الفنان والمخرج السوريّ نورس برو: حدودٌ لا مثيل لها في شغف الرقص والحضور الإعلاميّ ومحاربة
حوار: عُلا حسن وعدي أبو الخير
مع القلم كانت بدايته. تحفزه شخصية مندفعة، ذات طموح عالٍ، وأسلوب منمّق، تتطلع لمستقبل منفتح وواعٍ، غايته ترك أثر في كل مجالات الحياة.
باختصار هو شخصية استثنائية، استطاع بصدقه وذكائه، ونظرته الواعدة أن ينسج خريطة الطريق، ويعزف على وتر الحياة سيمفونيّة معاصرة، تحمل في طياتها لحن القصيدة وعذوبة المشاعر الصادقة.
استطاع بكتاباته أن يجسّد الحياة بتفاصيلها، جماليتها ومعاركها، ليلقى نفسه على مفترق طرق (الكتابة، السياسة، الفن، الإخراج والتصميم)… أبى أن يختار أحدها بل مزج بينها ليصنع مستقبلاً يحمل تاريخاً مشرّفاً في شتى المجالات..
يقال الإعلام منبر الكلمة ونبض الحياة ومن واجبه تسليط الضوء على من يستحق بصدق وشفافية، فمن دمشق مدينة الياسمين والحب التقيناه بوقعه الخاص والمميز جداً على مسامع الجمهور.
كنت في بداية اللقاء أعتبره لقاء عادياً مع إعلامي متميز لكن اكتشفت أنها ليس مقابلة عادية، بل فرصة لمعرفة المزيد عن هذه الشخصية الاستثنائية..
مقابلة واحدة كانت كفيلة أن تشدني لأُجري معه لقاءات متلاحقة لمعرفة سر تلك الشخصية العامة والتي لعبت دوراً بارزاً في الإعلام السوري سواء المرئي أو السمعي أو الكتابي.
إنه الإعلامي نورس برو. من منا لم يسمع به أو شاهده أو قرأ بعض كتاباته على الأقل، تاريخ مشرّف استطاع نسجه بفترة تعتبر قصيرة مقارنة بغيره.
صحيح كانت مقابلة للحديث عن حياة إعلامي لكنها بالنسبة لي كانت تقديراً من شخصه أن يخصني بالحديث معه عن حياته وبداياته… والنهج الذي اتبعه للوصول لمستوى عالٍ ولائق، يعتبره برغم نجاحاته لهذه اللحظة بداية المشوار..
وبكل شفافية وصدق سأعرض باختصار جزءا من سلسلة حياته وإنجازاته ضمن حواري معه، طبعا ليست الغاية الشهرة لهذا الإعلامي، فهو أشهر من ان تصفه كلماتي ولكن تجسيد لأعماله التي تعتبر حافزاً لكثير من الإعلاميين.. هو الإعلامي والمخرج السوري نورس برو متحدثاً لـ»البناء» عن خفايا وأسرار نجاحه وفنه ووجعه.
} حدثنا عن بداية المشوار؟
ـ بدأت مع الكتابة في صحف الشرق والكفاح العربي والعمل في تلفزيون المستقبل بصفة بروديوسر في العام 2005..
كنتُ من مؤسسي أول إذاعة سورية خاصة سورية الغد بتوجّه من وزارة الإعلام تشكر عليه شجعوا لوجود الإذاعات الخاصة وطلبوا دعم التوجه والتبادل الثقافي، حيث كنا على شراكة مع فرنسا بما يخص الدورات التدريبية والبرامج، كان في ذلك الوقت جو انفتاح مختلفاً، تعرفنا على تجارب كثيرة متنوّعة.. عملت معداً ومقدماً للبرامج ثم مديراً للبرامج فمديراً عاماً في سورية الغد من العام 2006 وحتى أوائل العام 2011 وقدّمت فيها برامج كانت حديث الشارع السوري مثل خير الكلام، أحمر ونورس البحر وغيرها..
