مقالات وآراء

لنعود إلى تاريخنا المضيء

} د. أدمون ملحم

 ‏بالرغم من المعاني التي تحملها الثورات العالمية التي رفضت الظلم والطغيان والاحتلالات الأجنبية وقامتلتحقق السيادة والاستقلال ومبادئ الحرية والعدالة والمساواة وغيرهامن القيم الحضارية الإنسانية الراقية، وبالرغم ما تتضمّنه هذه الثوراتمن دروس يمكن أن نستلهمها في محاولاتنا لتحقيق الأهداف ذاتها فيمجتمعنا، فنحن يكفينا أن نعود إلى تراثنا الثقافي وتاريخنا السياسيالقومي لنستمدّ منهما ما نحتاجه من عبر ودروس.

وتاريخنا القومي في كل مراحله منذ أقدم العصور حتى يومنا هذا مليءبأساطير المواجهة وروايات التصدي وحكايات الاستشهاد، وكلها تعكسنفسيتنا الطامحة إلى التفوق والإبداع، نفسية الصراع في سبيل الحقوالحرية والحياة الكريمة وما تمتاز به هذه النفسيّة من روح البطولةالمؤمنة، التي تفعل فعلها في المحن والشدائد، وروح التحدّي الذييواجه الموت لتنتصر الحياة بقيمها السامية.

في أساطيرنا الرائعة والمعبّرة عن سموّ تفكيرنا ونفسيتنا نجد رواياتعديدة عن آلهة تصارعت مع قوى الشر والظلم والغضب وضحّتبحياتها من أجل خير الإنسان واستمرار الحياة. فلنعد إلى هذهالأساطير ومضامينها، أساطير جلجامش الملك الذي تصدّى للتنينرمز الشر والرعب، وبعل، إله الأمطار والعواصف، الذي صارع ‏‏»يم» الطامح بالسيطرة على الأرض وسكانها كما صارع التنين ‏‏»موت» مضحياً بنفسه في سبيل الخصب والخير كي يحيي الناس.

لنعود إلى أساطير قدموس الذي نازل خلال بحثه عن أخته «أوروب» ‏التي اختطفها ملك من ملوك العال تنين الرعب وانتصر عليه،وأدونيس أو تموز، إله الحياة والخصب الذي صارع الخنزير البري،رمز الرعب والموت، واستشهد في معركة بطولية من أجل أن تنتصرالحياة وقيمها السامية.

لنعود إلى أسطورة ملكة السماء وشفيعة «أوروك»، أنانة، ربة الحبوالجمال، التي أرادت أن تُجسّد نفسها جمالاً في النفس البشرية وحباًفي حضارة الإنسان وتساميه، فثارت على إله الحكمة الأنانيوالمحتكر «أنكي» لتنتزع منه الشرائع الإلهية الضرورية للحضارة. ‏

لنعود إلى تاريخنا السياسي القومي، فنستمدّ روح المواجهة والبطولة من بطل سورية ووزير دفاعها الشهيدالخالد يوسف العظمة الذي ذهب إلى المعركة ليتحدّى إنذار الجنرال الفرنسي المتغطرس غورو، وهو يدرك أن المعركة غير متكافئة بين جيشه الصغير والجيش الفرنسي المتفوّق في العدّة والعتاد.. هذا الرجل العظيم الذي رفض أن يدخل المحتلّ الفرنسي من دون مقاومة، استُشهد في ساحة الشرف في ميسلون مضحياً بدمه في سبيلاستقلال الوطن وحريته فكان استشهاده الجذوة التي أبقت روح النضال لدى الشعب السوريّ مشتعلة فقامت الثورات من بعده كثورة الشيخ صالح العلي وثورة المناضل إبراهيم هنانو وثورة سلطان الأطرش وغيرها من الثورات والمواجهات لتحقيق الاستقلال وجلاء المستعمر.

ولنعود إلى ملاحم البطولة، إلى وقفات الشهيد حسين‎ ‎البنا والقائد الشهيدسعيد العاص وغيرهما من المناضلين من الشام ولبنان الذين سقطوادفاعاً عن فلسطين المغتصَبة. ‏لنعود إلى حكاية بطل الاستقلال اللبناني الوحيد الشهيد سعيد فخر الدينالذي سقط أثناء مقاومته جنود الاستعمار الفرنسي.

ولنعود إلى جلجلةآلام شهداء الثورة القومية الاجتماعية الأولى وشهداء الثورة الانقلابيةالذين سقطوا في معارك إسقاط حكومات الفساد والطغيان لإقامة النظامالجديد.

ولنعود إلى سيرة المقاومة القومية التي لا تنطفئ، سيرة أبطال الجولان وشهداء تحريرالجنوب اللبناني، وجدي وبلال وسناء وفدوى وعلي ومريم ونورما وخالدوابتسام وغيرهم من الشهداء الذين فجّروا أجسادهم دفاعاً عن الحق والسيادةوالشرف والكرامة..

لنعود إلى سيرة أطفالالحجارة في فلسطين المغتصبة وصمود كل الشعب في فلسطين. سيرة صمود أهالي مخيم جنين وغزة بأجسادهم وأرواحهم ومقاومتهم البطولية في معركة غير متكافئة ضد جحافل العدو البربري وآلته العسكرية المدمّرة مسجلين بصمودهم وتضحياتهم وبنادقهم القليلة أروع الدروس للتاريخ..

لنعود إلى وقفة العز البطولية في الثامن من تموز، إلى شهيد الأمةوفاديها، إلى معلم الأجيال الذي أرسى قواعد حياة جديدة لنا وشقطريق نهوضنا بفلسفة قومية اجتماعية شاملة، لنعود إلى قائد الثورةعلى الواقع المفروض، القائدالقدوة الذي تحدّى الموت وواجههبابتسامة ظافرة مردداً قبل إعدامه: «أنا لا يهمني كيف أموت بل منأجل ماذا أموت..». لنعود إلى تعاليم هذا الرجل وإلى تاريخنا الغنيّ بدروس المواجهةوالشهادة في سبيل المجتمع وبقائهفعلّنا في عودتنا نستمدّ العزموالقوة والإيمان لنواجه تنيناً مفترساً يغتصبأرضنا ويشوّه حضارتنا ويسعى بكل الوسائل لتهجيرنا من أرضناومدننا.

ليتنا نعود إلى تاريخنا المضيء بمشاعل البطولة والشهادة.. ففي عودتنا ‏استفادة…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى