إرهاب الدولة… والقصور في المعالجة القانونية
د. عصام الحسيني
ظاهرة الإرهاب وتعريفه، إشكالية في العلاقات الدولية، تفسره وتستعمله الدول، انطلاقاً من قوتها ومن مصالحها الاستراتيجية، وليس من مفهوم قانوني مجرد.
فهل حركات التحرّر وتقرير المصير، وما يصاحبها من عنف، هي عمل إرهابي أم كفاح وطني؟
وهل حركات المقاومة للاحتلال، بكل أشكالها وخاصة العسكرية، هي عمل إرهابي أم واجب وطني وقومي؟
لقد أعطى القانون الدولي، تفسيراً محدداً لمفردة الإرهاب بالتالي:
«الإرهاب هو كل عنف غير قانوني، بحق المدنيين، لأجل تحقيق هدف سياسي».
في هذا التعريف ثلاثة عناصر:
1 – هو عمل عنفي غير قانوني.
2 – هو موجّه ضد المدنيين.
3 – الباعث هو هدف سياسيّ.
انطلاقاً من هذا التعريف القانوني، وفي تاريخه، نستعرض لحالة تعرض المقاتلات الأميركية للطائرة الإيرانية المدنية «ماهان اير»، وهي تعبر أجواء الأراضي السورية:
ما هو الوضع القانوني للحادثة، وما هي التداعيات.
في الرواية الأميركية، أن التعرّض للطائرة الإيرانية، كان بنية التعرف عليها، لأنها كانت تمر بالقرب من القاعدة العسكرية لقوات التحالف الدولي في التنف، بقيادة الولايات المتحدة الأميركيّة، وتشكل خطراً، لكن وبعدما تبين أنها مدنية، تمّ فك الاعتراض.
أولاً:
ما هو المبرر القانوني، لوجود قوات عسكرية للتحالف الدولي على الأراضي السورية؟
هل هو يدخل ضمن، الاستثناءات المشروعة الكلاسيكية لمبدأ عدم التدخل؟
أم هو يدخل ضمن، الاستثناءات المشروعة لمبدأ عدم التدخل غير الكلاسيكية؟
إن وجود هذه القوات العسكرية للتحالف الدولي على الأراضي السورية، لا ينطبق مع الاستثناءات المشروعة لمبدأ عدم التدخل الكلاسيكية وغير الكلاسيكية، وبالتالي يعتبر:
حالة اعتداء على سيادة الدولة السورية.
ثانياً:
وانطلاقاً من تعريف القانون الدولي للإرهاب، تبين في حالة الاعتراض التالي:
أنه عمل عسكري غير مبرر ترافق بالترهيب العنفيّ، استهدف مدنيين لا عسكريين، انطلاقاً من الصراع السياسي القائم، بين الولايات المتحدة الأميركية وإيران.
وعليه، فإن ما ورد من تعريف للإرهاب، ينطبق مع كامل تفاصيل الاعتراض الأميركي للطائرة الإيرانية، وبالتالي يعتبر حالة من عمل إرهابي خاصة:
وان الولايات المتحدة الأميركية، كانت قد فرضت عقوبات على شركة «ماهان اير» عام 2001، بحجة نقل أسلحة لمقاتلين مرتبطين بإيران في سورية وأماكن أخرى، وان الشركة قدمت الدعم المالي وغيره من أشكال الدعم، للحرس الثوري الإيراني.
وكانت قوات البحرية الأميركية، قد أسقطت عام 1988، طائرة مدنية إيرانية، تحمل على متنها نحو 290 راكباً، أقلعت من مطار بندر عباس الدولي برحلة رقم 655، إلى مطار دبي الدولي، وتسببت بمقتل جميع الركاب وغرقهم في مياه الخليج، بحجة عدم تميّزها.
وهنا نسأل:
ما هي القواعد القانونية الدولية، التي تحمي المدنيين، من عمل إرهابي يستهدف النقل الجوي؟
لقد أجاب القانون الدولي على هذه الإشكالية، بالعديد من الاتفاقيات والقرارات الدولية، التي تشكل ضمانة لأمن النقل الجوي، ضمن ما ورد من نظام مكافحة الإرهاب، وهو يقوم على ركيزتين:
الأولى: مبنيّ على الاتفاقيات المتنوّعة في مكافحة الإرهاب.
الثانية: مبني على الفصل السابع لمجلس الأمن.
في الركيزة الأولى، المتعلقة في مكافحة الإرهاب، ورد عدد من الاتفاقيات الملزمة للدول بقبولها، وتأتي موجباتها تحت الفصل السابع.
لكن بما ورد في موضوع النقل الجوي تحديداً، نستعرض أهم الاتفاقيات والمعاهدات الدولية ذات الصلة، والتي تشكل دعائم قانونية، ومنها:
أ – اتفاقية شيكاغو:
دخلت الاتفاقيّة حيز التنفيذ بتاريخ 4 نيسان 1947، وأنشأت منظمة الطيران المدني الدولي، وهي منظمة متخصصة تابعة للأمم المتحدة، ومكلفة بتنسيق وتنظيم السفر الجوي الدولي.
