قبل نسيان «صوت الصمود»: لولا الأسطورة صباح لأفلست مهرجانات بعلبك !
جهاد أيوب
بعد انتهاء ضجيج ما حدث في معبد باخوس – قلعة بعلبك – وتحديداً في حفل «صوت الصمود» بحجة لبنان الكبير، ومن خلال ما قدّمته الأوركسترا اللبنانية الفلهارمونية، مع جوقة الجامعة الأنطونيّة، وجوقة جامعة سيدة اللويزة، وجوقة الصوت العتيق، وموسيقيين لبنانيين بقيادة المايسترو هاروت فازليان كإضاءة على الفن اللبناني في بعلبك، وعزف مجموعة سيمفونية لأعمال الأخوين رحباني، ولموسيقيين عالميين بإشراف غدي وأسامة الرحباني، وبمشاركة وجوه فنية نحترمها، ومنها الفنان رفيق علي أحمد.
بعد أن انتهت الهمروجة نقول على الصعيد الشخصي كنت أكثر سعادة لهذا العمل مهما اختلفنا حول اختيار المقطوعات الموسيقية، وضعف الإخراج، والسبب أننا في لبنان، وفي هذه الظروف المتناحرة نعيش تحت التراب، ننتظر كي نتذابح، وفجأة خرجنا لنحب الفن والموسيقى بتحضر… نحن نعيش تناقض الوجود، لا نشبه الآخر، ولا نعرف أن نحب الوطن والحياة في الوطن!
ونكتب من أجل الإشارة بشكل عام كي لا تُعاد الأخطاء بحق رموزنا التي صنعت الوطن خارج السياسة.
أي عمل يتجاهل الأسطورة صباح والكبير وديع الصافي ليس عملاً لبنانياً، ولا يليق بالوطن، جهودهما فقط صنعت مداميك الأغنية اللبنانية، أعطياها الشكل الذي وصل إلى التأسيس، والتقليد، والعالم عرف ما لدينا من خلالهما ومن خلال تجربتهما التأسيسية، وكل ما كان قبلهما كان ضجيجاً وتقليداً دون التأسيس!
لم يكن قبلهما أي موال يمثل إضافة في الغناء العربي، وكل مَن سبقهما كان يغني بغدادي ومصري (كنا قد كتبنا دراسة نقدية تاريخية موثقة، وشاملة مع براهين حول ذلك لمن يرغب) صباح ووديع ارتجلا الموال من موروثهما القروي والسمعي والزجلي، وكانا يلحنان مواويلهما…
نسوق هذا الكلام بعد الاستخفاف الذي طال هذه القيمة في الصناعة والريادة، وتخطي حقيقة أدراج بعلبك أي أن آلهة ذاك المكان كانت هي صباح ووديع الصافي وفيروز ونصري شمس الدين أولاً، وكل جهود الأخوين رحباني وروميو لحود ومن كان في فريقهما!
صباح ووديع صنعا، قدّما، طورا شكلاً وروحاً وتمرداً بصمة في جذور الفلكلور والفنّ اللبناني إلى العرب، ولمن يرغب بالدراسة الموضوعية، والأخوين رحباني قدما فنّاً خاصاً من لبنان، لذلك لن نضيف ما كتبته ريما عاصي الرحباني في دفاعها عن دور فن أهلها، فهي انطلقت من بيتها وما تعرفه، وبدورنا سنكشف حقائق لربما من يدّعي الفهم أن يزيد فهماته بخصوص الأسطورة صباح، والهرم وديع الصافي لأسباب تاريخية تأسيسية معيب تزويرها، ومعيب اعتقالها بخفة، واغتيالها بحقد أو بجهل، وهنا الجريمة!
حينما طالب الرئيس كميل شمعون بضم الليالي اللبنانية إلى مهرجانات بعلبك، وباهتمام كبير من زوجته زلفا كان مدركاً أهمية الأعمال اللبنانية، طالب الأخوين رحباني بالعمل، كانا قد قدّما تجربة لم تنجح، ورفضها الجمهور البعلبكي الذي قاطع المهرجان، فكان أن طلب الرئيس شمعون الأخوين رحباني بمصالحة المهرجان مع أهله، وبمعرفة السبب، والنتيجة اقترحها عاصي بأن يكون البرنامج فلكلورياً، وبأن تكون النجمة صباح هي المغامرة لآن حضورها سيستقطب الملوك والرؤساء والجمهور، والمشكلة أن صباح في مصر، وتقبض على الفيلم الواحد المبلغ الكبير!
تبرّع الرئيس شمعون بالاتصال بصباح، وخاطب الأخوين قائلاً لهما: «هذه المرة يا بنيشنكما، أو بنيشنكما»!.
وكانت أوبريت «موسم العز» عام 1960 حيث أحدثت انقلاباً في المسرح والغناء اللبناني، والليالي اللبنانية على مدرج بعلبك، وكانت البطلة المطلقة والمشرقة صباح إلى جانب وديع الصافي، والغناء كان مباشراً مع ثلاثة موسيقيين (من مذكرات السيدة صباح لي، ومن حديث طويل مع السيدة مي عريضة لي)!
