئاسة ترامب أنها مستعدة لأي خطوة لكسر الطوق الذي تحاول الولايات المتحدة فرضه على دمشق، وأنها حاضرة على أرض الواقع لإحباط أي إجراءات تهدف لإضعاف الدور السوري، خصوصاً في المجال العسكري أو الاقتصادي، وللتذكير بأن إيران ما تزال جاهزة لضرب مصالح الولايات المتحدة أينما وجدتها كما فعلت في السنوات الأخيرة.
حيث قال مراقبون إنّ اتفاقية تعزيز التعاون العسكري والأمني في مجالات عمل القوات المسلحة ومواصلة التنسيق تأتي تتويجاً لسنوات من التنسيق والتعاون ظهرت نتائجها بالعمل المشترك لمكافحة الإرهاب، وهذا ما أكده رئيس هيئة الأركان الإيراني اللواء محمد باقري في تصريح صحافي عقب لقائه وزير الدفاع السوري العماد علي أيوب في مبنى وزارة الدفاع السورية في دمشق بقوله «سنقوم بتقوية أنظمة الدفاع الجوية السورية في إطار توطيد العلاقات العسكرية بين البلدين، مما يعزز إرادتنا وتصميمنا على التعاون المشترك في مواجهة الضغوط الأميركية غير المرغوب بها من قبل شعوب المنطقة».
وتذهب الاتفاقية إلى ما هو أبعد من التدريب والأمن، بل وتأكيداً على أنّ الظروف الإقليمية تستوجب هكذا نوع من التعاون، وهو ما شدّد عليه وزير الدفاع السوري العماد علي أيوب بأنّ علاقات سورية وإيران استراتيجية ولا يمكن العبث بها قائلاً «إنّ من يراهن على تخريب العلاقات بين إيران وسورية فهو واهم، وعليه أن يستيقظ من أحلامه».
وفي السياق ذاته، لا مجال لقراءة الرسائل الإيرانية دون الحديث عن ازدياد التقارب الصيني الإيراني، خاصةً بعد وثيقة التعاون الأخيرة بين إيران والصين التي تهدف إلى تأسيس بناءات اقتصادية دائمة وتوقيع أكبر اتفاق نفطي عسكري بقيمة 600 مليار دولار أميركي، تؤدي وبشكل طبيعي إلى تقارب عميق في السياسات على مستوى البلدين وعلى مستوى الشرق الأوسط، في اختراق واضح لقانون «قيصر» الذي تهدف من خلاله الولايات المتحدة لخنق شعوب المنطقة واستغلالهم والتلويح بالعقوبات لمن يحاول التعاون معهم، لكن وبحسب المصادر يبدو أنّ الوثيقة منحت العلاقات الصينية – الإيرانية بعداً استراتيجياً واقتصادياً جديداً، لتوضح الصين أنها بجانب روسيا وإيران وأنها مهيّأة لهذه العقوبات ولن تتأخر بالردّ عليها من المستويات نفسها وربما أكثر، والذهاب باتجاه قطب جديد يحارب الهيمنة الأميركية.
مؤشرات القلق الأميركي الإسرائيلي تزداد مع ازدياد وضوح أبعاد الاتفاقات الصينية – الإيرانية – الروسية.
ومحاولات الأميركيين ترميم تراجعاتهم في الشرق الأوسط تصطدم بما تقوم به إيران التي تذهب أكثر نحو وضعية الدولة الإقليمية وتتابع اختراقاتها للنفوذ الأميركي، وتدعم بذلك تقدم محور المقاومة ضد الوحشية الأميركية التي تزعم أنها تعمل من أجل حقوق الإنسان، من خلال تأكيدها الدائم على وقوفها إلى جانب سورية في كلّ المجالات التي تمسً سيادتها وأمنها وموقعها الإستراتيجي الرئيسي في جميع القضية المحلية والإقليمية، وسيكون هذا التعاون العسكري الأخير استكمالاً للاتفاقيات السابقة التي وقعتها سورية مع إيران، بما لدى إيران من قدرات وتقنيات عسكرية خاصة بها، وإضافة فعالة لاتفاقيات سورية مع روسيا والتي تمّ تنفيذها وبنجاح كبير.