الصين تسرّع الخطى عالميّاً فهل يُسرّع لبنان؟
ناصر قنديل
– رسمت الصين كقوة صاعدة على المستوى الاقتصادي الدوليّ مشروعها للانتقال خارج الحدود من خلال ما عُرف بخطة الحزام والطريق، الذي يتوزع على محاور عدة أبرزها خطوط سكك حديد وجسور بريّة ضخمة، وطرق بحريّة حديثة بمرافئ مجهزة، تؤمن ربط الصين بأجزاء القارة الآسيويّة كلها وصولاً إلى أوروبا من نوافذ متعددة أهمها روسيا وتركيا، وبمشاركة دولتين أوروبيتين هما اليونان وإيطاليا انضمّتا إلى الخطة الصينية، وفتحتا الباب لاستثمارات صينية تعبيراً عن ذلك، وتقع باكستان آسيوياً في قلب الخطة الصينية عبر استثمار يقارب مئة مليار دولار في مرفأ غوادر، بينما جاء الاتفاق الموقع بين الصين والعراق والذي بلغت قيمته خمسمئة مليار دولار، تطال بناء كل شيء في العراق من الجامعات إلى المستشفيات وسكك الحديد والكهرباء ومحطات المياه وخطوط النفط والغاز، والتي شكلت وفقاً للخبراء سبباً لتحريك الضغوط تحت عنوان ثورة الشارع على حكومة الرئيس عادل عبد المهدي وصولاً لاستقالته، ولا يتبرأ الأميركيّون من مسؤوليتهم عن إسقاطها، من دون أن يتمكن خليفته مصطفى الكاظمي من التبرؤ من الاتفاق الذي وقعه سلفه.
– مع غموض مصير الاتفاق الصيني العراقي وبقائه فوق الطاولة، يثبت اتفاقان صينيان كبيران، كل منهما بخمسمئة مليار دولار، واحد مع إيران والآخر مع روسيا، وفيهما عناوين في حقول الطاقة وصناعة الطائرات المدنيّة، وصناعة تكنولوجيا الاتصالات، وتجهيز المرافئ وبناء شبكات متطوّرة لسكك الحديد ومدن سياحية، وعبرهما تصل الصين إلى حدود أوروبا من خلال روسيا، وإلى مياه الخليج وحدود المتوسط عبر إيران، ومن خلالها نحو العراق أو تركيا أو كليهما، بينما يتشارك الروس والإيرانيّون في تشجيع الصين على الاستثمار في سورية، خلافاً لكل التحليلات التي تتحدث عن تضارب مصالح على هذا الصعيد.
– يناقش بعض اللبنانيين الانفتاح على الصين بسذاجة وجهل، متخيلين أن الحديث يجري عن دولة نامية، حيث يقع هذا البعض في أوهام ماضي التفوق الأوروبي التقني والصناعي، والتفوق الأميركي الاقتصادي، متجاهلين معنى انضمام إيطاليا لمبادرة الحزام والطريق الصينية، ومتجاهلين معنى نشر أبراج شركة هواوي الصينية في سويسرا وبريطانيا وألمانيا، لاستثمار تقنية الجيل الخامس من أجهزة الاتصالات، الذي يشكل محور الثورة العالمية في التكنولوجيا، ونقطة الارتكاز في الاقتصادات الرقمية الحديثة، ومتجاهلين أن صناعة الدواء العالمي، بما في ذلك الأميركي والأوروبي تتم بنسبة 90% في المصانع الصينية، وأن شركات أميركية عملاقة مثل أبل تصنّع هواتفها الذكية في الصين، وأن مرافئ عالمية كبرى مثل بوسطن وأمستردام تعمل بمعدات صينية بنسبة 80%، وأن اكبر مخزون عالمي من السلع والأموال والمعدات الصناعيّة موجود لدى الصين، وأن الاستثمار الأكبر في سندات الخزينة الأميركية هو الاستثمار الصيني بقيمة تزيد عن ثلاثة تريليونات دولار.
– لبنان الذي يملك قيمة استراتيجية في موقعه على البحر المتوسط، وكان الصينيون قد أعربوا عن اهتمامهم بمرفأ طرابلس وبخطوط سكك الحديد وبناء مدن صناعية حرة، يملك أيضاً قيمة مضافة يمثلها القطاع المصرفي الذي ورّطه أصحابه والقيّمون عليه سياسياً ومالياً بعملية تدمير ذاتي، يمكن أن يشكل مصدر اهتمام صيني عبر عن نفسه بسعي الصين ضمن عروضهم للبنان بامتلاك مصرف ومؤسسة مالية، هذا بالإضافة لتوافر أجيال من خبراء بالتقنيات الحديثة في المعلوماتية والاتصالات بين متخرجي الجامعات من اللبنانيين، يندر وجود مثله في العالم العربي يؤهل لبنان لتشكيل منصة تقنية متقدمة للعالم العربي في مجال اقتصاد المعرفة.
– الغباء وحده قد يحول دون إفادة لبنان من الفرصة الصينية، بما فيها ما سيحصل عليه إذا وضع ذلك شرطاً لاتفاق اقتصادي استراتيجي، لجهة طلب توظيف صيني برقم قد يصل إلى عشرين مليار دولار في سندات الخزينة اللبنانية بفائدة منخفضة ولمدة تزيد عن عشر سنوات، ما يؤهل لبنان السيطرة على أزمة الديون، والسيطرة على سعر الصرف، فهل يملك اللبنانيون شجاعة الإقدام، أم أن لدعوات الحياد علاقة بمسعى تعطيل هذا التوجّه، تحت شعار الهوية الدينية مرة والثقافية مرة؟