وتقول السيدة مي عريضة في حوار خاص، وبحضور السيدة صباح، والمخرجة كلودا عقل، والصديق المشترك صالح سرور: «كنا كلما نخسر مادياً في مهرجانات بعلبك، وتحديداً في برنامج الليالي اللبنانية نعمل على الإتيان بالسيدة صباح كي تنقذنا، وتعيد وهج المهرجان، خاصة أنها لم تكن متطلبة».
وللتذكير نشير إلى الأعمال التي قدّمتها صباح في بعلبك:
موسم العز – 1960
الشلال – 1963
أرضنا الى الأبد -1964
دواليب الهوا – 1965
ليالي لبنانية – 1967
القلعة – 1968
المهرجان – 1971
وتظلوا بخير – 1974.
وكانت قد اعتذرت عن «أرضنا الى الأبد» فكتبت الصحافة: «المطلوب من صباح إنقاذ بعلبك»، وتدخل في حينه رئيس الجمهورية!
وكما يلاحظ أن السيدة صباح المطربة الوحيدة التي استمرت في تقديم المهرجان لثلاث سنوات متتالية، وهذا لم يحدث مع غيرها لا مع النساء، ولا مع الرجال!
وحينما طلب من الأخوين رحباني خلق حالة تنافسية تدهش الجميع في بعلبك كان التحدي الشهير الذي جمع صباح مع وديع الصافي بحضور شخصيات رسمية عربية ولبنانية، وحشد كبير من أركان الصحافة اللبنانية، والجمهور اللبناني والمصياف في ربوع الوطن!
يقول الزميل بول شاول: «يومها أخذنا بالبواسط من ساحة الشهداء، ما حدث وسمعناه كان كالسحر، لا يوصف، ولا يصدق»!.
في حينه قيل إن صباح معجزة بعلبك، وما قدّمته إلى اليوم يعجز عنه هذا الجيل، وقيل إن الصوت الهادر والنادر وديع لن يعوّض، وعاصي الرحباني قال حرفياً: «وديع بصوته يهدم القلعة، وصباح بصوتها تعيد إعمار القلعة»!.
لذلك من المعيب تشويه، وتغييب الحقيقة مزاجياً، أو إرضاء لأحد، ولم يعد مسموحاً هذا التجاهل المتعمد، والتطاول على رموزنا الإبداعية في الفن والثقافة خاصة مَن كان المدماك الأول في صنع نهضة لبنان! تريد شتم اهل السياسة فهذا حقك لأن لبنان الحقيقي عالياً كان بفضل الفنان والمثقف ممن ذكرتهم، هؤلاء رفعوا الراية وغالبية أهل الساسة مزقوها… وتحديداً السيدة صباح، وبعد اليوم لن نسمح بالتطرّق إليها بكلمة نابية، أو بالاستخفاف بما قدمته، أو بتزوير الحقائق لنيّات مريضة، ولصالح أشخاص مصابين بالعقدة منها في حياتها وفي طريقة دفنها، وبعد موتها!
ولن يسمح باستخدام ميراثها وخيراتها الفنية، وسنعمل قريباً على مقاضاة كل من يقترب منها بسوء أو بتجريح أو بتجاهل… صباح هي مجد لبنان والفن العربي، ورفاق دربها آنذاك، وبالتحديد وديع الصافي هو مجد لبنان والسلام.
أعتقد أن هذا الكلام يجب أن يكتب ويعلّق في كل مكاتب لجنة بعلبك، وعلى مدخل بعلبك، وعلى رأس كل عمل يقدم في بعلبك تحت حجة الليالي اللبنانية!
حينما يقدّم أي عمل عن بعلبك ويتجاهل صباح ووديع، يعني لجنة بعلبك مستخفة ومستهترة وجاهلة بحقيقة تاريخ بعلبك والفنّ اللبناني، ولا تعرف قيمة ما قدّمه كل من صباح ووديع والأخوين الرحباني، وفيروز، وفيلمون، وزكي ناصيف، ووليد غلمية، وتوفيق الباشا، وروميو لحود، و… إلى بعلبك!
ولو عدنا إلى ذاك الحفل نشير إلى تاريخ معيب تجاهله، وهو ما قدّمه فهد العبدالله عام 2007 مع الكبير وديع الصافي… بسيطة لربما القلعة لا تكفي لهؤلاء المبدعين، ولربما اللجنة لا تعرف بعلبك بعد!
كما لاحظنا فشلاً إخراجياً كبيراً للحفل المذكور، لا يعرف باسم كريستو من يعزف، وعلى أي الة يعزف، وما هي الآلة التي تُعزف، ويأخذ الصورة إلى وجوه عاطلة عن العزف، وليس دورها، ولم يلتقط إلا وجه إبن قائد الفرقة دون مبرر… مخرج يخاف من أحجار بعلبك، مخرج اعتاد على الأعمال الخفيفة والاستسهالية والساذجة، فمن المستحيل أن يتمكن من تنفيذ الأعمال الجادة وفيها ثقافة موسيقية..