تدرّبت ودرّبت في راديو مونتي كارلو الدولية في العام 2008 وقمتُ بتدريب الطلاب في «جامعة دمشق – كلية الإعلام»، مادة عملية «مهارات الصوت في الإذاعة والتلفزيون» في العام 2010، تمخضت بعد تجارب كثيرة من المهرجانات والحفلات والمؤتمرات والدورات التدريبية..
مع بداية الأحداث في سورية تم تعييني مديراً للبرامج المنوعة (الثقافية، الأدبية، الترفيهية) وكذلك بالشقّ السياسي كانت لي لمسة وبصمة في قناة «الدنيا» في العام 2011، حيث تمّ خطفي من قبل جبهة النصرة بسبب نشاطي السياسي وتمثيلي لبلدي بالمؤتمرات في الخارج… بعدها شاركت في تأسيس قناة سما، ولي برامج خاصة عدة في العام 2013.. لحين طُلب مني التعاون مع الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون، فعملت في منظومة الإعلام الحربي، ثم مديراً لنشرة الأخبار في إذاعة «نينار» في العام 2014..
لم أستمرّ بموقع معين فأنا أحبّ التجديد وليس التأطير في مكان واحد..
أما درامياً، فعملت بصفة «مخرج مساعد» و»ممثل» في مسلسل «بروكار» تحت إدارة المخرج القدير محمد زهير رجب والذي عُرض في رمضان وهو من إنتاج شركة قبنض للإنتاج والتوزيع الفني، وأحضر للعمل في الأيام المقبلة في مسلسل باب الحارة..
الآن أعمل «مستشاراً إعلامياً» في إحدى الشركات السورية المعنية بإعادة الإعمار، ومرتبط مع وكالة في لبنان، أكتب بشغف ما أريد من دون خطوط حمراء..
قدّمت الكثير من المناسبات والفعاليات في دار الأوبرا السورية وغيرها، كان آخرها افتتاح مهرجان «القلعة والوادي» في حمص العام 2019 بحضور رسمي وفنّي عربي ومحلي، وحزت على العديد من الجوائز والتكريمات والدروع الرسمية والخاصّة..
} المسرح المعاصر اتجاه داخلي أم رؤية لبعيد؟
ـ لم يكن صدفة، إنما تطوير لتراثنا الأصلي كالرقص الشعبي، الدبكة وغيرها، وهو نوع من التراث كان أساسه الرقص التعبيري ثم أصبح رقصاً معاصراً، هذا النوع من الرقص كان يمارس في المعابد القديمة مثلاً (للآلهة، لنزول المطر بمواسم الحصاد).
مع الوقت الدول الأوروبيّة مثل فرنسا، أوروبا وغيرها، لديها تراث كلاسيكي منتسب لهم أولها الباليه الكلاسيكية مثل (مدرسة نيناباوش) أشخاص أخرجوا الرقص الكلاسيكي من قالبه الأصلي عدلوا على الشكل الحركي، التعبير، القواعد الأساسية الصارمة للكلاسيك، وأصبح الجسد معبراً أكثر، يحمل فلسفة معينة، لم تعد الحركة مرتبطة بالجمال فقط كالباليه، إنما بمكنونات موجودة داخلنا من حزن، فرح أو ألم معين.. الخ
} لماذا فضلت هذا النوع من الفنّ؟
ـ لديّ هوس مرتبط بشيء داخلي خاص بالتعبير عن نفسي، عن القضايا المحيطة، عن الأفكار، الحروب، الوجع..
دائماً الجسد تعبيره أصدق وأقوى من الكلام، وأنا بطبعي لا أحبّ السهولة في أي شيء أقدّمه لأني ببساطة لا أشعر بلذة تعبي، أبذل جهداً ووقتاً كبيراً لإيصال عملي بطريقة سهلة تجعل المشاهد يرى نفسه بالمرآة.
تابعتُ أعمال الأسطورة مارتن باون وهو أحد المدارس الي طورت هذا النوع من الفن، نحنا خلقنا محاصرين وصرنا محاصرين أكثر بفعل الظروف الراهنة. صعب علينا أن نفعل أشياء تبادلية معتادة سابقاً، أصبح البحث الذاتي هو الذي نستند عليه ليتطور هذا الفن..
