مقالات وآراء

جمال عبد الناصر.. رجل في ثورة ـ و ـ ثورة في رجل

 

} عمر زين*

في الذكرى الثامنة والستين لحركة 23 يوليوتموز 1952 العسكرية التي قام بها الجيش المصري بقيادة «تنظيم الضباط الاحرار ولجنته التنفيذية العليا» برئاسة المقدم (بيكباشي) جمال عبد الناصر، كانت فعلاً حركة ثورية بل ثورة بكل معنى الكلمة أكاديمياً ودستورياً وقانونياً ولم تكن أبداً حركة انقلابية او انقلاباً عسكرياً يهدف فقط وفقط لا غير الى قلب رجالات الحكم وحلول العسكر محلهم، بل كانت كما قلناثورة وحركة ثوريةدائمة ومتجددةدون تردد او توقفعلى الدوام (منذ قيامها في 23 يوليو/ تموز 1952 وحتى انتقال قائدها ورائدها المناضلالثائر جمال عبد الناصر الى رحاب ربه في 28 سبتمبر/ ايلول 1970) بدليل ما حمله بيانها الاول الذي اطلت به على الشعب المصري والعالم من مبادئ ستة أصيلة وجذرية وشاملة في ثورتهاوليس انقلابهاوهي:

1 ـ القضاء على الاستعمار وأعوانه من الخونة المصريين.

2 ـ القضاء على الاقطاع.

3 ـ القضاء على الاحتكار وسيطرة رأس المال على الحكم.

4 ـ إقامة عدالة اجتماعية.

5 ـ إقامة حياة ديمقراطية سليمة.

6 ـ إقامة جيش وطني قوي.

وعلى ضوء هذه المبادئ الستة انطلق النظام الثوري المصري الجديد ودائماً بقيادة جمال عبد الناصر لمهامه التاريخية على مختلف المحاور: الوطنية المصرية والقومية العربية والاقليمية والدولية وتحقيق إنجاز:

أ ـ على المستوى الوطني:

1 ـ إلغاء النظام الملكي وتنازل الملك عن العرش لابنه القاصر أحمد فؤاد وتعيين وصي وتشكيل حكومة في ظلّ العهد العتيد وصولاً الى إلغاء النظام الملكي وإعلان النظام الجمهوري.

2 ـ إلغاء الأحزاب السياسية واستبدالها بتنظيم الاتحاد القومي ثم الاتحاد الاشتراكي.

3 ـ استعادة الحياة النيابية في ضوء أحكام الدستور الجديد واستكمال أنظمة الحكم الديمقراطية والفصل بين السلطات الرئاسية والحكومية والتشريع والقضاء.

4 ـ استحداث قانون الإصلاح الزراعي والقضاء على الإقطاع وتوزيع الأراضي على الفلاحين وتحديد الملكية العقارية بحدودها القصوى المبنية في القانون منعاً لاقطاع جديد.

5 ـ جلاء القوات العسكرية البريطانية عن قاعدتها في منطقة قناة السويس في موعد اقصاه شهر يونيو/ حزيران 1956.

6 ـ تأميم قناة السويس رداً على سحب الولايات المتحدة الأميركية والبنك الدولي تمويلهما لبناء السدّ العالي.

7 ـ التصدي للعدوان الثلاثي: الفرنسيالبريطانيالإسرائيلي على مصر رداً على تأميم قناة السويس وإفشالها وانسحاب قوى العدوان وتسليمها بالأمر الواقع لا سيما سيادة مصر على قناة السويس.

ب ـ على المستوى العربي:

فقد كتب جمال عبد الناصر في الميثاق بتاريخ 21 مايو/ أيار سنة 1961 ما يلي:

«… وانّ أعظم تقدير لنضال الشعب العربي في مصر ولتجربته الرائدة هو الدور الذي استطاع ان يؤثر به في حياة أمته العربية وخارج حدود وطنه الصغير الى آفاق وطنه العربي الأكبر، فثورة الشعب المصري حركت احتمالات الثورة في الأرض العربية كلها وليس من شك في انّ هذه الحركة الشعبية العربية كانت إحدى الدوافع القومية التي مكّنت من النجاح الثوري في مصرانّ الأصداء القومية التي أحدثتها ثورة الشعب المصري في الأفق العربي كله عادت إليه مرة أخرى على شكل قوة محركة تدفع نشاطها وتمنحه شباباً متجدّداًانّ ذلك التفاعل المتبادل في حدّ ذاته كان هو وحدة شعوب الأمة العربية فعلياً قبل ايّ صيغة وحدوية دستورياً».

ج ـ على المستوى العالمي:

فقد كتب جمال عبد الناصر في الميثاق ايضاً: «… انّ أصداء النصر الذي حققه الشعب العربي في مصر لم تقتصر آفاقه على المنطقة العربية فقط وإنما كانت لها آثارها البعيدة على حركة التحرير في أفريقيا وفي آسيا وفي أميركا اللاتينيةانّ معركة السويس التي كانت أحد الأدوار البارزة في التجربة الثورية لم تكن لحظة اكتشف فيها الشعب المصري نفسه، او اكتشفت فيها الأمة العربية إمكانياتها فقط، وإنما كانت هذه اللحظة عالمية الأثر، رأت فيها كلّ الشعوب المغلوبة على أمرها ان في نفسها طاقات كافية لا حدود لها، وانها تقدر على الثورة بل انّ الثورة هي طريقها الوحيد…»

فكانت ثورة 23 يوليو/ تموز 1952 المصرية ملهمة للثورات التي تعاقبت في: كوبافيتنامالجزائركينياتنزانيا، بل ومعظم الحركات الاستقلالية في أفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية، ولا مانع من التذكير هنا بأنّ الثورة المصرية كانت الدافع لــــ 43 دولة ناشئة ومستقلة في أفريقيا قد قطعت علاقاتها بـ إسرائيل» مستلهمة في ذلك أبعاد التضامن الجادّ بينها وبين الثورة المصرية التي فجرها البطل الأفريقي جمال عبد الناصر كما كانت تطلق عليه من وصف.

بقي ان نقول شيئاً للتاريخ بعيداً عن العروضات والتحليلات السياسية او الاقتصادية او الفكرية او الفلسفية:

انّ جمال عبد الناصر الإنسان والابن والشاب والزوج والولد والضابط والثائر والرئيس والقائد والبطل والزعيم المصري والعربي والدولي والعالمي بقي كما هو على استقامته وطهارته وتواضعه خادماً وليس مخدوماً، ولقد كتب رداً على رسالة أحد الملوك إليه يدعوه فيها إلى المصالحة وفتح صفحة جديدة في العلاقات مليئة بالتواضع وتجنب الغرور والكبرياء: «ليست لي أحلام في مجد شخصي فلقد أعطتني أمتي العربية من المحبة والتقدير ما لم يكن يخطر على بالي في وقت من الأوقات، وسأبقى على خدمتها ما أراد الله لي البقاء…»

ولقد كتب وسجل التاريخ وإلى الابد في سجله الذهبي وفي سجل الخالدين انّ جمال عبد الناصر كان المتقدّم على اختلاف الأمم والعصور من خلال مشهدين اثنين:

الأول: يوم توجه الى شعبه المصري والى أمته العربية والى أحرار العالم يعلن هزيمته في حرب الخامس من حزيران سنة 1967 واستقالته وتحمّله المسؤولية وكيف هبّت الجماهير المصرية والعربية والعالمية الحرة ترفض موقفه هذا وتجبره على البقاء في موقعه المسؤول وشعرها الخالد: «لسنا إلاّ معك ووراءك نكمل المشوار».

الثاني: يوم انتقل الى جوار ربه في 28 أيلول/ سبتمبر 1970 وخرجت الملايين التي لا عدد لها في القاهرة وفي مصر وفي دنيا العرب وفي العالم الحر تبكيه وتودعه في مشهد غير مسبوق وغير منظور وهي تصرخ بقوله تعالى: « وَلَا تَقُولُوا لِمَن يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِن لَّا تَشْعُرُونَ».

*الأمين العام السابق لإتحاد المحامين العرب

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى