العلاقات الصهيونيّة مع النازيّة الألمانيّة في ثلاثينيّات وأربعينيّات القرن الماضي (1933-1945)
} القنصل خالد الداعوق*
لقد احتاج اليهود المتواجدون في فلسطين قبل إعلان ما يُسمّى دولة “إسرائيل”، (اليوشوف) كما كان يُطلق عليهم قديماً، إلى المال والبشر من أجل شراء الأراضي وإنشاء المستعمرات عليها، واحتاجوا أيضاً إلى قدوم المزيد من الأفراد، خاصة الشباب، لزراعة تلك المستعمرات والدفاع عنها من السكان العرب ومن الانتداب البريطاني.
تواصل الصهاينة مع النازيين حين تسلّموا الحكم في ألمانيا سنة 1933 وعقدوا معهم اتفاقية “هافارا”، وهي كلمة عبرية تعني الترحيل، في 25 آب 1933. وقد عملت هذه الاتفاقية بين المنظمة الفدرالية الصهيونية في ألمانيا والبنك البريطاني الفلسطيني (بإدارة المنظمة الصهيونية) على إتاحة هجرة حوالي ستين ألف يهودي ألماني إلى فلسطين بين عامي 1933 و1939.
وقد سمحت هذه الاتفاقية لليهود بتحويل قسم من ممتلكاتهم المالية إلى فلسطين، وذلك عبر شراء سلع ألمانية وتصديرها إلى فلسطين التي كانت لا تزال تحت الانتداب البريطاني.
كما ساعدت الاتفافية على إرسال سلع ألمانية إلى فلسطين، استفاد منها اليهود “اليوشوف” من حيث المال والبشر.
ولكن كانت هناك اعتراضات على اتفاقية “هافارا” من قبل بعض الصهاينة (revisionists الذين يريدون التعديل) داخل فلسطين وخارجها. كذلك كانت هناك اعتراضات من بعض الألمان على الاتفاقية، لكنّ الحكومة الألمانية ساعدت، بموجب هذه الاتفاقية، على تصدير منتجات ألمانية، ما ساهم في إنعاش الاقتصاد الألماني في وقت الركود الاقتصادي.
أما بالنسبة إلى اليهود المُعترضين، فإنّ هذه الاتفاقية ساهمت في تولّي النازيين الحكم في ألمانيا، بينما كانت هناك مقاطعة لهم من قبل اليهود في العالم. وبالتالي فإنّ اتفاقية “هافارا” ساهمت في إنعاش الاقتصاد الألماني وعزّزت سلطة النازيين في ألمانيا.
لقد قسّمت هذه الاتفاقية اليهود بين مؤيّدين ومعارضين، مع العلم أنّ أكثر المعارضين لهذه الاتفاقية كانوا من اليهود الأوروبيين (congress world Zionist) واليهود الأميركيين (American Jewish Congress). وكان فلاديمير جابوتنسكي أحد أكثر القادة الصهاينة معارضة للاتفاقية، وقد أدان القادة الصهاينة الذين وقعوا هذه الاتفاقية، معتبراً أنهم خونة للقضية الصهيونية.
في 16 حزيران 1933 اغتيل حاييم أرلوسولوف في تل أبيب، وهو أحد القادة الصهاينة (اليوشوف) الذين عملوا على اتفاقية “هافارا”، وكان على احتكاك مع دافيد بن غوريون على أمور عدة منها الاتفاقية مع الألمان التي كان أرلوسولوف عرّابها، من خلال علاقاته مع النازيين، خاصة مع ماغدا زوجة جوزيف غوبلز التي كانت صديقته الحميمة قبل زواجها من غوبلز وخلال فترة دراستها معه في الجامعة.
انتهى العمل باتفاقية “هافارا” عام 1939 وكان أرلوسولوف يريد التعاون مع هيئة الانتداب البريطانية من أجل تسهيل هجرة اليهود إلى فلسطين، لكنّ بن غوريون كان ضدّ هذا التعاون ويريد استعمال القوة ضدّ البريطانيين.
كما أنّ أرلوسولوف كان حاول التعاون مع بعض القادة العرب، وكان قد دعا، لهذه الغاية، بعض الشخصيات العربية من شرق الأردن في الثامن من نيسان/ أبريل عام 1933 إلى غداء في فندق الملك داود في القدس مع وايزمن وشرتوك وبن زفي. ومن الشخصيات العربية التي لبّت دعوة أرلوسولوف: رشيد باشا الخزاعي (شيخ جبل عجلون)، متري باشا الزريقات (من الكرك)، شمس الدين بك سامي (شركسي)، سليم باشا أبو عجم.
ويقول محمود عباس في كتابه بعنوان “الوجه الآخر: العلاقات السرّية بين النازية والصهيونية” الصادر عن دار ابن رشد في عمّان عام 1984، وهو في الأصل رسالة دكتوراة تقدّم بها عام 1982 لنيل درجة الدكتوراة تحت عنوان “العلاقة بين النازية وقادة الحركة الصهيونية”، يقول إنّ الحركة الصهيونية عملت على تشويه العلاقة بين النازيين واليهود من خلال إثارة اليهود الألمان ضدّ النازيين، ما أدّى إلى إثارة الكراهية الشعبية ضدّ اليهود لقتلهم، وبالتالي إثارة العالم، خاصة اليهود، ضدّ ألمانيا وتشجيع هجرة اليهود إلى فلسطين لبناء المستعمرات ومحاربة العرب والانتداب البريطاني لإنشاء ما يُسمّى دولة “إسرائيل”.
وكانت هناك محاولة عام 1940 بين المنظمة الإرهابية الصهيونية “لهي” Lehi والنازيين خلال اجتماع عُقِد في أنقرة مع السفير الألماني وذلك من أجل إرسال مليون يهودي ألماني من ألمانيا إلى فلسطين لمحاربة البريطانيين المُنتدبين.
*أمين عام منبر الوحدة الوطنية