تدربت مع فرقة «إنانا» للمسرح الراقص منذ العام 2007 وحتى العام 2010 وخضعت بعدها لورشات عمل في الرقص المعاصر..
وأيضاً درست في كلية فنون الأداء «كارابينكو» في العاصمة الأوكرانية – كييف ودرست «السينوغرافيا» في المعهد العالي للفنون المسرحية في دمشق..
وأعتقد أنني شبه الوحيد الذي فعل الكثير وتجاوز الصعوبات لإيصال هذا الفن لبيئات كثيرة متنوعة ومختلفة بالمجتمع السوري، لكنه وصل من خلال تأسيسي فرقة سورية للمسرح الراقص عام 2012، وأعتبره إنجازاً مهماً جداً بالنسبة لي، يتجسّد في انفتاح المجتمع لنقاط هامة، فالرقص باب لتفريغ الطاقة النفسيّة السلبيّة، هنا يلعب دور البيئة والأهل. فالطفل عندما تغذّي عقليته، تشجعه، وتعطيه الطاقة الإيجابية المحفزة، يتكون جيل نوعاً ما منفتحاً. نحنا الجيل المثقف لازم نغير ونطور المجتمع، لازم نصحح أفكاراً مغلوطة، مثل ما تأثرنا بأشخاص يوماً من الأيام كانوا قدوتنا سيأتي جيل وسنسعى لنكن قدوة له يوماً ما.
} سورية للمسرح الراقص إلى أين؟
ـ تأسيسي للمسرح هو الانفتاح المجتمعي الإيجابي المثمر، فنحن أمام انغلاق مجتمعي وانفتاح فضائي غير مجدٍ، مثل ما هناك طبقة من الناس مثقفة وداعمة للفكرة أيضاً كان يتواجد ناس من البيئات المختلفة استساغوا وتشجعوا، وسجلوا أولادهم ليخرجوهم من جو الحرب ويتجهوا إلى جو الفن.
ونحن كفرقة رقص معاصر تخطينا صعوبات بالجرأة وآلية إيصال فكرة «جسدك_رسالة»، عملنا فكري بغض النظر عن الجسدي، نسعى للاستمرارية بالطبع، وأتمنى ألا تتجه لإطار مهني وتبقى متنفساً لكل شخص فينا، ففي النهاية كل عضو بالفرقة لديه مشروعه الخاص الذي يبعده قليلاً.
لكن أتمنى أن يبقى المسرح للأطفال مجانياً، والكبار مرتبط بالهاجس والمحبة للفن، والهدف بشكل أساسي البعد عن الجو العام السلبي والأزمات، والمحافظة على الإنسانية الموجودة.
} أهم الأعمال والعروض؟
ـ أول أعمالنا في العام 2013 بعنوان «إنسان» كمخرج ومصمم حصدت من خلاله الجائزة التقديرية في المهرجان الدولي للرقص المعاصر في العاصمة الجزائرية في العام 2014..
قدمت مخرجاً ومصمماً 13 عملاً راقصاً معاصراً في مسارح الأوبرا السورية والعربية ومنها «درب المجد – نوستالجيا – خلق – هارموني – آفروديت» وغيرها..
شاركت في مهرجانات محلية وعربية ودولية عديدة منها: معرض دمشق الدولي في العام 2018 ومهرجان «القلعة والوادي» ومهرجان الرقص الحديث والمعاصر في «الجزائر» وحاز على العديد من الجوائز والتكريمات..
حاليا نقوم بتجهيز عمل مسرحيّ راقص (أربعة فاصلة واحد) سيعرض بين شهري تموز وآب في دمشق.
عمل واقعي مختلف يحكي عن بيوتنا وإشكاليات العلاقة بين الرجل والمرأة، والمخاضات بسبب الحصار المحاصر فيه من كلا الطرفين وخاصة المرأة.
ففي النهاية المسرح وسيلة تعبير، لكن ليس بالضرورة أن تكون معمّمة مباشرة، نجعل للفن والجمال حيّزاً، نجعل المُشاهد يرى وجعه بطريقة ثانية، يخرج من الصندوق يحاول إيجاد آليات للحل بعيدة عن الحلول النمطية التقليدية، التي لا تصل لنتيجة مُرضية بعلاقات الحب أو الصداقة حتى بالأمور المعيشية أو الاقتصادية مثلاً..
