بدر مكّي «الحرامي» الذي سرق القلوب في نادي الأنترانيك كانت البداية والنهاية
تمّ إختياره كأفضل لاعب سادس في بطولة آسيا 2000
شخصيته المحبوبة جعلته الخياط الخاص للنجم الأميركي حكيم أولجوان
} ابراهيم موسى وزنه
بسبب ظروف الحرب الأهلية وارتداداتها الأمنية على معظم المناطق في لبنان، وجد الرياضيون اللبنانيون، وتحديداً في الألعاب الجماعية صعوبة بالغة في تظهير مواهبهم بشكل طبيعي، أكان مع فريق أو ضمن بطولة رسمية، وأكثر ما تتبلور هذه الصورة في لعبة كرة السلة، حيث غابت بطولاتها الرسمية ردحاً من الزمن، منذ العام 1975 ولغاية العام 1993، ولذلك يطلق على الفترة الممتدة منذ العام 1994 ولغاية اليوم، بالعصر الحديث لكرة السلة اللبنانية، والتي نجحت بالوصول إلى المونديال العالمي لثلاث مرّات (2002 ـ 2006 ـ 2010)، وهنا لا بدّ من الاشادة بالدور الايجابي الذي لعبه «البرزيدان» الراحل انطوان الشويري، صانع أمجاد نادي الحكمة.
ومن اللاعبين الذين أخّرت الأوضاع السائدة عملية بروزهم بالشكل اللازم، بدر أحمد مكي (مواليد العام 1970 ـ سن الفيل)، المعروف في الوسط السلّوي بـ «الحرامي» نظراً لكونه أهمّ وأشهر سارق كرات في ملاعب الكرة البرتقالية، محلياً وعربياً. ولطالما حيّا بدر جمهوره الحكماوي الهاتف «حرامي .. حرامي … بدر مكي حرامي» لكونه يدرك بأن سرقاته تفرحهم وتسهم في تغليب دفّة فريقه على الفريق المنافس. عن رحلته التي امتدت 12 سنة تحت الأضواء يخبرنا بدر:
«استهليت مسيرتي الرياضية باكراً في لعبتين معاً، كرة القدم وكرة اتلسلة، وذلك ضمن فريق مدرسة الحكمة الجديدة، وشجّعني على خوض غمار الرياضة أخي الكبير أيمن، ولعبت كرة القدم مع فريق الروضة الدكوانة لعدّة سنوات قبل أن آخذ قراري بتوديعها لأتفرّغ إلى كرة السلة فقط، فاللعب على ملعب الروضة الرملي كان يجعلني أعود إلى البيت بثياب موحلة ومتسخة، ورأفة بما كانت تعانيه والدتي رحمها الله من متاعب وشغل إضافي أثناء تنظيف الثياب قررت مع أخي أيمن ان نتوجّه إلى كرة السلة مع فريق المدرسة تحت اشراف الكوتش ايلي الحاج، كرة السلة أقل تعصيباً وأكثر نظافة وأقل إصابات … لتطوير مهاراتي ولكي أبقى مواظباً على اللعب في ظل الظروف الصعبة التي شهدتها المنطقة ركّبنا «تارة» على سطح منزلنا في سن الفيل وصرنا نلعب يومياً … ولاحقاً سافر أخي أيمن إلى فرنسا غير آبه بمستقبله الرياضي علماً بانه كان من الموهوبين، وواصلت طريقي في لعبة أحببتها وأردت ان أثبت وجودي في ساحاتها وقاعاتها المقفلة … وباسم الحكمة الجديدة لعبت العديد من الدورات الودية والمباريات المحلية والمدرسية، إلى أن أطل العصر الحديث للسلة اللبنانية في أوائل التسعينيات، فوجدت نفسي ملتحقاً بصفوف نادي الانترانيك بطلب من الصديق المدرب رزق الله زلعوم الذي كان يتابعني ويبدي اعجابه بادائي وسرعتي وحضوري الميداني الفاعل في معظم الكرات، وشاركت مع الانترانيك في أول بطولة رسمية وحلّ فريقنا خامساً، وبعد موسم واحد مع الانترانيك طلبني اداري الرياضي جودت شاكر للالتحاق بالرياضي، وفي تلك الفترة كان يوجد وليد دمياطي في نفس المركز الذي ألعبه (صانع ألعاب) فلم آخذ فرصتي باللعب كما يجب، فقررت العودة إلى الانترانيك مجدداً وهذه المرّة تحت قيادة المدرب فؤاد أبو شقرا، وبقيت معه حتى العام 1999 ، حيث إنتقلت إلى صفوف نادي الحكمة بتمهيد من المدرب الصديق غسان سركيس، يومها جرت عملية تبادل قضت بارتدائي القميص الأخضر وإنتقال بهجت الشدياق وأيمن نجّار إلى الانترانيك».
