هل هي طبول الحرب أم رسائل في أكثر من اتجاه؟
رامز مصطفى*
في مقالة سابقة نشرت بتاريخ العاشر من الحالي بعنوان (الاعتداءات الأخيرة وفرضية السعي للحرب)، تحدثنا عن سعي الإدارة الأميركية وحكومة كيان الاحتلال الصهيونيّ وراء الحرب، من خلال تنفيذ عدد من الاعتداءات على مواقع إيرانية حساسة، بهدف استدراجها ومحور المقاومة للردّ، تكون الذريعة لشنّ الحرب، في ظل ما تعانيه إدارة الرئيس الأميركي ترامب وشريكه بنيامين نتنياهو، الغارقين في جملة من المآزق والأزمات داخلياً وخارجياً.
هذه الفرضية تتعزّز يوماً بعد يوم، مع الاعتداءات التي ينفذها الطيران الحربي الصهيوني، من فوق عمق الأراضي اللبنانية والجولان المحتل، مستهدفةً عدداً من المواقع السورية، سقط بنتيجتها عدد من الجرحى وشهيدٌ من حزب الله. الأمر الذي دفع الأوضاع نحو المزيد من التأزم على الحدود الجنوبية مع شمال فلسطين المحتلة، بين حزب الله وقوات الاحتلال الصهيوني، من خلفية ما صرّح به أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله، أنّه ومقابل سقوط شهداء من مقاتلي الحزب المتمركزين في سورية، نتيجة الاعتداءات الصهيونية، سيكون لنا رد على ذلك. مما أجبر قيادة أركان جيش العدو منذاك الحين أن تتخذ الإجراءات الفورية والاحترازية، لأنها قانعة بأنّ ردُّ الحزب قادمٌ لا مُحال.
بالتزامن مع تلك الاعتداءات، طائرتان حربيتان أميركيتان نفذتا قرصنة متعمّدة ضد طائرة مدنية إيرانية فوق الأجواء السورية متوجهة إلى بيروت، كادت أن تودي بحياة ركاب الطائرة الـ 150، الذين تعرّض العديد منهم للإصابة بسبب اضطرار قائد الطائرة إلى الانخفاض بطائرته على وجه السرعة تفادياً لوقوع تصادم مع إحدى الطائرتين الأميركيتين. هذه الحادثة لا يمكن النظر إليها على أنها وقعت بشكل عرضي ومحض صدفة، بل هي متعمّدة، وعن سابق تخطيط وتصميم. واللافت أنها أتت بعد زيارة رئيس الحكومة العراقية مصطفى الكاظمي إلى طهران، ولقائه المسؤولين الإيرانيين، كان من أبرزهم اللقاء الذي جمعه إلى مرشد الثورة سماحة السيد علي الخامنئي، الذي قال له: «لقد قتل الأميركيون ضيفكم قاسم سليماني برفقة أبو مهدي المهندس، قتلوه في منزلك واعترفوا صراحة بالجريمة. وهذه ليست مسألة بسيطة».
على وقع هذه التطورات وصل الجنرال مارك ميلي رئيس هيئة الأركان المشتركة للجيش الأميركي إلى فلسطين المحتلة، في زيارة سرية كُشِف النقاب عنها لاحقاً، حيث زار خلالها قاعدة «نفاتيم» الجوية، التي ترابط فيها طائرات أف 35 مع خبراء أميركيين. وأجرى الجنرال الأميركي محادثات مع نتنياهو وعدد من قادة الكيان من بينهم وزير الأمن الصهيوني بيني غانتس، ورئيس هيئة الأركان الجنرال أفيف كوخافي، ورئيس جهاز «الموساد» يوسي كوهين. حيث أفاد غانتس «بأن الزيارة في ظل جائحة كورونا، تأكيد على عمق العلاقة الثنائية، وكانت فرصة لتأكيد أيضاً أهمية مواصلة الضغط على إيران التي تهدد الاستقرار في المنطقة والعالم». وقد استمع الجنرال مارك ميلي خلال محادثاته الى عرض استخباري من قبل رئيس هيئة الاستخبارات الجنرال تمير هيمان، وإلى مراجعة استراتيجية ألقاها رئيس هيئة الاستراتيجيات والدائرة الثالثة، الميجر جنرال طال كلمن.
وتزامنت زيارة الجنرال الأميركي، مع وصول حاملة الطائرات دوايت أيزنهاور ومجموعة من السفن المرافقة إلى البحر المتوسط متوجّهة إلى جنوب جزيرة كريت اليونانية، لإجراء مناورات مشتركة مع اليونان. الأمر الذي يؤشر إلى أن الإدارة الأميركية تحضر نفسها إلى تحرك عسكري ما، ظاهره مواجهة التحركات التركية في ظل تصاعد خلافاتها مع اليونان. غير أنّ بواطن الأمور تتصل إلى أبعد من الخلاف التركي اليوناني، باتجاه إيران التي أسماها غانتس أمام مايك ميلي، وصولاً إلى العديد من الدول التي تناصبها الولايات المتحدة العداء، من الصين إلى روسيا ومحور المقاومة، والقول لهم إننا باقون في المنطقة، ولن نسمح بتغيير قواعد اللعبة، التي أبقت عليها مستفردة بالمنطقة وثرواتها ومقدراتها على مدار من العقود. وبأنّ طريق الحرير الذي تحاول الصين وإيران استكماله عبر العراق وسورية ووصولاً للمتوسط لن يُستكمل. وبالتالي هي رسائل تطمين إلى حلفائها وفي مقدمتهم كيان الاحتلال الصهيوني والدول الخليجية، والسعودية في طليعتهم.
نعم المنطقة بدولها ومحاورها تعيش على فوهة حرب تعمل عليها الولايات المتحدة منذ زمن، بعدما أيقنت أنّ كل الطرق والسبل والوسائل العسكرية والأمنية والاقتصادية، قد وصلت إلى طريق مسدود في إخضاع إيران وسورية، اللتين تناهضان وترفضان سياسات الولايات المتحدة في المنطقة، بل وتقف الدولتان داعمتين ومساندتين قوى المقاومة في فلسطين ولبنان والعراق وصولاً إلى اليمن. وهذا ما لا يروق أو يتوافق مع سياسات الولايات المتحدة، ويتهدّد مصالحها وكيانها والمطبعين معه من دول رجعية عربية.
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
*كاتب فلسطينيّ.