ب – اتفاقية طوكيو:
دخلت الاتفاقية حيز التنفيذ بتاريخ 4 كانون الأول عام 1969، وتتضمن عقوبات على أي أعمال، تتهدد سلامة الأشخاص أو الممتلكات على متن طائرة مدنية.
ج – اتفاقية لاهاي:
دخلت الاتفاقية حيز التنفيذ بتاريخ 14 تشرين الأول عام 1971، وتنص على قمع الاستيلاء غير المشروع على الطائرات، ومعاقبة اختطاف الطائرات.
ح – اتفاقية مونتريال:
دخلت الاتفاقية حيز التنفيذ بتاريخ 4 تشرين الثاني عام 2003، وتنص الاتفاقية على توحيد قواعد النقل الجوي، التي كانت تعرف من قبل بـ «اتفاقية وارسو».
هذه الركيزة القانونية من الاتفاقيات والمعاهدات الدولية، أعطت نظام النقل الجوي السلامة، وفرضت على الدول وجوب احترامها والعمل بها، بصفتها قواعد آمرة.
لكن، إذا تم تجاوز هذه القواعد القانونية من دولة ما، في ممارسة عمل إرهابي، مثل حالة اعتراض الطائرة الإيرانية موضوع البحث، فمن هي الجهة القانونية، التي تملك صلاحيات معالجة هذه الإشكالية؟
في الواقع، يوحد العديد من أشخاص القانون الدولي، التي يمكن لها المراجعة والتقرير في هذه الإشكالية ومنها:
أ – مجلس الأمن الدولي:
بصفته المفوض من الأمم المتحدة، والذي يملك حصراً قوة الفصل السابع، القادرة على المعالجة بتتابع قوة الإكراه.
لكن، كيف يمكن لمجلس الأمن، أن يصدر قراراً تحت الفصل السابع، في حق دولة مارست عمل الإرهاب، وهي تملك حق الاعتراض؟
حتماً يصبح عمل مجلس الأمن مشلولاً، ويخرج من معادلة القانون الدولي، وهي إشكالية مرتبطة بطبيعة تشكل النظام العالمي.
ب – محكمة العدل الدولية:
وهي الجهاز القضائي الرئيسي للأمم المتحدة، وتتولى الفصل طبقاً لأحكام القانون الدولي، في النزاعات القانونية التي تنشأ بين الدول، وتقدّم آراء استشارية بشأن المسائل القانونية، التي تحيلها اليها أجهزة الأمم المتحدة ووكالاتها المتخصصة.
لكن، يبقى دور هذه المحكمة غير ملزم للدول المتنازعة، ويبقى دورها استشارياً.
ج – المحكمة الجنائية الدولية:
والتي تأسست عام 2002، كأول محكمة قادرة على محاكمة الأفراد المتهمين بجرائم الإبادة الجماعية، والجرائم ضد الإنسانية، وجرائم الحرب، وجرائم الاعتداء.
هذه المحكمة مستقلة عن الأمم المتحدة، وليست كل الدول موقعة على قانون إنشائها.
كذلك يوجد بعض الدول متحفظة على توقيعها، ومنها الولايات المتحدة الأميركية.
وهذه المحكمة لا تستطيع، أن تقوم بدورها القضائي، ما لم تبدِ المحاكم الوطنية رغبتها، أو كانت غير قادرة على التحقيق أو الادعاء ضد تلك القضايا.
لكن دور هذه المحكمة محدود في التنفيذ، وقراراتها غير ملزمة للدول غير الأعضاء.
ح – المحاكم الخاصة والوطنية:
يمكن للمحاكم الخاصة أو الوطنية، الرجوع اليها في أمر تنازع دولي، يملك صفة الإرهاب، لكن لا تملك هذه المحاكم القوة لتنفيذ قراراتها، وخاصة بعد تعطل آلية نظام مجلس الأمن الدولي.
لكل ما تقدم، تبقى المعالجة القانونية، قاصرة في مقاربة إشكالية تهدد السلم والأمن الدوليين، وتشكل عدم توازن في العلاقات الدولية، تقوم على أسس الأحادية القطبية، الخارجة عن القانون، بفعل فائض القوة. انه إرهاب الدولة بكل مستوياتها، وصولاً إلى المسؤولية الجنائية للرئيس، وهو مثبت في القانون الدولي في ثلاث حالات:
أ – إذا عرف بالجريمة ولم يعمل على منعها.
ب – إذا أمر بها.
ج –إذا لم يعمل على قمع المرتكب بعد حدوثها.
وللتاريخ:
فقد تم تكريم الضابط الأميركي الذي أسقط الطائرة الإيرانية المدنية عام 1988، «ويل روجرز» بوسام الاستحقاق، لخدمته في الخليج، والإشارة بقيادته وحكمه المنطقي.
أنه إرهاب الدولة.