رقصة الحبارى..
أرقص على الأوجاع.. أناجي الموت الذي استشرس من جوعه المضني.. فبات يأكل بلا جوعٍ ولا شبع.. فقد الإحساس بالجوع وبالشبع.. وبات يرقص معي على الوجع.. راقت له آلامنا.. وباتت نغمات اليأس معزوفته المفضلة.. كغروبٍ يبدو جميل المنظر.. ووراء الغياب حزنٌ وأكثر..
شياطين الشر تملي عليه تعويذة الوداع.. والكل بات تائهاً وعن درب المحبة ضاع.. سيّجوا حولها بمكائدهم أسلاكاً شائكة.. ألا تقترب فهنا منطقة خطرة..
والخطر كل الخطر من المحبة قد تنجو من الموت بنشرها فانشر الذعر وارفع معه السعر.. فسعر المحبة غالٍ يغلو معه خيوط الكفن.. وليس الكفن بالأمر المهم.. طالما لا نملك سعره وسعر قبرٍ في تراب الوطن..
وأنا هنا لا زلت أراقص الوجع.. وأتمايل على نغمات اليأس.. لا أنتظر الموت فكم من مرة خطا أمامي وراقصني رقصة الحبارى.. والضجيج حولي يئنُّ بلا حسٍ ولا هدسٍ، فالناس حولي سُكارى.. يرمقني بناظريه ذاك الشيطان الرجيم.. ويستفيض غضباً بناره فأنا أمامه لا أستكين.. أرى من حولي خيالات.. وأراه محرّكاً لهم بخيوط كخيوط العرائس يحركها ويضحكها ويزوجها وفي سبات عميق يخلدهم ولا خلود معه ذاك الرجيم.. يتمطّى على أجسادها الخاوية ويترنح بضحكات بلهاء.. ويسمع من بعيد صوتاً ينادي مرحباً هل من أحدٍ هناك.. نعم هو صوت رحيم لم يعتد وجوده ذاك الرجيم.. صوت الضمير الغائب طيلة سنين في صحوة وشهقة للحياة بعد غياب نادى هل من أحد هناك.. عذراً عزيزي الضمير فالكل سكارى وحيارى ولا مجيب ولا سميع سوى صدى وبعضٌ من الأنين..
إن أردت الرقص معي على الأوجاع فقد راقصني الرجيم منذ قليل وكان متوجساً من يقظتك أيها الرحيم.. وإن أردت أكثر بأن تعزف الألحان وتنتهك ذاك الحرمان فاصرخ بعالي صوتك أن آن الأوان ليقظة بعد دهر من الحرمان وآن الأوان أن يشبع ذاك الموت الجائع.. وآن الأوان لتتحقق الأحلام.. وأن تنسف تلك الأسلاك الشائكة.. فالمحبة دقت ساعتها بصراخك فعلّي الصوت عالياً ولا تخشى مجادلاً..
سماهر الخطيب