مع الحكمة غير
«لا شكّ بأن أفضل مواسمي السلوية، كانت مع الحكمة، وخصوصاً لجهة الشهرة والاستفادة المادية واكتساب الصداقات وحب الجماهير، بصراحة مع الحكمة كانت الأمور رائعة في ظل وجود رئيس رائع وجريء وكريم هو الراحل انطوان الشويري، مع الحكمة أحرزت الألقاب والبطولات في كافة الاتجاهات، عربياً وآسيوياً، ونلت جائزة أفضل لاعب سادس في بطولة آسيا للأندية (2000) ومن الحكمة تمّ اختياري ضمن صفوف منتخب لبنان الذي كان يشرف عليه جون نيومان فشاركت في المونديال الاميركي في العام 2002 ونلت تنويهاً من قبل رئيس عمليات كرة السلة في نادي ديترويت بيستونز … حيث قال لي «ليتك أصغر من ذلك» …. ولاحقاً أبقاني المدرّب غسان سركيس ضمن صفوف المنتخب لسنتين، قدّمت خلالهما أفضل ما عندي مستنداً إلى سرعتي ولياقتي وسرعة بديهتي في سرقة الكرات بالاضافة إلى التمرير والدفاع المستميت، ففي تلك الفترة الذهبية صرت أفكّر بضرورة التعاون مع تفعيل روح الفريق في داخلي فيما كنت في الانترانيك أسعى للتسجيل ولابراز مواهبي مع بعض الانانية، كانت مشاركتي ضمن التشكيلة الحكماوية الأساسية معركة مفتوحة بحد ذاتها، فمع ايلي مشنتف وفادي الخطيب وأجنبيين، سينحصر خيار المدرب على لاعب واحد من بين جيش المجلين المتواجدين على مقاعد الاحتياط، وهنا حتماً ستشتعل معركة إثبات الوجود وتقديم الأفضل والتعاون المثمر».
إنتقال غير موفّق!
في العام 2003 انتقل بدر مكي إلى صفوف الرياضي بناء لرغبة مرشده السلوي غسان سركيس، وهنا يعلّق مستذكراً ظروف خياره غير الموفّق: «بالرغم من العرض الذي قدذمه لي فريق بن نجار الذي كان يدرّبه بتروفيتش إلا أنني آثرت مرافقة غسان الذي كان على خلاف مع الشويري إلى النادي الرياضي، في ذلك الموسم تضايقت كثيراً من الكلام الذي كنت أسمعه من رفاق وصحبة المس، كما أنني أمضيت معظم أوقاتي على مقاعد البدلاء … كانت غلطة كبيرة ارتكبها غسان ـ وباعترافه ـ وكذلك الأمر بالنسبة لي».
ويضيف مكي في سياق الحديث عن معاناته في ملاعب السلة: «لمست محاربة الكثيرين، وحسد الأصدقاء، وكلام في غير محله .. ومع ذلك تسلّحت بالصبر وبالنفس الطويل وثابرت ملتزماً بالتمارين ومن دون أنانية، مجتهداً في تطوير مهاراتي مبتعداً عن عن كل ما يسهم بتقصير عمر اللاعب».
