مقالات وآراء

انتعاش سوق الحرية الأميركية أدّى لفوضى السلاح في الشارع الأميركي

 أيهم درويش

منذ نهاية شهر أيار 2020 شهدت ولايات عديدة في أميركا عدة موجات من الاحتجاجات رداً على مقتل جورج فلويد، المواطن الأميركي من أصل أفريقي، الذي توفي تحت أقدام رجال الشرطة الأميركيين أثناء تثبيته بهدف اعتقاله، حيث قام ضابط الشرطة بالضغط على رقبة جورج لما يقارب التسع دقائق قبل أن يلفظ الأخير أنفاسه الأخيرة وهو يستجدي الرحمة لكن دون جدوى أو أيّ محاولة لإسعافه.

قضية جورج فلويد لم تمرّ مرور الكرام كسابقاتها، حيث أدى فيديو الاعتقال والذي نشر على شبكات التواصل الاجتماعي كثيراً من ردود الأفعال الغاضبة لعنصرية الإدارة الأميركية تجاه المواطنين الأميركيين من ذوي البشرة السوداء.

ردود الأفعال الغاضبة ترجمت على أرض الواقع إلى مظاهرات ووقفات احتجاج طالت 140 مدينة أميركية كما امتدت إلى خارج الولايات المتحدة.

واتسمت الاحتجاجات بالتظاهر السلمي ومن خرجوا أولاً إلى الشوارع هم شبان وشابات ينحدرون من مختلف الطبقات الاجتماعية والأصول الأهلية والأعراق والمدن، سواء أكانت كبيرة أم صغيرة، وإصرار المحتجّين على إيصال صوتهم بالطرق الديمقراطية التي تتفاخر بها أميركا ولا تفتأ تذكرنا بها في كلّ مناسبة دولية ومحلية وأمام شعوب العالم أجمع، لكن كان للحكومة الأميركية رأي آخر، وأظهرت وجهها المعروف لدى جميع من عانى من وحشية الإدارة الأميركية واكتشف زيف قناعها الديمقراطي خاصةً في بلدان منطقتنا مثل سورية ومصر والعراق ولبنان واليمن وغيرها الكثير، وكما هو متوقع، سقط قناع الإدارة الأميركية الديمقراطي أمام مواطنيها منذ الأيام الأولى، وبدأت بالتعامل مع الاحتجاجات بكلّ أشكال القمع والعنف، خاصةً بعد أن أمر الرئيس الأميركي دونالد ترامب بنشر قوات الجيش لوقف أعمال العنف في البلاد حسب وصفه.

لتتسع بعدها دوامة العنف، وتندلع مواجهات بين متظاهرين في أتلانتا عاصمة ولاية جورجيا الأميركية بعد أن لقي شاب من أصل أفريقي مصرعه بنيران الشرطة خلال محاولة توقيفه، لتشهد مدينة نيويورك أعمال عنف وسلب ونهب لعدد كبير من المتاجر الكبرى في الجادة الخامسة الشهيرة.

إجراءات الحظر الليلي نتيجة فيروس كورونا لم تساعد على تخفيف حدة الاحتجاجات والمظاهرات، بل أعطت دفعاً قوياً لقوات الأمن الأميركية لرفع مستوى العنف ضدّ المتظاهرين بحجة تطبيق الحظر الليلي، مما أدّى بطبيعة الحال لوقوع عدد من القتلى والجرحى، حيث قتل ما لا يقلّ عن خمسة أشخاص، واحتجز نحو أربعة آلاف وأربعمائة في الاحتجاجات التي تشهدها أغلب المدن الأميركية في أول ستة أيام فقط منذ بدء الاحتجاجات حسب موقع «نيويورك تايمز» الإخباري.

لماذا يعود الحديث عما يجري في شوارع أميركا؟

بالرغم من أهمية النقاش حول إذا ما كانت الأحداث في أميركا هي بسبب العنصرية في أميركا وقيام حملة «حياة السود مهمة» التي فتحت الباب لمزيد من أعمال العنف راح ضحيتها العديد من المواطنين الأميركيين من كلّ الأعراق.

أو بسبب تصرفات الإدارة الأميركية في تعاملها بقبضة حديدية مع المحتجين، وصلت بمطالبة بعض السياسيين الجمهوريين «بسحق الاحتجاجات»، لتظهر تصريحات على شبكات التواصل الاجتماعي لأنصار ترامب، أبدى بعضهم خلالها استعداداً تاماً للنزول إلى الشوارع وإنهاء حركات الاحتجاج، في تهديد واضح باستخدام القوة.

إلا أنّ عودة الحديث هو بسبب اتساع الهوّة البنيوية الموجودة في تركيبة الشارع الأميركي، بين يسار متمثل بالحزب الديمقراطي يحلم بالسلطة، بمواجهة يمين متطرف متمثلاً بالحزب الجمهوري على رأسه الرئيس الأميركي دونالد ترامب، في بلد يأخذ حمل السلاح فيه طابعاً مقدساً، ويعتبر امتلاك السلاح من بين الحقوق التي أقرّها الدستور الأميركي، وبالتالي فالولايات المتحدة الأميركية تسمح لمواطنيها بحمل السلاح حتى في الشوارع، وذلك انطلاقاً من مبدأ احترام الحرية الفردية. حيث أنّ وكالة تلغراف البريطانية كانت قد نشرت أنّ الولايات المتحدة تحتلّ المركز الأول من حيث عدد الأسلحة لكلّ مواطن إذ يوجد 112.6 سلاح ناري لكل مئة مواطن أميركي.