} سمعنا أنك بحالة مرضية كانت كفيلة لأن تنهي تطلعاتك وتقفك عند حد معين؟
ـ نعم. في يوم الأربعاء 12 شباط 2020 تم تأكيد تشخيص إصابتي بأحد أنواع «سرطان الدم ـ اللوكيميا».. شعرتُ بالأعراض قبل شهر ونصف تقريباً من دون أن أعيها، أعراض لم نعيها جميعاً منذ 10 سنوات وحتى الآن… جرحي أكبر من بلادٍ بـ 34 سنة جميلة عشتها وسأكملها وأصغر من نحلة تحاول أن تجتاز السياج..
حاولت في السنوات الأخيرة أن أعيش حياة صحية جداً من خلال الرياضة التي وصلت بها الى مراحل متقدمة، النظام الغذائي، عدم التدخين، الخ… وها أنا أصاب بالسرطان لكن ظلي لا يصاب به!!
وأكد لنا الدكتور «جورج المعلم» الصديق الروحي لـ»برو» الحاصل على دكتوراه بالثقافة الغذائية والبدنية واختصاصات عدة.. قائلاً: نورس صديقي الحقيقي، إرادته الرهيبة محصلة خبرته الكبيرة في الحياة، لديه ميزات جميلة جداً، إضافة إلى أنه فنان بكل معنى الفن الحقيقي، الله أعطاه موهبة الفن وهو أثقلها لم يهملها لكي لا تموت..
عندما سمعت بخبر مرضه اعتقدتها مزحة منه «لا اعتراض على حكمة، إرادة الله».
وجدته متقبلاً هذا الاختبار ومتماسكاً جداً، متعايشاً مع حالته، ليس بحاجة دعم منا، إيمانه قوي بأنه سيتعافى، تغلب على صعوبات وأيام قاسية مرّ بها وها هو حقيقة يتغلب على المرض، ويتعافى تدريجياً بكل تأنٍّ..
كلنا نعلم أنه شخص رياضيّ وحاصل على مراتب بالرياضة، لذلك رسمنا خطة، غيرنا قليلاً بمستوى التمارين، اختصرنا من الجهد العالي، أنا أشجعه وسأبقى بجانبه، فلدينا خطط إعلامية مهمة أيضاً، لنصل لنتيجة رائعة ومُرضية، أتمنى من الناس أن تأخذه قدوة وتخطو مساره لتكون بصحة جيدة.
وأشار «برو» في الختام إلى أن المرض شيء طبيعي، لكن وبكل ثقة سأهزم السرطان وسأنتصر عليه بإذن الله..
ايشاك هاشم (20 عاماً)، قال: لفتني عرض مسرحي مميز وقررت الانتساب للفرقة، وتأكدت أني سأكون شخصاً مبدعاً وناجحاً لأني تحت رعاية الأستاذ «نورس» تأثرت به لأنه قدوة يُحتذى بها بحياتي الشخصية قبل الرقص، ونحن كفرقة كل عام نقدم شيئاً جديداً مختلفاً ومتطوراً أكثر بالأفكار وحتى بأداء الراقصين، بداية كنت في الصف الأخير والآن أصبحت مساعد مصمم.
محمد العبد الله، قال: ابتدأت التدريب بالرقص المسرحي من 2018، والآن أصبحت راقصاً وممثلاً بفضل أستاذي الرائع نورس برو، جعلني منذ البداية أرسم مساراً معيناً لأحقق هدفي، وها أنا أتقدم بخطواتي ولن أقف.
يزن أسعد ابن العشرين تحدث لنا: بدأت بالرقص من سنة، وكان لي عمل واحد فقط، لنا عمل قادم وسنكون بجاهزية تامة، لأننا نتدرب ونعطي كل طاقتنا بحب. وكل امتنان لأستاذي الذي يسير بنا نحو النجومية بإذن الله.