أولى

«إسرائيل” اعتدت…
والمقاومة ستردّ حتماً…
فماذا بعده؟

 العميد د. أمين محمد حطيط _

تصرّإسرائيلعلى الزعم بوجود قوات عسكرية إيرانية في سورية تتمركز بين دمشق والجولان وأنها تشكل خطراً علىالأمن الإسرائيلي، لذا قرّرت التدخل العسكري للضغط على هذه القوات لإجبارها على الرحيل، وقد ادّعى نتنياهو انّ هذه الضغوط النارية أدّت بالفعل الى ضمور في الوجود الإيراني في سورية بشكل يشجع على مزيد من العمليات لاستكمال الانسحاب، ولأجل هذا تدّعيإسرائيلأنها كثفت عملياتها وطوّرتها الى العمق السوري في إطار ممارسة الضغوط الميدانية القصوى ضدّ الوجود الإيراني في سورية.

بيد أنّ الزعم الإسرائيلي يجافي الحقيقة في أكثر من موضع، أولاً لجهة طبيعة الوجود الإيراني إذ ليس لإيران قوات عسكرية ومراكز عسكرية قائمة استقلالاً عن القوات السورية، بل لديها كما أكدت مراراً خبراء عسكريون جاؤوا الى سورية بطلب من الحكومة الشرعية فيها ومهمّتهم تتركز على توفير ما يمكن من دعم للقوات السورية في حربها الدفاعية في مواجهة من شنّ الحرب الكونيّة التي تستهدفها. ثانياً لم يتراجع الوجود العسكري الإيراني حجماً ولم يتغيّر بطبيعته بتأثير من الاعتداءاتالإسرائيليةوإذا كان قد تغيّر حجمه، فإنه تغيّر صعوداً وليس تراجعاً ما يؤكد فشلإسرائيلفي تحقيق شيء من هدفها المعلن ولذلك نتجه للقول بأنّ للعدوانالإسرائيليعلى سورية أهدافاً غير التي تعلنها.

أما عن وجود حلفاء إيران بخاصة حزب الله فإنّ وجوده في سورية وجود قتالي، وهو يجاهر به، وقد نفذه بناء على طلب من الشرعية السورية وعملاً بقاعدة تلتزمها المقاومة وأعلنتها جهاراً تقولنكون حيث يجب أن نكونوحزب الله في سورية لأنه رأى انّ عليه ان يكون فيها  للدفاع عن المقاومة وعن محور المقاومة عبر مساعدة الجيش العربي السوري في إطار حربه الدفاعية في وجه عدوان شاركت فيها دول إقليمية ودولية حشدت أكثر من 300 ألف مسلح وإرهابي سوري وغير سوري لإسقاط قلعة المقاومة الوسطى.

إنّ اعتراضإسرائيلعلى قتال حزب الله الى جانب الجيش السوري أو السعي لمواجهته يشكل عدواناً مكتمل العناصر على سورية وحزب الله معاً، ولذلك كان واضحاً وقاطعاً الأمين العام لحزب الله بتوجيه إنذار الىإسرائيلمفاده انّأيّ مسّ بمقاوم او عنصر من عناصر الحزب يعمل في سورية سيردّ عليه من أيّ مكان في لبنان داخل او خارج مزارع شبعا، وأرسى قائد المقاومة بمقولته تلك قاعدة اشتباك إضافية ومعادلة واضحة للمواجهة مع العدو من شأنها ان تحمي المقاومة وعناصرها على كلّ المستويات في سورية واختبرتإسرائيلجدية هذه المعادلة بعد أن نفذت المقاومة عمليةافيفيممنذ أشهر حيث استهدفت بصواريخها المضادة للدروع قافلةإسرائيليّةداخل فلسطين المحتلة ثأراً لمقاومين استهدفتهم الطائرات الإسرائيلية.

ولكن يبدو أنّإسرائيلتريد اليوم أن تختبر المقاومة مجدّداً بعد كثير من التطورات الإقليمية والداخلية اللبنانية، فأقدمت على عدوان جوي استهدف أحد مواقع حزب الله في ضواحي دمشق، ما أدّى الى استشهاد مقاوم من الحزب، وكعادته فإن الحزب لا يخفي شهداءه بل يفاخر بهم وإنْ كان يمتنع أحياناً لضرورات أمنية او عملانية عن تحديد مكان الاستشهاد وسببه، إلا أنه هذه المرة أعلن كلّ شيء عن الشهيد محسن الذي كان يرابط في سورية قادماً من بلدته عيتيت في جنوب لبنان. فنعى الحزب شهيده مؤكداً أنه قضى بنار عدوانية إسرائيلية استهدفت موقعه في سورية، نعيإعلان يؤكد انّ شروط الردّ على العدوان متوفرة جميعها وفقاً للمعادلة الناظمة للمواجهة وبالتالي ليس الأمر بحاجة الى قرار بالردّ. فالقرار حتميّ طالما انّ شروطه اكتملت أما التنفيذ، فإنه يبقى خاضعاً لظروف عملانية لا تقيّدها سياسة.

بيد أنّ أسئلة تطرح هنا منها: لماذا استهدفتإسرائيلحزب الله الآن؟ وهل تريد أن تخرج من معادلة الردع الاستراتيجي المتبادل مع حزب الله؟ وهل يشكل عدوانها نقطة إضافية في مسار التهيئة للحرب ضدّ الحزب؟ أو لاستدراجه إليها؟ في ظلّ ما يروّج له من مؤثرات سلبية تحاصر حزب الله في الداخل اللبناني، حيث أضاف البطريرك الراعي الى مشاكل لبنان المؤلمة ملفاً خلافياً متفجراً بطرحه حياد لبنان في هذا التوقيت!

