الوطن

جنون ابن سلمان
يزعزع المملكة السعوديّة؟

} د. وفيق إبراهيم

يزداد جنون ولي العهد السعودي محمد بن سلمان خشية انبثاق تداعيات قد لا تسمح له بوراثة أبيه الملك. فيضرب شمالاً ويميناً في تيارات آل سعود الطامحة إلى الملك، معتقلاً قسماً من أمرائها وطارداً قسماً آخر نحو أقصى الأرض.

لكن هذا لا يكفيه لاستشعاره بخطر دائم سببه يعود إلى انقلابه على المعادلة التاريخية لانتقال الملك في السعودية من أخ إلى أخيه.فجعله من الأب سلمان إلى ابنه محمد ضارباً طموحات المئات من أولاد عمومته.

ولأن الموقع الملكي في السعودية يستند إلى نظام البيعة المنحصر في أجنحة آل السعودي وترعاه الدولة الأميركية الشريك الأساسي المهيمن على اختيار أعلى سلطة سياسية سعودية بطريقة السيطرة على كامل أجنحة العائلة، فهذه تنصاع لما يريده الأميركيون من دون أدنى تمرد.

لكن أجنحتها تحاول التأثير على السياسة الأميركية بسياسات الرُشى والمكرمات والتعاقدات غير الضرورية.أليس هذا ما فعله الأمير محمد بن سلمان عندما قدم للرئيس ترامب 500 مليار دولار كتعاقدات مع شركات أميركية معظمها وهميّ؟

ليتبين آنفاً أن ترامب ضخ هذه الأموال لخفض الضرائب على الأميركيين في محاولة لكسب تأييدهم في الانتخابات الرئاسية المقبلة.

و اتضح أيضاً أن محمد بن سلمان دفعها لتأمين تأييد أميركي له، حتى يصبح ولي العهد بشكل يخالف الأعراف المعمول بها ضمن نظام الوراثة الملكية عند آل سعود.

فما الذي استجدّ إذاً حتى عاد ولي العهد إلى الهجوم الحاد على أولاد عمومته، خصوصاً الأمير محمد بن نايف وعمه أحمد بن عبد العزيز وآخرين وصولاً إلى اتهام أعوانهم بالفساد على منوال الاتهامات التي يسوقها ضد الجبري الوزير السابق وحليف محمد بن نايف؟

علماً أن ابن سلمان يُمسك بالمُلك عملياً منذ سنتين على الأقل لسببين:

كي ينظف المواقع الهامة في المملكة من كل منافسيه المحتملين جاذباً كل تيارات آل سعود إلى تأييده، علماً أن أباه الملك بلغ أرذل العمر وخسر الكثير من تركيزه الذهني، بذلك يتمكن ابن سلمان من استكشاف الداخل السعودي من كل زواياه الشعبية والسياسية والأمنية وكل ما يتعلق بتيارات عائلته، خصوصاً الذين ينافسونه ولهم علاقات دولية، هذا إلى جانب علاقاته العربية والدولية الهامة التي ربط بها مع الكثير من دول المنطقة.كان يجب بواسطة هذه الأسباب أن يخفف الأمير من روعه ويستكين.

إلا أن هناك ثلاثة أسباب أصابته بذعر أكثر فاعلية من ذي قبل:

أولها الانتخابات الرئاسية الأميركية بعد ثلاثة أشهر، والتراجع الأميركي في الإقليم وانتقال الملك سلمان إلى مرحلة مرضية خطيرة.

لجهة الانتخابات الأميركية، فإن معظم استطلاعات الرأي من مراكز غربية وازنة تجزم بأن دونالد ترامب لن يربحها مقابل فوز محتمل لمنافسه بايدن المنتمي إلى الحزب الديمقراطي الذي يطالب بالتحقيق مع محمد بن سلمان في جريمة قتل جمال الخاشقجي في القنصلية السعودية في اسطنبول التركية.

هذا يعني أن أجنحة الحزب الديمقراطي التي قد لا تذهب نحو المطالبة بإقالة محمد بن سلمان في حال أصبح ملكاً للسعودية، لكنها قادرة على استنزافه بشكل كامل، وقد ترعى محاولات لتغييره داخل تيارات آل سعود.

