واشنطن والمراوحة نحو خطوة إلى الأمام أو إلى الوراء؟
ناصر قنديل
– الثابت هو أن هناك تبدلاً في النبرة الأميركية تجاه لبنان والوضع الاقتصادي فيه، ونسبة من التبدل في سلوك دول تقيم حساباً للموقف الأميركي توحي بالتحوّل إلى خطوات إيجابية لا تزال في طور الترقب، وتحريكاً لمسار ترسيم الحدود البحرية بما لا يضع الأمور ضمن الثنائية التقليدية، هذه خطة فريدريك هوف فاقبلوها أو لا بحث بالترسيم. والثابت أيضاً أن هذا التبدل جاء عقب نبرة تصعيدية عالية في خطاب المقاومة عبر عنه بوضوح كلام الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله بمعادلة القتل ثلاثاً. والثابت أيضاً وأيضاً أن مؤشرات ترجمة التوجه شرقاً، المعادلة التي دعا إليها نصرالله نحو تبادل المشتقات النفطية مع إيران بالليرة اللبنانية، وفتح الباب لتعاون كبير مع الصين، وإقامة تبادلات واسعة عبر الحدود مع سورية والعراق، بالتوازي مع الجهاد الإنتاجي الذي دعا إليه، قد جعلت القلق الأميركي من خسارة استراتيجية كبرى، سبق وحذر منها الدبلوماسي السابق جيفري فيلتمان، يترجم بالتحرك لتجميد ما أمكن من الاندفاعة الحكومية بهذه الاتجاهات، عبر الإيحاء بالاستعداد للمساعدة، وفقاً لكلام وزير الخارجية الأميركية مايك بومبيو، وهو ما نقلته بوضوح وتفاصيل السفيرة الأميركية دوروتي شيا لرئيس الحكومة حسان دياب، وصولاً لتحريك ملف التفاوض على ترسيم الحدود في لقائها برئيس مجلس النواب نبيه بري.
– لم تكن الأمور بالأصل، كما يتخيّلها البعض، بين تسليم أميركي بنتائج انتصارات محور المقاومة أو هجوم أميركي عنوانه الضغط المالي وصولاً لفتح ملف نزع سلاح المقاومة، ولو أدى للانهيار الشامل في لبنان، ومثله في سورية وصولاً لاستعادة زمام المبادرة في رسم مستقبل سورية، بعدما فشلت الحروب المتغيرة والمتعددة في فرض ذلك، فالأميركيّون يعرفون ويعترفون بأن مثل هذه الأهداف تفوق قدرة الضغوط المالية على تحقيقها، ولذلك فهم رغم تحريض جماعاتهم على التحرّك تحت عنوان طرح مستقبل سلاح المقاومة، ومشاركتهم بتحميله مسؤولية الأزمات، كانوا واضحين في رسم الأهداف التفاوضيّة لحملة الضغط المالي على لبنان وسورية، وهي من جهة أولى كما قال معاون وزير الخارجية ديفيد شنكر، في لبنان الدعوة لقبول ترسيم الحدود البحرية وفقاً لخط فريديريك هوف الذي يغلّب مصالح كيان الاحتلال على مصالح لبنان، وصولاً لفتح ملف الترسيم البري وفقاً لنتائج البحر، وربما تمهيداً لتعديل مهمة اليونيفيل لتوفير شبكة متعددة الطبقات من الأمن الاقتصادي والعسكري لكيان الاحتلال. ومن جهة ثانية كما قال المبعوث الأميركي إلى سورية جيمس جيفري، العودة بسورية إلى معادلة 2011، تسليم باستعادة الدولة السورية ورئيسها وجيشها للسيطرة حتى الحدود كما كانت يومها، مقابل مقايضة انسحاب أميركي بانسحاب إيران وقوى المقاومة، والتمهيد لتعزيز ترتيبات فك الاشتباك في الجولان، بما يشبه 1701 سوريّ يضمن شبكة أمان إضافية لكيان الاحتلال. والأجوبة العملية التي تلقتها واشنطن، هي أن العرضين مرفوضان، وأن مواصلة الضغط ستغير قواعد الاشتباك، وتنشئ وضعاً أشدّ صعوبة على المصالح والخطط الأميركيّة.
– المرونة الأميركيّة حتى الآن هي التقاط أنفاس لإعادة التقييم، ورسم البدائل، حيث الخيارات مرّة أخرى، ليست بين التسليم بالأمر الواقع الناتج عن انتصارات محور المقاومة، أو الهجوم لإسقاط قوى هذا المحور. فالبدائل هي عرض مشاريع تفاوضية بسقوف جديدة، يعتقد الأميركي أنها تملك حظوظاً أفضل من الذي كان مطروحاً، ويضمن أنها ستجمّد مفاعيل الكثير من الخطوات الراديكالية والتصعيدية، التي تمثلت بتفاهم سوري إيراني على نشر منظومات صاروخية متطورة للدفاع الجوي، وبمضمون ما ورد في تهديدات السيد نصرالله، والخطوات التي دعا إليها، والسؤال حول البدائل سيبقى مربوطاً بحجم قدرة الأميركي على الفرض وقدرة كيان الاحتلال على التحمّل والتقبّل، واستعداد قوى محور المقاومة للقبول، في العناوين ذاتها، حدود أمن الكيان عبر الحدود مع لبنان بحراً وبراً، وحدود استثناء لبنان من العقوبات على سورية، وعبر الحدود مع سورية وعمقها في الجغرافيا السورية لجهة تواجد قوى المقاومة والحضور الإيراني كمصدر للقلق الدائم من وجود نيات سورية بفتح جبهة الجولان في توقيت مناسب، رداً على القرار الأميركي بتغطية قرارات حكومة الاحتلال بضمّ الجولان، فهل يفتح الباب لبحث انسحابات لجيش الاحتلال مما تبقى في جنوب لبنان وفتح التفاوض حول الجولان كسقف جديد، أم لما هو أقل عبر قبول خط ترسيم حدودي يرضي لبنان نسبياً واستثناء لبنان نسبياً من العقوبات على سورية وتقبل نسبي لبقاء إيران والمقاومة في سورية ضمن تموضع يبتعد عن خطوط الاشتباك، أم أن كل شيء بات معلقاً على التسويات الكبرى أو الحرب الكبرى؟