أردوغان يريد إعادة دور الانكشارية بدءاً من آية صوفيا وليبيا…
} اياد موصللي
بتاريخ 20/11/1937 خاطب الزعيم الأتراك في مقال نشره في جريدة «النهضة» العدد 33 قال لهم فيه: «إذا كان الأتراك يعتقدون بأنّ سكوت الأمة العجيب النادر عن مصالحنا في اللواء الشهيد يشجعهم على الطمع بكلّ قضية من قضايا الأمة الحيوية فقد خاب اعتقادهم…
انّ الخطر التركي خطر حذر منه سعاده منذ عام 1938 في خطاب ألقاه في الأول من آذار إذ قال:
«انّ الخطر اليهودي هو أحد خطرين أمرهما مستفحل وشرهما مستطير والثاني هو الخطر التركي، وهذان الخطران هما اللذان دعوت الامة السورية جمعاء لمناهضتهما…»
نشاهد اليوم فصلاً جديداً من المسرحيات التركية. جاء الأتراك بلادنا مماليك ايّ خدم… ثم تحوّلوا الى انكشارية ايّ مرتزقة ملحقين بالجيش العباسي.. وتطوّر التاريخ وتقلّبت الظروف والأيام وتحوّل الانكشاري الى سلطان وأصبح الحكم العباسي حكماً عثمانياً سلطانياً، وأصبح الانكشارية الأتراك قادة يحملون لقب العثمانيين نسبة لسلطانهم المؤسّس.. كانوا يحكمون باسم الدين والشريعة الإسلامية، وما كانوا أبداً في تصرفاتهم مؤمنين بالتعاليم التي نص عليها الإسلام. إلى أن جاء مصطفى كمال اليهودي الاسباني الاصل ومن المذهب السبتالين وبعد ان اعتنق الإسلام ومثله كثيرون من قادة تركيا وأسّسوا جمعية الاتحاد والترقي.. تلك الجمعية التي حكمت تركيا وألّفت قوانينها الإسلامية وفرضت الحكم العلماني وأعلنت ان تركيا القديمة قد ماتت تماماً، وانّ تركيا الحديثة بكامل حيويتها وفكرها الاستقلالي ستصبح سداً منيعاً بوجه الاحتياجات الاجنبية.
هذا الكلام جاء من خلال مقال كتبته جريدة «الدايلي سكتش» في 25 أيار 1938 وأعادت نشره جريدة «الديلي تايم» تحت وصف أعزّ صديق لنا في الشرق الاوسط… وجاء في البيان ايضاً: «نأمل من وزيرنا الى المستعمرات ان يرتب المسألة الفلسطينية بخلقه دولة يهودية قوية تصبح معها حيفا القاعدة المتينة للسلم».
هؤلاء الأتراك احفاد قتلة الأرمن ذبحاً، وأحمد باشا الجزار قائد المذابح ضد الأحرار في بلادنا والساعي لتتريكها قبل ان يقوم شعبنا بتطهير البلاد منهم.. بعد أن قام بشنق الأحرار في ساحة المرجة بدمشق وساحة البرج في بيروت.
سلبوا الاسكندرون وأقضيته بتواطؤ فرنسي. اليوم تعود تركيا في محاولة للعب دور استعماري جديد. ما أشبه اليوم بالأمس. فتح أردوغان شهيته لابتلاع الشام والعراق مستغلاً الاوضاع المتأزمة والتي ساهم في تأزيمها عبر عصابات أرسلها وأسلحة شحنها.. فاحتلّ أجزاء من الشام وأجزاء من العراق وامتدّت أطماعه التوسعية الاقتصادية الى ليبيا..
تحت ذريعة محاربة الانفصاليين الأكراد وتمدّدهم نحو بلاده عبر الحدود السورية. اجتاز الحدود لمحاربة الاكراد تحت شعار (درع الفرات) مستخدماً جيش الانكشارية الجديد الذي شكله من التركمان وعصابات داعش واخواتها. تحرك باسم الدين واتجه نحو منبج وادلب واعزار من البلدات الشامية.
اليوم تواجه بلادنا كما البلاد العربية الاخرى اطماع أردوغان.. فقوات عسكرية تابعة لتركيا تمركزت في عدد من المناطق السورية.. وعدد من المناطق العراقية والآن في ليبيا طمعاً في السيطرة على المراكز البترولية الوفيرة. تركيا اليوم تمارس دوراً مليئا بالاطماع ويخفي الرغبة في انشاء سلطة حكم ديني يستعيد تاريخاً منقرضاً لدولة مستبدة. فالخطر التركي هو مهّد الطريق أمام تحقيق وعد «إنشاء دولة إسرائيل بفلسطين».
الخطر التركي لا يقلّ ابداً عن الخطر اليهودي فكلاهما خطر وجود لا خطر حدود.
التحركات التركية واضحة ورغبتها بالسيطرة مكشوفة فالتصرفات التركية في ليبيا وتجاوز القوانين الدولية والسعي لإنشاء قاعدة تفرض رأيها واهدافها في الاراضي التي تعتبر مصدراً للبترول ووجودها في سورية ومناطق إدلب ادّى الى استغلال المرتزقة والعملاء وتجنيدهم جنوداً انكشاريين جدد يقاتلون في ليبيا الامر الذي حرك دول الجوار وفي مقدمتها مصر لإطلاق التحذير الى تركيا من اجل وقف تدخلها.. وهدّدت مصر بالتدخل العسكري دعماً للجيش الليبي..