لذلك يمتلك ولي العهد اضطراب غير عادي يجعله مصاباً بجنون يصل إلى حدود اتهام تيارات عائلته بمجملها بالعمل على إسقاطه أو منع انتقاله إلى العرش.

هذا الوضع يدفع ابن سلمان إلى إزاحة والده بسرعة وربما في أقل من شهرين لتثبيت موقعه على العرش قبل الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة الأميركية، فربما تعينه هذه الطريقة على إجهاض النتائج المحتملة من فوز الديمقراطيين بالانتخابات الرئاسية.

ماذا عن السبب الثاني؟

يبذل محمد بن سلمان كامل إمكانات المملكة الاقتصادية والسياسية والإسلامية في سبيل وقف التراجع الأميركي في الإقليم، لكنه لا يرى نتائج إيجابية.

ففي لبنان لم تنجح محاولات تطويق حزب الله وكذلك سورية التي يتراجع فيها النفوذ الأميركي يومياً، وصولاً إلى العشائر والقرى في شرقي الفرات التي بدأت بتنظيم مقاومات مدنية مناهضة للأميركيين والمشروع الكردي، وهذه آخر ما تبقى من مناطق كان السعوديون والإماراتيون يقومون لزعامته بالرُشى والمكرمات لوضعها في خدمة الأميركيين.

كما أن المحاولات لتفجير العراق طائفياً وعرقياً لم تنجح وهي مستمرة حتى الآن، لكن فشلها يزداد والدليل إرجاء السعودية زيارة رئيس العراق الكاظمي للسعودية  كانعلى وشك القيام بها منذ يومين، وتلقى اعتذاراً غير مقنع بإرجائها بسبب دخول الملك سلمان إلى المستشفى لالتهاب في مرارته، وهذه حجة ضعيفة لأن مباحثات الكاظمي في الرياض لن تتضمن إلا صورة تذكارية مع سلمان ومفاوضات عميقة مع ابنه محمد والحكومة.

لذلك فمن المرجّح أن الإرجاء سببه النتائج الإيجابية لزيارة وزير خارجية إيران محمد ظريف إلى بغداد قبل ثلاثة أيام، وانهماك محمد بن سلمان باستئصال نفوذ أولاد عمه الطامحين إلى الملك.على مستوى مرض الملك، فيبدو أن حالته الخطيرة تستلزم استعداداً غير مسبوق من ابنه محمد لتهيئة «مجلس البيعة» لاختياره ملكاً مقبلاً وتنظيم القوى الأمنية والعسكرية لمنع أي اضطرابات أو انشقاقات من ألوية أو أفواج أو عشائر.

هذه الأسباب التي تصيب ولي العهد بأقصى درجات الذعر والجنون لأن ارتكازاته على دونالد ترامب أصبحت واهية وتشبه مَن يقف على حافة الهاوية، والأوضاع الداخلية في السعودية ليست كذي قبل بسبب التراجع في أسعار النفط وإنتاجه ووقف موسم الحج والعمرة.أما إقليمياً، فالسعودية متحاربة مع إيران ولم تتمكن من جنوب العراق وأوضاعها في اليمن مثيرة للقلق الشديد، لأن القصف الأميركي البريطاني السعودي المشترك المتواصل منذ عشرين يوماً لم يؤدِ إلى أي تحسن في التراجع السعودي العسكري في جهات مأرب وجيزان ونجران، بشكل تبدو في دولة رجلهم عبد ربه منصور هادي الوهمية وكأنها على وشك الاختفاء مقابل صعود للنفوذ الإماراتي في سقطرى وعدن اليمنيتين.محمد بن سلمان إلى أين؟

تدخل السعودية حسب المفهوم الخلدوني المرحلة الثالثة من عمرها، وهي مرحلة تنذر بسقوط هذه المملكة كنتيجة طبيعية للسقطات الاستراتيجية لحكامها، وتراجع أهميتها النفطية والإسلامية والعربية.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى