مشروع الضمّ… سيناريوات متعدّدة من ضمنها انتفاضة فلسطينيّة ثالثة
} الدكتور حسن مرهج
قبل الشروع في قراءة وتوصيف القرار الإسرائيلي وتداعياته، لجهة ضمّ أجزاء من الضفة الغربية، لا بدّ من قراءة ماهية التناقض الفلسطيني، وطبيعة الأمر الذي سمح لـ «إسرائيل» بالشروع في إظهار نياتها تجاه فلسطين عموماً، وهنا لا نعوّل كثيراً على الموقف العربي الذي بمُجمله يُرسل إشارات تؤكد موافقته على المشروع الإسرائيلي. فالانقسام واضح وجليّ، سواء أكان الموقف العربي أو الموقف الفلسطيني بج ميع تياراته، وبغضّ النظر عما سبق، يبدو أنّ الفلسطينيين قد وضعوا أصل الانقسام في ما بينهم جانباً، نظراً لسوداوية المقبل من الأيام في حال تمّت عملية الضمّ، إذ لا يُمكن أن يغفل الفلسطينيون خاصةً والعرب عامةً، عن إجراءات المشاريع الأميركية و«الإسرائيلية» اتجاه فلسطين. فمن مؤتمر المنامة إلى الاعتراف بالقدس عاصمة لـ «إسرائيل»، وصولاً إلى إعلان بنود صفقة القرن، حتى إعلان مشروع الضمّ، كلها خطوات ينبغي على الفلسطينيين التصدّي لها سياسياً، إذ من الأهمية بمكان توحيد الجهد السياسي لكافة الفلسطينيين، بُغية تشكيل جبهة سياسية كفيلة بالتراجع عن مشروع الضمّ. لكن في مقابل ذلك من الواضح أنّ «إسرائيل» لديها الكثير من الهواجس حيال انطلاق انتفاضة ثالثة، الأمر الذي يشي بقرارات اسرائيليّة تناور ضمن إطار مشروع الضمّ، من دون التعمّق به.
يكثر الحديث في الشارع الفلسطيني عن تداعيات ضمّ «إسرائيل» أجزاء من الضفة الغربية، مع توقعات باشتعال انتفاضة ثالثة في الأراضي الفلسطينية، وكذا «إسرائيل»، فقد ذهبت التقديرات الاسرائيلية إلى ضرورة الإسراع بعملية الضمّ، انطلاقاً من أنّ مخطط الضمّ سيبرز الخلافات بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي الأميركيين تجاه السياسة الإسرائيلية، بعدما عبَّرَ المرشح الديمقراطي جو بايدن، عن معارضته لمخطط الضمّ.
في سياق موازٍ، أكد نائب رئيس الأركان السابق وعضو الكنيست عن «حزب ميرتس»، يائير غولان أنّ الضمّ سيؤدّي إلى انتفاضة ثالثة في الضفة الغربية، قائلاً «سيتمّ إدخال مليونين ونصف مليون فلسطيني بيننا»، وقال غولان في مقابلة مع «القناة 13 الإسرائيلية»، «لا أستطيع أن أفهم ما الذي سنضمّه ومتى نريد الضمّ، ومن أجل ماذا الضمّ وهذا هو الأهمّ؟» مؤكداً أنّ هذا لا يحسّن الوضع الأمني بل على العكس يمكن أن يؤدي إلى اندلاع عنف في كلّ المناطق».
في السياق ذاته، قال مستشار الرئيس الفلسطيني نبيل شعث، إنّ إمكانية قيام انتفاضة ثالثة ممكنة، «كلّ البدائل مفتوحة أمام الفلسطينيين». وأضاف شعث، خلال مقابلة مع قناة «فرانس 24» باللغة العربية: «قيام الانتفاضة الثالثة ممكنة في حالة نفذت خطة الضمّ وتطبيق السيادة الإسرائيلية على أجزاء من الضفة الغربية». وصرّح بأنّ «كلّ البدائل مفتوحة أمامنا واتفقنا كفلسطينيين على مواجهة شعبية واليوم استعدنا الوحدة الوطنية مع حماس».
ضمن ما سبق، يمكننا القول بأنّ التأجيل المؤقت لمشروع الضمّ لجزء من الضفة الغربية ومنطقة الأغوار، وهي مناطق سيطرت عليها «إسرائيل» عام 1967، لا يعني أنّ قوى اليمين واليمين المتطرف داخل «إسرائيل» قد تخلّت عن مشروع عملية الضمّ، بيد أنّ «إسرائيل» تنتظر الفرصة المواتية لإعلان قرارها، الذي تترجمه الآن كفعل على أرض الواقع في ظلّ سيطرتها على عموم الأرض الفلسطينية في الضفة الغربية ومناطق الأغوار.
من الجدير بالذكر، أنّ اجتماعين عُقدا في شهر حزيران الفائت، حضرهما نتنياهو وغانتس وأشكنازي ورئيس الكنيست ياريف ليفين، ومعهم السفير الأميركي في «إسرائيل» ديفيد فريدمان، الذي يؤيد موقف نتنياهو بتنفيذ ضمّ أحادي الجانب. لكن يبدو واضحاً أنّ الخلاف بين المجتمعين يتعلق بمساحة المناطق التي سيتمّ ضمّها والجدول الزمني لتنفيذ المخطط، وكذلك حول ترتيب الخطوات التي ستنفذ.
