إنّ بعد الليل فجراً…
} لواء العريضي
ربما ثمن وعينا وإدراكنا لضرورة عزل من حكمنا ثلاثين عاماً بكانتونات طائفية يكون سقوطنا العمودي والارتطام بحضيض الجوع والمشقّة. فأولئك الذين عمّ فسادهم الأرض حتى بات يُضرَب بهم المثل تمادوا ببطشهم وحقدهم. فكلّ شيءٍ يأتي بثمنٍ معيّن ويبدو أنّ ثمن وصول وعينا سيكون باهظاً، ندفعه بالهجرة وتفكيك ما هو مفكّك أصلاً في مجتمعنا.
يشهد لبنان اليوم أزمة اقتصادية خانقة، هي الأكثر جدّيّة منذ إعلان دولة لبنان الكبير. فبعد مئة عام على تأسيس الكيان واعتماده على الخارج عند كلّ ضيقة، فشل بالقيام بنفسه في كافة المجالات. والخارج ذاته الذي كان يقدّم جرعات المورفين بات اليوم مشغولاً بنفسه واهباً الأولوية لدولٍ أخرى وقضايا تمسّ شعوبه بشكلٍ مباشرٍ. فالأزمة اليوم تقع على عاتقنا أسباباً ونتائج، وعاتق فشلنا بالإدارة والتخطيط والتخبّط الداخلي الطائفي والمذهبي.
بالمجمل كلّ ما هو مستورَد بالعملات الأجنبية يكسد أمام ضيق الحلول وتراجع قدرة المواطن الشرائية. فالمحلات التجارية و»الماركات» العالمية تغلق أبوابها تباعاً بعد أن لاقت نفسها أمام خسائر فادحة، والإقفال هو أقلّ الشرور بليّةً. ولاقى اللبناني نفسه أمام جائحة اقتصادية خطيرة والجوع بات يلوّح بمنديلٍ أحمرٍ ويقترب أكثر يوم بعد يوم. وسخرية القدر أنّ بعض المنتوجات والصناعات الغذائية الأساسية مستوردة، وانقطاعها من السوق بات قريباً.
في هذا السياق، لا يزال البعض غير مدرك لخطورة الوضع نظراً لوجود بعض المدّخرات المتواضعة لدى هذا البعض. ولكن إذا استمرّ الحال على ما هو عليه فهذه المدّخرات ستنضب وعندها يقرع جرس الجوع معلناً نهاية المهلة التي سمح بها للملمة الركام.
لكن بصيص أملٍ قد يظهر في نهاية هذا النفق المظلم. فسيدرك اللبناني أنّ من رفعه على راحة الكفوف كان سبب تدهوره، وأنّ حياته بالفعل ليست منّة من أحد وبإمكانه أن يكون حرّاً وسيّد نفسه. والأهمّ أنّ حاجة السوق ستدفع المستثمرين نحو الصناعات الغذائية الأساسية لسدّ الثغرات. عندها سيتوفّر البديل الغذائي لمحدودي الدخل، وستُجْبَر الدولة على دعم هذه الاستثمارات وتعديل التعريفات الجمركية لتسهيل دخول المواد الأولية التي من شأنها تصويب اقتصادنا نحو الزراعة والصناعة للوصول لبرّ الاكتفاء الذاتي الغذائي.