لبنان في الانتظار: تأقلم مع رقم 80 إصابة كورونا يومياً و8000 ليرة لسعر صرف الدولار
السجال حول الحكومة يتراجع لحساب «الحياد».. ودياب وباسيل في الديمان للوفاق أولاً / الحكومة تحتاج لخطة ستة شهور تضمن انتظام الاستيراد وثبات الأسعار وسقفاً للدولار
كتب المحرّر السياسيّ
وصف مرجع سياسيّ الوضع الراهن الذي يعيشه لبنان بمرحلة الانتظار، حيث لا تبدو الفرص متاحة لخيارات كبرى. فالخيار الرئيسي الذي يعلق عليه اللبنانيون آمالاً كباراً وتلتزمه الحكومة هو التفاوض مع صندوق النقد الدولي. والأمر مهما تسارعت وتيرته لن ينجلي قبل ستة شهور، ويظهر حجم المساهمة التي سيقررها الصندوق ونوعية الشروط التي يطلبها بالمقابل، إذا انتهت المفاوضات إيجاباً، ومن دون تبيان ذلك لن يكون وارداً على جدول أعمال القوى السياسية المشاركة في الحكومة والداعمة لها، البحث في المسارات الرديفة، خصوصاً ما قد يؤثر على التفاوض مع صندوق النقد، ومن خلفه ما يشكل استفزازاً لواشنطن. وهذا يعني متابعة ناعمة لاتصالات لبنان مع العراق والكويت وقطر، للحصول على بعض الأوكسجين الذي يعزز الصمود، من دون توهم أجوبة بحجم إنقاذي قبل تبلور الصورة مع صندوق النقد ومن خلفها معرفة نوع وحجم القرار الأميركي. وهذا يعني أن لا مبادرات نوعية نحو سورية وإيران خلال هذه المرحلة تتخطى عنوان أوكسجين الصمود، وتفتح باب سجال داخلي وخارجي، ولذلك لجأت الحكومة في مجال استجرار الكهرباء من سورية رغم حيويته إلى انتظار الجواب الأميركي على طلب الاستثناء من العقوبات.
خلال الانتظار، يقول المرجع، الواضح واقعياً، إنه بحدود قدرة لبنان وحكومته ومؤسساته، وفي ظل أهمية مواصلة فتح المطار وقدوم المغتربين والراغبين بزيارة لبنان، فإن التأقلم مع رقم 80 إصابة يومياً في الكورونا، ورقم 8000 ليرة لسعر صرف الدولار، يجب أن يشكلا سقفاً للحد الأعلى الذي يجب أن تضعه الحكومة، وتسعى لتخفيضه في كليهما، وهذا يعني الانصراف عن النقاش العقيم الذي فتحه طرح بكركي لمشروع الحياد كبديل للسجال حول الحكومة، وقد شكلت المناقشات التي جرت مع البطريرك بشارة الراعي من رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ولاحقاً من رئيس الحكومة حسان دياب ورئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل، أن حجم القضايا التي يجب تحقيق توافق داخلي وخارجي حولها لبلوغ مرحلة الحديث الجدي عن الحياد كمشروع، أكبر من حجم قدرة لبنان لو توافق اللبنانيون على الحياد، وقد تحدّث باسيل بعد لقاء الراعي عن الحاجة لحسم ملفات كالتوطين وعودة النازحين السوريين، وترسيم الحدود، بالإضافة لما أكده باسيل ودياب من حاجة لوضع الأولوية للتوافق الوطني، لأن آخر ما يحتاجه اللبنانيون هو خلاف جديد، ستفقد بوجوده أي فكرة قيمتها، سواء كانت دعوة الحياد أو سواها.
يقول المرجع، إن المطلوب في هذه المرحلة التي يشكل الانتظار عنوانها، خطة ستة شهور تضعها الحكومة، ليست كخططها السابقة التي يُقاس الإنجاز فيها على الورق، أي بعدد مشاريع القوانين، واللجان، بل بما ينعكس مباشرة في حياة الناس اليومية، محدداً مجالات تتصل بانتظام استيراد الأساسيات، ومنع أي مفاجآت تؤدي لأزمات في أي منها، المشتقات النفطية والدواء والقمح والسلع الاستهلاكية وفي مقدمتها الغذائية، وتحقيق رقابة فعالة على الأسعار في الأسواق، وتأمين انتظام الكهرباء، وانطلاق القطاع الصناعي مع توافر المواد الأولية للصناعة وفقاً للترتيبات المعلنة من مصرف لبنان، ورسم سقف أعلى لسعر الصرف هو الـ 8000 ليرة ولإصابات كورونا هو 80 إصابة والعمل لتخفيضهما. وختم المرجع أن نجاح الحكومة بتحقيق ذلك لا يحتاج إلى معجزة، خصوصاً أن ما مضى من عمر الحكومة كان كافياً للتعرف على مفاتيح إنجاز هذه المهام، ولم يعد لدى أحد عذر التباطؤ، لكن تحقيق هذه الأهداف سيكون نجاحاً يُكتب للحكومة.