نتنياهو من جهته دفع ترسيم خريطة للمناطق التي سيتمّ ضمّها، فيما طالب الجنرال غانتس بأن يتمّ أولاً التوصل إلى تفاهمات حول الضمّ مع دول عربية، وخصوصاً الدول المعنية والمؤثرة في الموضوع، ولعلّ التباين في هذه المواقف يُردّ إلى اقتراب الانتخابات الأميركية، والتخوّف من فوز جو بايدن، لا سيما أنّ الأخير أعلن صراحة رفضه لمخطط الضمّ، ووفقاً للتقديرات، فإنه في حال فوز جو بايدن بالرئاسة، في انتخابات تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل 2020، فإنّ مخطط الضمّ سيُدخل حكومة نتنياهو في صدام مع الإدارة الأميركية الجديدة، وأن يطالب قياديون في الحزب الديمقراطي باعتراف أميركي بالدولة الفلسطينية وفرض عقوبات على «إسرائيل». إلى جانب ذلك، وحسب المصادر «الإسرائيلية»، يكاد جهاز الأمن «الإسرائيلي»، أيّ الجيش والشاباك خصوصاً، لا يعرفون شيئاً عن تفاصيل مخطط الضمّ، فيما التقديرات الأمنية تُشير إلى وجود توجّس في الجيش «الإسرائيلي» من عودة كتائب شهداء الأقصى التابعة لحركة فتح إلى نشاط مسلّح ضدّ أهداف إسرائيلية عسكرية ومدنية، والذي توقف منذ العام 2005. وإمكانية اندلاع انتفاضة ثالثة في عموم الضفة الغربية. انتفاضة تقلب الطاولة من جديد، وتجعل من «إسرائيل» مُضطرة لإعادة قراءة حساباتها من جديد.
لا شكّ في أنّ في «إسرائيل» ترتيبات يسعى من خلالها صانع القرار السياسي، لتجنّب ردود الفعل العربية والدولية، وبالتوقيت ذاته، البحث عن معادلة تُحقق الضمّ ومنع قيام انتفاضة ثالثة، وفق أطر الترتيبات السياسة ومبدأ الصفقات طويلة الأمد، لكن في عمق هذا المشهد، فإنه لا يُمكننا إنكار أنّ المشهد الفلسطيني، مُقبل على مرحلة حبلى بالتطورات، كما أنّ الفلسطينيين أمام معترك جديد من المعارك السياسية مع «إسرائيل» من جهة، ومع المجتمع الدولي من جهة ثانية، ولنا أن نستعين باستطلاع للرأي لتبيان قياس حركة الشارع الإسرائيلي واتجاهاته، ففي استطلاع للرأي أجرته شركة «دايركت بولز» للاستطلاعات، ونشرته وسائل «إعلام إسرائيلية» عدة، أواخر حزيران/ يونيو 2020 الفائت، في ما يتعلق بالضمّ، أوضح الاستطلاع أنّ 42% من المستطلعة آراؤهم يؤيدون تطبيق «السيادة الإسرائيلية» على غور الأردن بأكمله، بالإضافة إلى أراضي الضفة الغربية المحتلة المقامة عليها المستوطنات، فيما أيد 4% «تطبيق السيادة على غور الأردن فقط، وأيد 8% فرضاً محدوداً للسيادة على مناطق محددة بالضفة الغربية، وفي المقابل، أظهر الاستطلاع أنّ 39% يعارضون خطوة الضمّ في هذه المرحلة.»
في المحصلة، وبقراءة جُملة ما سبق، من الواضح أنّ هناك تخوّفات في «إسرائيل» تتعلق بقيام انتفاضة ثالثة، فضلاً عن تباينات في مواقف الأحزاب وأجهزة الأمن والجيش حيال الضمّ، وبين التخوّفات والتباينات يمكننا أن نستشف عناوين المشهد المقبل المتعلق بقرار الضمّ:
أولاً – هناك وبحسب القراءات نيات فلسطينية لإشعال المشهد بانتفاضة ثالثة، تُربك من خلالها الحسابات الاسرائيلية، وتفرض رؤية سيتمّ من خلالها تأجيل أو إلغاء قرار الضمّ.
ثانياً – من الواضح أنّ مواقف بعض الدول العربية تتماهى جُملة وتفصيلاً مع القرار الإسرائيلي، بينما المواقف الأقوى جاءت من الغرب، لا سيما الموقف الفرنسي الرافض للقرار الإسرائيلي. وهذا من شأنه أن يكون سبباً لتأجيل القرار، ريثما تتمّ تهيئة المشهد بعموم جُزئياته، لجهة التوافق بين «إسرائيل» وبعض الدول العربية المؤثرة في المشهد الفلسطيني، مع جذب الموقف الغربي إلى بوتقة «إسرائيل» والخليج.
ثالثاً – عموم الفلسطينيين وكافة الفصائل والأحزاب وضعت حالة الانقسام جانباً، وهذا ما ذكرناه سابقاً، الأمر الذي يعني في المضمون أنّ الموقف الفلسطيني الرافض لقرار الضمّ، سيُشكل أرضية صلبة لانطلاق انتفاضة ثالثة.
من هنا، لا يزال قرار الضمّ الاسرائيلي يُراوح بين التأجيل وحالة الكباش السياسي في داخل «إسرائيل»، وبين التخوّفات الأكبر من قيام انتفاضة ثالثة، نتيجة لذلك، يبدو أنّ سخونة المشهد الإقليمي عموماً والفلسطيني خصوصاً، تُنذر بسيناريوات يصعب الآن تقفي أثرها، أو قراءتها من زاوية واحدة. فالآتي من الأيام سيحمل الكثير من التطورات.