علاقات وهوايات ومدرسة
مستفيداً من محل والده أحمد مكي، أشهر خيّاط بدلات رجالية في بيروت منذ لاكثر من 50 عاماً، والذي يقع في برج حمود، نسج بدر مكي علاقات كثيرة مع غالبية اللاعبين الأجانب الذين وفدوا إلى لبنان منذ العام 1994 ، فالأجسام الضخمة بحاجة تفصيل بدلات على مقاسها، وهنا قصّ مايكل كامبرلاند (لاعب الرياضي) شريط الحضور إلى محل أبو أيمن، حيث عمل على تفصيل 10 بدلات متنوّعة الأوان والموديلات، ومن ثمّ كرّت السبحة مع توافد غالبية اللاعبين، وقد وصل عددهم إلى 50 ، صور معظمهم معلّقة على تابلو داخل المحل، ولطالما اضطر أبو أيمن للوقوف على كرسي لأخذ مقاساتهم، ومع الوقت تعلّم بدر من والده المصلحة وصار يأخذ المقاسات بنفسه توفيراً لأوقات اللاعبين، وهنا يروي: «توجّهت إلى العاصمة الأردنية عمّان، حيث أخذت مقاس لاعب الـ أن بي أي المشهور حكيم أولجوان (مواليد 1963 ـ متزوج من أردنية) وعدت إلى بيروت وفصلّنا له 12 بدلة ثم عدت وأوصلتها له، وأستقبلني استقبالاً رائعاً وأمضيت معه يومين لن انساهما أبداً … ومع هدوء موجة كورونا سأكرر العملية بناء لطلبه». ليكمل أشهر لاعب لبس القميص رقم 4 في لبنان: «أعمل بتجارة الألبسة وبخياطة البدلات جنباً إلى جنب مع والدي، وقد تعلّمت تفاصيل المهنة وفنونها … قصّاً وتفصيلاً … ذوقاً وترتيباً».
وفي الحديث عن هوايته، يقول مكي : «كلها هوايات رياضية، كرة القدم وكرة السلة والتزلج والسباحة، والأهم عندي حالياً مرافقة عائلتي في المشاوير والسفر من وقت إلى آخر … يحزّ في قلبي فقداني لوالدتي في 8 تشرين الأول من العام 2019 ـ أصعب يوم في حياتي ـ وهي التي مهّدت لي الطريق للانضمام إلى الحكمة في العام 1999 … يومها وقفت حائراً عندما دعاني جورج بركات للانضمام إلى الفريق في اليوم الأخير للتواقيع … ترددت متسائلاً كيف سآخذ فرصتي بوجود بولس بشارة ومحمد آشا .. عندها قالت لي والدتي أذهب إلى الحكمة ولك في هذه الخطوة الخير والاستقرار في المستقبل».
ومنذ أن ترك بدر مكي الملاعب في العام 2005 ، حيث لعب آخر مواسمه مع ناديه الأول الانترانيك، بادر إلى تأسيس أكاديمية لتعليم كرة السلة للشباب والصغار، وله في هذا الميدان سنوات من العطاء وتفريخ العديد من الموهوبين.
خاص جداً
ودّع بدر مكي العزوبية في العام 2011 مرتبطاً برفيقة دربه جيهان قليط، وله منها بنتان شانيل وباريس بانتظار أختهما الثالثة خلال العام 2020 ، وفي اعترافاته السلّوية يقول بأن المدرب ايفان أوديشكو هو صاحب اليد الطولى في مساعدته على الارتقاء الفني وتحسين مستواه، فيما غسان سركيس هو الأكثر قرباً إلى قلبه «ومنه استفدت كثيراً» ، أما أكثر من انسجم وتأقلم معه من اللاعبين «فهو ايلي مشنتف دون منازع»… ليختم «التقيت بالعديد من النجوم والشخصيات السياسية والاجتماعية على كافة المستويات … ويبقى لقائي بسماحة السيد حسن نصرالله في العام 2000 برفقة الكوتش غسان سركيس الأجمل والأروع».