ومن المتوقّع أن تشهد السرايا الحكوميّة طيلة هذا الأسبوع اجتماعات مكثفة لاستكمال البحث في الملفات الاقتصادية والمالية والمعيشية والنقدية لإيجاد الحلول للأزمات المتراكمة، لا سيما أزمة الكهرباء والنفايات وارتفاع الأسعار وسعر صرف الدولار إضافة إلى مداولات حاسمة بين الحكومة من جهة وكل من مصرف لبنان وجمعية المصارف من جهة ثانية للتوصل الى خطة مالية مشتركة وتوحيد أرقام الخسائر وتقديم مقاربة موحّدة لصندوق النقد الدولي تمهيداً لإعادة إحياء المفاوضات وسط تأكيد رئيس الحكومة حسان دياب لأكثر من مرة بأن صفحة الخلافات قد طويت حول الوضع المالي.
ومن المتوقع أن يبدأ تنفيذ اتفاق السلة الغذائية المدعومة خلال الأسبوعين المقبلين وذلك مع وصول السلع المدعومة الى لبنان. وأكد وزير الاقتصاد والتجارة راوول نعمه، ان «الدولة اللبنانية فشلت على مدار 30 سنة، والحكومة الحالية تعمل على تصحيح الأمور وتعمل على وقف الهدر والسرقة وكل الصعاب التي يعاني منها المواطن اللبناني».
ولفت نعمه الى ان «الاسعار انخفضت فعلى سبيل المثال سعر اللحمة البرازيلية اصبح اقل من 40 الف ليرة وهناك تخفيض على كل المواد وعند وصول كل المواد المدعومة الى لبنان ستنخفض كل الاسعار والهدف هو تغطية 70-80% من السلع التي يستهلكها المواطن»، مشيراً الى ان «سعر صرف الدولار لا بدّ أن ينخفض لأن التاجر حالياً يأخذ الدولار من مصرف لبنان وليس من الصرافين، وبالتالي انخفض الطلب على الدولار، لا سيما أن عدداً كبيراً من اللبنانيين يأتون من الخارج ومعهم دولار».
ويعقد مجلس الوزراء جلسة غداً في قصر بعبدا ومن المتوقع أن يطرح موضوع تكليف شركة أجنبية للتدقيق المالي في حسابات مصرف لبنان في ظل معلومات «البناء» بأن خيار شركة «كرول» سقط نهائياً ولم يتم الاتفاق على شركة أخرى حتى الساعة على أن يجري نقاش بين شركات عدة للاختيار من بينها استناداً الى التقارير الأمنية.
وفيما يترقب المودعون في المصارف أن يقر المجلس النيابي مشروع قانون «الكابيتال كونترول»، علمت «البناء» أن «لا اتفاق على هذا القانون حتى الآن بسبب الخلاف بين المصارف ومصرف لبنان والمجلس النيابي والحكومة، فكل منهم لديه مقاربته للموضوع»، لافتة الى أن «البتّ بالكابيتال كونترول ينتظر انتهاء النقاش بين الحكومة والمصارف والمركزي حول أرقام الخسائر وتوزيعها وتطبيق خطة مصرف لبنان والمصارف الجديدة لإعادة هيكلة المصارف الى جانب النتائج الأولية للمفاوضات مع صندوق النقد مع وصول ممثل عن شركة لازارد المالية الأسبوع الجاري الى بيروت للمساعدة في عملية توزيع الخسائر».
وواصل سعر صرف الدولار استقراره في السوق السوداء لليوم الخامس على التوالي، على معدل 8000 ليرة لبنانية للدولار الواحد.
وفي غضون ذلك، تواصل السجال القائم بين القوى السياسيّة حول موضوع الحياد في ظل تمسّك البطريرك الماروني مار بشارة الراعي بموقفه، حيث كرّر موقفه أمس، خلال عظة الأحد، معتبراً أن «نظام الحياد ليس طرحاً طائفياً أو فئوياً أو مستورداً. بل هو استرجاع لهويتنا وطبيعتنا الأساسية، وباب خلاص لجميع اللبنانيين دونما استثناء»، ودعا إلى فهم حقيقي مجرد لمفهوم نظام الحياد الناشط والفاعل عبر حوارات فكرية علمية، تكشف معناه القانوني والوطني والسياسي، وأهميته للاستقرار والازدهار».
