قصة شهرزاد الفينيقيّة في لملمة شعوبها الهمجيّة
جهاد أيوب
بلغني أيتها الشعوب الطائفية العفيفة، والمنهوبة المخبولة، أن ذاك الوطن الذي كان ساكناً علــى هضاب من بلور، وربـــوعه خضراء بين الماء والســكون، أصبح اليـــوم من دون الأبواب، وغابت عنه الشمس وكـــل البخور، واحتله العفن ونفايات من صنع الغرور، وبقــايا هضاب لم تعد تعرف الهدوء، ولا المحبة، وهجرته الطيور!
وتابعت شهرزاد الفينيقية البوح والعتمة تعانق المكان، في ذاك البلد لا كهرباء ولا ماء ولا طرقات ولا دواء، بل تكثر فيه الحكايات العجيبة والسادية المقيتة، والكل يتغنى بالله في ذبح شقيقه في الإنسانية والدين والوطنية والشراكات التكاذبية…
بلغني أيها المسروق المنتوف المحروم أن من يُقال عنه رجل دين يجلس على عرشه الحقود، ومن تحته جماجم من نقود، ودماء يزين فيها الحضور، يجلس مبتسماً ليحرّض الناس على الناس كل ثمانية أيام في الاسبوع، فلا يهدأ متنقلاً من سفارة داعمة لتفكيك رعيته، وسلاحها يقتل شعوب وطنه، همه تفريغ سمومه وحقده على مَن لا يعجبه!
بلغني أيها المنحوس المنتوف المخنوق أن مَن يُقال عنه الزعيم الممشوق المكشوف يصرّ على صداقة رجل الدين ذاك، ويعقدان الاتفاقات الشيطانية!
هذا رجل دين موظف عقد اتفاقيات مع كل ولادة زعيم يجاريه على سرقة الرعية أولاً، يؤمن له الغطاء الطائفي، ومن ثم ينهبا الوطن معاً، وشل الدولة، وافقار الناس حتى يستمروا كالغنم، وكالكلاب تنبح من دون فائدة، فكرسي نواطير الدين تحتاج إلى وقود تتغذّى من الطائفية، يشعلونها كلما ضاقت مساحة سرقة الزعيم، أو قرر ذاك الزعيم عدم مشاركة زعيم من دين آخر في السرقة!
يا مخبولين، ويا مهبولين ومخروقين يوافق الزعيم بسرعة البرق على طلب رجل الدين، ويوافق رجل الدين على طلبات الزعيم، ومع كل أحد وجمعة يصيح الديك من غير صوته، ويستخدم أصوات رجال الطوائف المنتشرة على مستوى الوطن حتى يشتدّ عود الزعيم فيرتكب هذا الأخير الجرائم المبررة، والسرقات المحللة، ويزرع الفساد في الدوائر المتطرفة!
وقامت شهرزاد بوضع العطور، وحركت خصلة من شعرها، وكشفت عن صدرها، وغطت ساقها اليسرى بورقة التوت، وساقها اليمنى بورق محارم الحمام، وتابعت البوح:
«رجال الطوائف يعــطون بركاتهم للزعيم، ويغطونه كلما لاحت نفــايات الفساد، ويتشاركون بجمع المال، ويتصالحــون مع ثعالب فضفاضة في التبعية والغدر والأجرام، وأوامرهم لزمر خاوية العقل تقطع الطرقات، وتشــعل الإطارات من أجل معالجة بيئة تحتضر، وتسودها الأمراض»!
ذات يوم أشرقت سفيرة قبيحة من بلاد العم، جمعت من حولها رجال الطوائف وزعامات همّها نشر الفساد والعنصرية والطائفية، وأخبرتهم أن دورهم لا قيمة له، وسمومهم أصبحت وهمية، ولا بد من إعادة هيكلية لوجودهم المخملية كأجراء روتيني في الوطن، وكموظفين في سفارتها!
قدمت لهم الملفات الشيطانية كي ينفذوا حرفية ما فيها!
وقف ذاك الزعيم العميل والفاسد الذي يغير لونه كالحرباء مع كل موجة صيف طالباً شربة ماء في السفارة، فما كان من السفيرة إلا الرفض والشتم، ولجمه حتى لا يكرّر فعلته!
سكت هذا الماجن، واعتبر فعلته حالة من التخلي، وصمت في مكانه حتى أصيب بالتصميط، ويتطلب ذلك البودرة أو زيت الزيتون كي يتعالج!
انفعل ذاك الولد المغناح إبن العميل إبن إبن جد الجد العميل ليقدم خدماته دون أن يطلب منه»!
تلحلحت شهرزاد وهي تروي حكايات عن هذا الولد، أرادت أن تعالج أمراضه، فتذكرت أنها تروي الحكاية الواقعية، وتابعت…
انزعجت السفيرة من كلام الولد، طلبت منه أن يغير أسلوب نطقه، وطريقة كلامه، ولجمته قائلة: «أنت سكوت ما بتفهم بغير العك والثرثرات الهمجية السطحية، شفناك أنت وأهلك وجدودك فوق وتحت، الأفضل تنضب وتخرس، وبلا دلع ومحن»!.
شكرها على صراحتها، وتهذيبها، وابتسم معتزاً بالشتيمة منها، وتابع اللعب بالاتاري، ومن ثم طلب من السفيرة أن تسمح له باللعب أمام السفارة!
لم تكترث السفيرة لكل طلبات الحضور، ولا لرفع أصابعهم كي تسمح لهم بالنطق، وحسمت قرارها بأنها بعد اليوم هي ستخوض المعركة شخصياً!
تنطح رجل دين همه البلع والسرقة وأشياء ليلية حمراء، وقدّم ملفاً طائفياً خبيثاً!
صرخت السفيرة في وجهه قائلة: «ماذا تنتظر، أنت كلفتنا المال الكثير، ولم نستفد منك بالقدر المطلوب، عليك إشعال الحروب، وإلا ستعاقبون جميعاً»!.
تبسم رجل الدين في طائفة اعتادت الحروب الداخلية، ومع كل حرب تخسر عددها وتميزاتها، ومساحتها في الوطن، وخرج من ذاك الوكر إلى استخدام الصوت في كل مكان يحل فيه دون موعد!
بسرعة البرق وقفت إلى جانبه زعامات تبني مجدها على دماء شعوبها، وتشحذ المال من الأعداء كي تسرقه بحجة إنفاقــه على زمر مناصرة، ومحتاجة إلى من يسوقها في غابة موحشة ومتوحشة طائفياً بحجة مكاسب الطائفة!
«نسيت أن أخبركم يا مخدوعين، ومجلوقين، ومنتوفين، ومسروقين، ومغتصبين»، والكلام لا يزال إلى شهرزاد…
نسيت أن أخبركم أن كل الكل في ذاك الوطن يدّعي الإيمان بالدين، وبالوطن، وبالعيش المشترك الكريم، وكل لحظة يذكرون شعوبهم بالعيشة الشراكة مع أن الواجب في الوطن الكل سواسية بالعيش المشترك والكريم، وبوظيفة تليق بالمجتهد لا يحددها الزعيم، ولا يفرضها رجال الطوائف خارج التميز وضمن سلسلة اختيار الحمير!
المهم، وقبل أن تسكت شهرزاد الفينيقية عن البوح الجميل همست بصوت رفيع بأن هذا الوطن أتخم بحروب الابناء، وبطلبات السفراء، وبأموال نهبت بإسم الفقراء، وبتعساء يسيرون من دون دراية إلى زعيم يكرر الحكاية، ورجال طوائف يساهمون بإشعال الحروب الدامية كل عشر سنوات متتالية!
وختمت شهرزاد الفينيقية بأنها ستذهب إلى فرنسا وواشنطن والرياض وطهران ودمشق لتخبر الحكاية، وتؤكد أن شعوب ذاك الوطن يتغنّون كل يوم بالوطن، وبالوطنيّة، وبالحرية وبالسيادة وبالاستقلال!
…وفجأة أصيب قلب شهرزاد بصاروخ من دعاء رجال الدين، وتجمهر من حولها شبان من حراس الزعامات وبأيديهم الخناجر والسيوف والسكاكين، أرادوا ذبحها، ولكنهم ذبحوا بعضهم بعد أن سألوا عن الأسماء والمناطق، ليكتشفوا هوية الطوائف…!
وسكتت شهرزاد عن الكلام بعد أن منع عنها المباح تاركة من خلفها حكاية نهاية شعوب ملمومة، منحوسة، مخلوعة، منهوبة، مسروقة، منتوفة، متعوسة، متشاطرة، متفلسفة، متغنجة، متممحنة، متحمسة، ومتناحرة بهمجية من أجل مات الزعيم وعاش الزعيم مع غطاء رجال الطوائف بحجة الدين.