واليوم نتمركز قوات أردوغان التركية في مناطق كردستان العراق وتشتبك مع القوات العراقية.. تتذرّع تركيا بمحاربة الاكراد وانهم يشكلون تهديداً لأمنها.
وسبق لتركيا ان احتلت منطقة جرابلس بالشام التي يسكنها اقوام من أصول تركمانية وأقسام من منطقة إدلب واعزاز وجعلت هذه المناطق نقاط تجمع لداعش والمتطرفين من مجموعات النصرة.. وجعلت تركيا هذه الاماكن نقاط انطلاق للمجموعات الارهابية وهي الآن المركز الرئيس لتجنيد المرتزقة وتسليحهم وارسالهم الى ليبيا..
دمشق وبغداد هاجمت العدوان التركي مدعومة من الحليف الروسي والحليف الايراني.
اوروبا استنكرت التصرفات التركية ومحاولة اعادة الصفة والرداء الديني للحكم التركي بعد ان جعلته سلطة جمعية الاتحاد والترقي علمانياً.
واخيراً وبدعوة من جمعية شباب الاناضول نظمت حملة دينية بعنوان «احضر سجادتك وتعال».
وذلك في إطار حملة داعية إلى إعادة متحف آيا صوفيا إلى مسجد. وكانت الجمعية قد ذكرت أنها قامت بجمع 15 مليون توقيع للمطالبة بإعادة المتحف إلى مسجد. إلا أنّ مستشار رئيس الوزراء قد صرّح بأن لا نية لتغيير الوضع الحالي لـ آيا صوفيا.
وفي العاشر من تموز/ يوليو 2020 وافقت المحكمة الادارية العليا التركية على قرار تحويله إلى مسجد وبهذا ألغي قرار تحويله إلى متحف وأصبح مسجداً بشكل رسمي. وقع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على مرسوم يقضي بفتح معلم آيا صوفيا التاريخي كمسجد. أكد الرئيس التركي أنّ أول صلاة ستقام بمسجد «آيا صوفيا» ستكون يوم 24 تموز/ يوليو 2020، وهذا ما حدث فعلاً يوم الجمع الماضي.
وإذا عدنا لتاريخ مسجد آيا صوفيا الذي حوّل من كنيسة آيا صوفيا الى مسجد بعد احتلال العثمانيين بقيادة السلطان محمد الفاتح مدينة القسطنطينية. وتقلب وضع آيا صوفيا كثيراً بين مسجد ومتحف الى وضعه الأخير الذي كرّس مسجداً وأقيمت فيه الصلاة يوم الجمعة 24 تموز 2020.. وكان مصطفى كمال مؤسّس الجمهورية التركية قد قام عام 1935 بتحويل المبنى الى متحف.
وحظر استخدام المجمع كدار عبادة (مسجد او كنيسة). في عام 2006 سمحت الحكومة التركية بتخصيص غرفة صغيرة في مجمع المتحف لاستخدامها كغرفة صلاة للموظفين المسيحيين والمسلمين العاملين في المتحف. ومنذ عام 2013 سمح بالآذان من مأذن المتحف للدعوة للصلاة مرتين في اليوم بعد الظهر.
وقرر أردوغان الآن كما ذكرنا تحويلها الى مسجد دائم.. نسأل أردوغان الم تقرأ ما قام به خليفة المسلمين عمر بن الخطاب عندما حرر المسلمون فلسطين والقدس، وله نقول: أراد عمر بن الخطاب ان يؤدّي صلاة الظهر وقد حان موعدها وكان يقف في فسحة كنيسة المهد. فطلب مكاناً يستطيع ان يؤدي فيه الصلاة. فقال له رجال الدين المسيحيون: صلي هنا في هذه الباحة قرب المهد المقدس. فرفض فسألوه اترفض الصلاة هنا لأنّ دينك يرفضها، فقال لا، أخشى إذا صليت هنا ان يتبعني بقية الجنود المسلمين وفي جميع أوقات الصلوات فينقلب هذا المكان الى مسجد.. أريد مكاناً خارج هذا المكان.. فقدّموا إليه فسحة مقابله ادّى فيها صلاته وكما توقع صلى فيها من بعده أتباعه..
وبنى في الفسحة مسجداً لا يزال قائماً الى اليوم واسمه مسجد عمر.. ولم يقبل ان يقوم بعمل يزيل وجود كنيسة ويحوّلها الى مسجد كما يفعل أردوغان الآن.
وهذا العمل الذي يقوم به أردوغان ليس جديداً ولا غريباً.
فصراخ أردوغان بعد ان عراه الأوروبيون وأظهروا احتقارهم واستهزاءهم بحكومته، هذا الصراخ لا يخفي حقيقة الموقف الذي يواجهه الأتراك والذي نقول لهم فيه انّ درهم وقاية خير من قنطار علاج.
ان انشغال أردوغان بتثبيت سلطته المطلقة كحاكم منفرد مستبد لا تلغي مسؤولياته الدولية ولا تجعله ينفث غضبه على الدول والشعوب التي رفضت وجوده..
ونقول لأردوغان: «رحم الله امرئ عرف حده فوقف عنده».
وأردوغان تجاوز حدّه.