وردت مصادر نيابية على الراعي مشيرة لـ«البناء» الى أن «اي فكرة أو رؤية تطرح قد تحتاج الى نقاش نظراً للمقاربات المختلفة والتباين إزاء الكثير من المفاهيم السياسية، فالحياد بمفهومه السياسي يحتاج الى بعض التفاهمات للوصول لمقاربة واضحة لأن الظروف والضغوط التي يتعرض لها لبنان والمنطقة العربية تتطلب دقة ووضوحاً في التعابير والمفاهيم وفق الثوابت والخيارات الوطنية المتفاهم عليها لأننا بغنى عن الارتجال والاجتهاد وما دمنا قادرين على صياغة مواقف وطنية فقد نصل الى ما يحمي وطننا من كل المحاولات لاستهدافه من دون أي تأثير على الواقع الوطني وانتمائه وهويته».
وكان رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل قد زار الديمان يرافقه النائب ابراهيم كنعان والوزير السابق منصور بطيش والتقى الراعي، وأكد باسيل بعد اللقاء أن «التيار الوطني مع تحييد لبنان، وطبقنا هذا الموضوع في وزارة الخارجية أيضاً. التحييد هو قرار ذاتي أما الحياد فهو قرار مطلوب منا ومن الغير». وتابع: «الحياد هو تموضع استراتيجي يجب أن نعمل لنوفر ظروف نجاحه التي تعتمد على التوافق الداخلي ما يتطلب حواراً وطنياً للوصول الى قناعة وطنية وإلا سنتسبب بمشاكل داخلية»، ودعا الى «تأمين مظلة خارجية لتطبيق هذا الموضوع، وجوب اعتراف الدول المجاورة وتسليمها بهذا المبدأ»، وقال: «نحن مع الحياد الذي يحفظ للبنان وحدته ويحفظ جميع عناصر قوته ويحميه من أطماع إسرائيل ويزيل عن لبنان أعباء النازحين».
وأشارت مصادر وفد التيار لـ«البناء» الى «أننا شرحنا للراعي موقفنا ومقاربتنا للحياد كما نفهمه والتي أعلنها الوزير باسيل بعد اللقاء ورسمنا له خريطة الطريق لمعالجة هذا الطرح وخلاف ذلك لن يأخذ معناه الحقيقي ونتائجه الإيجابية بل سيتحول الى مشكلة اضافية»، وأكد الوفد للراعي أنه «اذا لم يتوفر التوافق والاجماع الداخلي على هذا الطرح عبثاً تحاول وأبدينا استعدادنا للمؤازرة حيث نستطيع ويطلب الراعي».
وعما إذا كان موقف التيار سيؤدي الى تعديل في مقاربة الراعي لفتت المصادر الى انه «ربما يعيد النظر بطرحه بعد تظهير موقفنا ومواقف الأطراف السياسيّة الداخلية»، مضيفة: «لا يمكن التشكيك بدعوة الراعي فأهدافه نبيلة، لكن إذا أراد طرف ما استغلال الطرح لأهداف سياسية فليست مسؤولية الراعي»، وشددت المصادر على تأكيد الراعي أن «هذه المسائل الأساسية لا تقارب بالتحدّي بل بالتوافق». اضافت: «من الصعوبة تطبيق الحياد اذا لم نضمن جميع عناصر القوة في لبنان»، وأثار الوفد مع الراعي الضمانات الدولية المطلوبة لا سيما خطر توطين الفلسطينيين في لبنان وأزمة النازحين السوريين والاعتداءات الإسرائيلية الدائمة على لبنان»، ولفتت مصادر التيار الى ان «لبنان يتعرض لضغط خارجي كبير ولسنا بوارد مهما كانت الضغوط ان نمسّ بثابتتين: وحدة لبنان وسيادته، لن يدفعنا الضغط الخارجي وشدة الأزمات الحياتية والوضع المالي الصعب الى تغيير قناعاتنا: التمسك بوحدة لبنان وقراراتنا السيادية ولذلك ندعو الحكومة الى توفير كل عناصر الصمود لكي نتمكن من المواجهة بشروط أفضل».
ولفتت مصادر مطلعة على الحركة الدبلوماسية الخارجية لـ«البناء» الى «اننا في المرحلة ما قبل الأخيرة من حصول تسوية ما في المنطقة»، ومستعبدة خيار الحرب العسكرية الذي ترفضه معظم الدول الكبرى نظراً لأكلافه الكبيرة وتداعياته الكارثية على العالم أجمع، مرجحة التوصل الى تسوية العام المقبل بين أميركا وإيران تنعكس ايجاباً على مستوى المنطقة».
وعلمت «البناء» أن «الراعي سيقوم بزيارة الى الفاتيكان في ايلول المقبل ولن يزور الولايات المتحدة الاميركية».
وجدّد حزب القوات اللبنانية تأييده لمواقف الراعي ودعا النائب جوزاف إسحاق الى عدم تفسير مواقف الراعي على أنها تستهدف فريقاً او طائفة معينة، متمنياً أن لا يتحول طرح الحياد الى انقسام او توتر طائفي على الساحة اللبنانية، مشيراً لـ«البناء» الى أن «الراعي لا يقصد حياد لبنان عن مصالحه الوطنية ولا أن نكون منعزلين عن محيطنا الخارجي بل ابتعاد عن المحاور الاقليمية والدولية»، مؤكداً أن لا أحد يريد اخذ البلد الى التصعيد بل الى حوار على هذا الموضوع».
وكان الرئيس دياب زار الراعي أمس الأول، وعقد خلوة معه في الديمان بحضور عدد من البطاركة والمطارنة وقال دياب بعد اللقاء: «موضوع حكومة حزب الله أسطوانة مكسورة ولكن موضوع الحياد موضوع سياسي بامتياز وصاحب الغبطة جامع الكل في لبنان. وهذا الموضوع بحاجة الى حوار سياسي عميق من قبل الجهات السياسيّة كافة، لبنان من الأساس نقطة تلاقٍ وجسراً بين الشرق والغرب وهذه نقطة إثراء له واعتقد ان هذا الموضوع يجب ان يكون مركز حوار بين كل الجهات السياسية». وتابع «نحن محكومون بالدستور والطائف وإسرائيل عدوة وتنتهك السيادة اللبنانية كل يوم. نقول إننا بحاجة الى جمع اللبنانيين ولا بد من حوار في هذا المجال، لنكون على الصفحة نفسها بما يعنيه الالتزام بهذا الموضوع. ما يحدث اليوم أن موجة قوية من الداخل والخارج تضر ليس بالحكومة بل بلبنان، وهذا الموضوع لا يُسقط الحكومة بل لبنان، ولا أفهم في المجال الاجتماعي والاقتصادي أن تكون هناك مواقف ضد لبنان». واكد مستشار وزير الصحة للشؤون الطبية محمد حيدر بأن «الأشخاص الذين لا يلتزمون بارتداء الكمامات سيتم تغريمهم بـ 50 ألف ليرة لبنانية، في حين ان المغتربين الذين لا يلتزمون منازلهم إلى حين صدور نتائج فحوصاتهم، سيدفعون غرامة قدرها 50 ألف ليرة، ونحن نبحث رفعها حتى 7 ملايين ليرة».
وشهد الشارع سلسلة تحركات نهاية عطلة الأسبوع كان ابرزها تجمّع عدد من المواطنين في ضهر البيدر بدعوة من النائب سيزار المعلوف وقطعوا الطريق احتجاجاً على وضع الاوتوستراد.
على صعيد آخر، أعلنت وزارة الصحة العامة تسجيل 84 اصابة كورونا جديدة رفعت العدد التراكمي للحالات المثبتة الى 2856. وعلمت «البناء» أن الحكومة ووزارة الصحة والوزارات المعنية يتجهون الى فرض إجراءات جديدة مع غرامات على المخالفين للإجراءات الوقائية شرط أن لا يؤدي ذلك الى إقفال البلد نظراً للاوضاع الاقتصادية الصعبة، وأفاد مستشار وزير الصحة للشؤون الطبية محمد حيدر بأن «الأشخاص الذين لا يلتزمون بارتداء الكمامات سيتم تغريمهم بـ 50 ألف ليرة لبنانية، في حين ان المغتربين الذين لا يلتزمون منازلهم إلى حين صدور نتائج فحوصاتهم، سيدفعون غرامة قدرها 50 ألف ليرة، ونحن نبحث رفعها حتى 7 ملايين ليرة».
ولفت حيدر الى انه «إذا ساهم المغترب غير الملتزم بإصابة شخص ما بفيروس كورونا، وأدى إلى وفاته سنتوجه إلى رفع قضايا بحقه أمام القضاء»، منوهاً بأنه «تم تجهيز مراكز لحجر المصابين بكورونا الذين لا يملكون أماكن يمكنهم حجر أنفسهم فيها، حتى إن لم يكونوا يعانون من عوارض، في حين أن الأشخاص الذين يعانون من عوارض سيتمّ نقلهم فوراً إلى المستشفى».