أما وفقاً لدراسة نشرتها وكالة «فوكس» فإنّ عدد القتلى الأميركيين بالسلاح الناري في أميركا يساوي ستة أضعاف جارتها كندا و16ضعف الرقم في ألمانيا.

وفي تدوينة للرئيس الأميركي باراك أوباما في العام الماضي قال فيها: إنّ نسبة قتل المواطنين الأميركيين لبعضهم البعض تفوق ما يماثلها في دول متقدمة أخرى، وذكر أنّ تلك النسبة في الولايات المتحدة تفوق 297 ضعفاً عنها في اليابان و49 في فرنسا.

 حتى المدارس تحوّلت إلى أماكن يجب حمايتها من الأسلحة حيث يوجد أكثر من 30 ألف مدرسة لديها حراس مسلحين.

وبالرغم من أنّ نسبة سكان الولايات المتحدة تبلغ 4.4% فقط من نسبة سكان العالم، إلا أنّ عدد مالكي السلاح الناري من المدنيين في العالم يصل إلى 644 مليوناً، نصفهم يعيشون في أميركا وحدها.

بداية ما يمكن وصفه «بالربيع الأميركي» يأتي بعد تقارير وصفها مراقبون بالصادمة، نشرتها وكالات أنباء عالمية، كالذي نشرته صحيفة «الغارديان» البريطانية حيث نشرت تقريراً قالت فيه إنه تمّ إجراء 3.7 مليون فحص للأسلحة النارية من خلال نظام الفحص الأمني لمكتب التحقيقات الفيدرالي في شهر آذار/ مارس الماضي، أيّ بزيادة فاقت نسبة الـ80% عن ما كانت عليه مقارنة بالشهر نفسه من العام الماضي.

وقدّرت وسائل إعلام أميركية أنه تمّ أيضاً خلال شهر آذار الماضي وحده اقتناء أكثر من 2.6 مليون قطعة سلاح جديدة، إذ وصلت نسبة الارتفاع على شراء أسلحة جديدة إلى أكثر من 85 في المئة، استناداً أيضاً إلى مكتب التحقيقات الفيدرالي، وحسب التقارير فإنّ المدنيين الأميركيون كانوا يمتلكون في السابق 393 مليون بندقية في عام 2018 سواء بشكل قانوني أو غير قانوني، لكن التقديرات الصادرة عن عدد من المراكز المتخصصة تشير إلى أنّ هذه الأعداد تضاعفت بشكل كبير منذ بداية العام الماضي، بدأت موجة شراء الأسلحة بدلاً من المعقمات مع خوف الأميركيين من فوضى فيروس كورونا بعد تحريض الرئيس ترامب لأنصاره خاصةً أعضاء اليمين المتطرف للتمرّد على أوامر الحجر التي أصدرها مسؤولون ديمقراطيون، وهو التمرّد الذي تحول لاحقاً إلى تمرّد مسلح على إجراءات الحجر، ليزداد خوف الأميركيين من أعمال العنف التي رافقت احتجاجات بسبب مقتل جورج فلويد.

الجدير بالذكر أنه لم تشهد الولايات المتحدة مثل هذه الاحتجاجات وأعمال العنف من حيث مدى الانتشار والعنف الحاصل منذ انتهاء الحرب الأهلية في عام 1865، لذلك يبدو أنّ الإدارة الأميركية فشلت أمام التحدي الكبير، في بلد ومع كلّ إشراقة شمس يحمل مليون أميركي سلاحهم معهم خلال اليوم و2 مليون آخرون يحتفظون بسلاح في سياراتهم، ويتمّ إطلاق النار على 75 طفلاً كلّ يوم يموت منهم 9، ويتعرّض 6 إلى إصابات وعاهات مستديمة، ومع تصاعد حركة الاحتجاج والإقبال الكثيف على شراء السلاح دون قيام الإدارة الأميركية بخطوات ملموسة لمحاولة منعه أو حتى فرض قيود على شرائه، ومع نشاط الأسواق السوداء لبيع الأسلحة المهرّبة من المكسيك، وانقسام الشارع الأميركي بين ولايات محافظة يمينية انتخبت رئيساً أميركياً عنصرياً ولديها ثقافة حمل السلاح ولن توفر جهداً لاستخدامه، وبين ولايات تعتبر ليبرالية لن تقف مكتوفة الأيدي في حال استمرّ اليمين في استخدامه للعنف المفرط، وازدياد عدد الخصوم للولايات المتحدة نتيجة سياستها الخارجية الاستعمارية، الذين سينتهزون أيّ الفرصة لإضعافها داخلياً.

 كلّ هذا يُظهر أنّ الولايات المتحدة تذهب وبخطى واثقة نحو «حرب أهلية» لا تُحمد عقباها، وكما تعاملت الإدارة الأميركية مع البلاد التي دخلتها عسكرياً لتنشر أسس الديمقراطية الأميركية لتأسيس مشروع الشرق الأوسط الجديد، يقوم العديد من المحللين بوصف ما يجري في الولايات المتحدة بانقلاب السحر على الساحر، وتسمية ما تواجهه الولايات المتحدة حالياً بـمشروع «الغرب الأميركي الجديد» الذي سيمنع وبكلّ تأكيد الرئيس ترامب من جعل «أميركا رائعة مجدّداً».

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى