كيف تطوّر مصر موقفها في ملف سدّ النهضة؟
} أحمد عادل
رغم كلّ المحاولات الدبلوماسية المصرية مع إثيوبيا بخصوص سدّ النهضة وسعي مصر عبر المحادثات المستمرة الى ثني إثيوبيا عن إيذاء مصر مائياً وتقليل حصتها من مياه النيل وإدخال مصر وشعبها في مرحلة الفقر المائي وتهديد أمن مصر القومي، فشلت كلّ تلك المحاولات فشلاً ذريعاً واستمرّت إثيوبيا في سياستها، بل إنّ الأمر قد وصل بدون مبرّر منطقي بإثيوبيا الى تهديد مصر عسكرياً والحديث بعدوانية ضدّ الدولة المصرية رغم ان مصر كانت ولا تزال تصمّم على الحلّ الدبلوماسي التفاوضي لأزمة سدّ النهضة الشائكة. وموقف إثيوبيا العدواني تجاه مصر رغم التزام مصر إعلامياً وسياسياً حتى الآن بالحلّ الدبلوماسي مؤشر على أنّ هناك سوء نية لدى إثيوبيا في ملف سدّ النهضة.
تتعامل مصر مع أزمة سدّ النهضة على أنه أزمة مباشرة بين مصر وإثيوبيا ولا يوجد تدخل من أطراف إقليمية أو دولية أخرى، وتتعامل مصر بأنّ إثيوبيا لديها حسن نية وليس لديها نية سيئة مبيّتة لإيذاء مصر مائياً. فالدولة المصرية ترى انّ أزمة سدّ النهضة أزمة يمكن حلها دبلوماسياً عبر المفاوضات وانّ الأزمة هي بين مصر وإثيوبيا فقط ولا يوجد تدخل من أطراف إقليمية ودولية تتآمر على مصر وتريد إضعاف مصر عبر إفقارها مائياً ودعم الإرهابيين في سيناء ومحاصرة مصر عبر الجبهة الليبية وإغراق مصر في أزمات استراتيجية خطيرة تجعل مصر في موضع ضعف وإنهاء خطورة مصر المستقبليّة على «إسرائيل»، فـ «إسرائيل» تدرك أن معاهدة كامب ديفيد هشّة وستنهار عاجلاً ام آجلاً لأنّ «إسرائيل» تهديد وجودي للدولة المصرية وأن الصراع العسكري بينهما حتميّ، لذلك تعمل «إسرائيل» دائماً على إضعاف مصر من كلّ النواحي لأنها تدرك انّ الصراع المصري الإسرائيلي العسكري الشامل سيحدث عاجلاً ام آجلاً.
ومن هذا المنطلق يجب على الدولة المصرية ان تغيّر توصيفها لأزمة سدّ النهضة، وتغيير التوصيف يجب ان يقود لتغيير منهجية مصر في التعامل مع تلك الأزمة وذلك عبر النقاط الآتية :
أولاً: يجب على الدولة المصرية إدراك انّ إثيوبيا لديها نية سيّئة مبيّتة بدعم “إسرائيلي” وانه مهما حاولت مصر دبلوماسياً معها فلن تنجح تلك المحاولات.
ثانياً: يجب على الدولة المصرية التعامل مع سدّ النهضة على أنه عدوان إسرائيلي مباشر على مصر وأنه حرب إسرائيلية مائية ضد الدولة المصرية لإفقار مصر مائياً وبالتالي يجب الردّ على “إسرائيل” واستغلال نقاط ضعف “إسرائيل” في الإقليم فما دامت “إسرائيل” تعمل على إفقار مصر مائياً يجب على الدولة المصرية ان تردّ بشكل استراتيجي حاسم وفي الوقت نفسه بهدوء وبرودة أعصاب، فـ “إسرائيل” لا تعادي مصر بشكل علني، لذلك يجب ان يكون الردّ المصري حاسماً بشكل استراتيجي على أرض الواقع وفي الوقت نفسه من دون تبنٍّ مصريّ إعلاميّ لذلك الردّ، فـ “إسرائيل” تتآمر من دون تبنٍّ رسميّ وفي المقابل يجب على مصر ان تردّ على هذا التآمر من دون تبنٍّ رسميّ أيضاً، ولكن هل مصر تمتلك تلك القدرة على الردّ؟ وما هي أوراق الضغط التي تمتلكها مصر على “إسرائيل”؟
نعم تمتلك مصر أوراق ضغط على “إسرائيل” وتستطيع استغلال نقاط ضعف “إسرائيل” الإقليمية ونقاط ضعف “إسرائيل” في الإقليم معروفة وهي محور المقاومة إيران وسورية وحزب الله. فـ “إسرائيل” ترتعش من قدرات محور المقاومة لأنها تشكل تهديداً وجودياً لها، المطلوب من مصر ليس التحالف الكامل مع محور المقاومة ولا حتى التحالف من الأساس، كلّ المطلوب من مصر التقارب بشكل هادئ مع محور المقاومة. فهذا هو الحلّ الوحيد لردع “إسرائيل” في موضوع سدّ النهضة وجعل “إسرائيل” تضغط على إثيوبيا لإنهاء تلك المهزلة، فما دامت “إسرائيل” تجاوزت الخطوط الحمر ضدّ مصر، يجب على مصر تجاوز الخطوط الحمر وقلب المنطقة إقليمياً وخلط الأوراق فيها عبر التقارب مع محور المقاومة حتى تدرك “إسرائيل” انّ أكبر دولة عربية قادرة على خلط كلّ الأوراق إقليمياً وأنها قادرة على التودّد لأعداء “إسرائيل” في المنطقة. فيجب على مصر التعامل مع “إسرائيل” وفق مبدأ إفقار مصر مائياً يقابله التقارب مع محور المقاومة الذي يهدّد “إسرائيل” وجودياً.
أنا لا أطالب الدولة المصرية بالتحالف الكامل مع محور المقاومة، كلّ المطلوب من الدولة المصرية ان تلعب على التناقضات الإقليمية لتستطيع الدفاع عن نفسها وردع الأعداء عن التآمر عليها، وسياسة اللعب على التناقضات الإقليمية سياسة متبعة عند كثير من دول الإقليم. فتركيا تلعب على التناقض الأميركي الروسي لتحقيق مكاسب سياسية وتلعب على التناقض السعودي الإخواني لتحقيق مكاسب سياسية وحتى روسيا وإيران تتقاربان مع تركيا العضو في حلف الناتو في إطار اللعب على التناقض الأميركي التركي في ملف الأكراد. فالحلّ الأمثل لمصر حتى تردع العدو عن التآمر عليها هو اللعب على التناقضات الإقليمية والدولية والتعامل مع سدّ النهضة على انه مؤامرة إسرائيلية وانّ الأزمة ليست مصرية إثيوبية فقط. فالتقارب المصري مع محور المقاومة خير فعل للدفاع عن النفس والأمن القومي المصري من المخاطر التي تحدق به.