لقد سبق لـإسرائيلأن اتخذت قراراً بالتنقيب عن الغاز في جوار البلوك 9 من المنطقة الاقتصادية اللبنانية، قرار يؤثر سلباً على حقوق لبنان في المنطقة البحرية المتنازع عنها، ما يجعل تنفيذه بمثابة تحدّ واستدراج لمواجهة عسكرية مع لبنان تردّ فيها المقاومة على العدوان الإسرائيلي من أجل حماية الغاز اللبناني، لكنإسرائيلوعبر القنوات الدبلوماسية وجهت رسائل غير مباشرة أوحت بأنّ القرار الإسرائيلي بالتنقيب هو قرار مستأخر التنفيذ وقد تكون وظيفته الفعلية والحقيقية الضغط على لبنان لجره الى طاولة التفاوض والقبول بحلّ أميركي يراعي مصلحةإسرائيل”. وهكذا عطل المفعول التفجيري للقرار وبقي شبح المواجهة والحرب بعيداً.

اما الآن ومع المتغيّرات المتسارعة في لبنان والإقليم فإنّ طرح الأسئلة حول العدوان الجوي الإسرائيلي واستهداف المقاومة في سورية، مبرّر ويجب البحث عن هدفإسرائيلالحقيقي منه خاصة أنه منذ نعي حزب الله شهيده يُسجل سلوك عسكري إسرائيلي مريب في منطقة الحدود، ففضلاً عن الاستنفار الشامل استقدمتإسرائيلتعزيزات عسكرية كبيرة من المشاة والمدرّعات توحي بأنها تستعدّ لعمل عسكري ما، فهل ستكون الحرب وسيكون العدوان الجوي بطاقة الدعوة اليها؟ لكن وقبل مناقشة مسألة الحرب من عدمها نرى أنّ هناك ثلاثة أهداف رمتإسرائيلاليها مستغلة الواقع اللبناني الداخلي والضغط الأميركي هي:

1 ـ اختبار حزب الله وقدرته أو قراره في الردّ في ظلّ انشغاله بالوضع الداخلي في لبنان بعد المتغيّرات الأخيرة إثر التدابير الخانقة التي فرضتها أميركا على لبنان وسورية، وبعدما أحدثه طرح البطريرك الراعي من خلافات وسجالات حادة.

2 ـ محاولةإسرائيلالخروج من معادلة حماية المقاومين في سورية المعادلة التي أرساها السيد نصر الله كما وتريد فصل الميدان السوري عن الميدان اللبناني وهو ما يسعى محور المقاومة لجعلهما جبهة واحدة.

3 ـ مواصلةإسرائيلتنفيذ ما يقول عنه نتنياهو من استراتيجية الضغوط القصوى لإخراج إيران وحلفائها من سورية والتأكيد على نجاح هذه السياسة.

أما عن السؤال الآخر أيّ هل سيكون ردّ المقاومة مدخلاً للحرب؟

بداية نقول إنّ المقاومة ملزمة بالردّ والردّ حتمي لأكثر من اعتبار، وهو ردّ سيشكل في طبيعته ومكانه، تأكيداً على قوة وقدرة حزب الله المتصاعدة حجماً وفعالية، ردّ يوجه رسائل ضرورية الآن لكلّ معنيّ بالشأن، كما انه سيشكل عقاباً لـإسرائيلعلى جريمتها، وثأراً لدم الشهيد، كما يشكل تثبيتاً صارماً لمعادلة الردع وقواعد الاشتباك الأساسية والإضافية.

أما عن الذهاب إلى الحرب فإننا نذكّر بأنّ المقاومة لا تزال تعمل بالاستراتيجية الدفاعية، وهي وإنّ كانت تنفذ بعض العمليات الهجومية فإنها تنفذها في معرض الدفاع، وهو أمر مألوف ومشروع، فإذا أرادتإسرائيلأن تثبت بأنّ قراراتها بالتنقيب عن النفط ثم استهداف المقاومة في سورية هي أعمال استدراج للحرب وتنتظر ردّ المقاومة لتشنّها أو أن تضع المقاومة بين خيارين إما الحرب او السكوت، فإنها لن تجد من المقاومة سكوتاً تشتهيه بل ستجد ناراً بمستوى ما يفرضه التحدّي.

وبالتالي الردّ واقع حتماً وعلىإسرائيلان تختار بين ابتلاع الردّ الآتي لا محالة مهما كان حجمه وتأثيره أو الذهاب الى الحرب التي لا تسعى اليها المقاومة الآن، لكنها على أتمّ الجهوزية لها، جهوزية لم تؤثر فيها كلّ أعمال الصخب والضجيج والتحدّيات المتنوّعة في الداخل اللبناني أو الإرهاب الأميركيومع ذلك لا نزال نرى أنّ الحرب مستبعدة الآن وإسرائيلقبل غيرها تعرف أنّ الحرب ليست في مصلحتهالكنها تحاول أن تبتزّ وتناور لتكسب شيئاً تظنّ انّ تحققه ممكن. ثم تحصد الخيبة.

*أستاذ جامعيخبير استراتيجي

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى