العصيّ على الشيخوخة عصيٌّ أيضاً على الزوال.. «البناء» تسأل.. وأندريه معلولي ونزيه أسعد وعدنان فتح الله يجيبون: قامة القامات لا تموت وبينه وسورية قصة عشق
} عادل نبي
«في حضرة الغياب» على كآبته، لكنه لا يحجب القامات القامات، فيبقى عملاق الفن اللبناني السوري المشرقي العربي مروان محفوظ قامة فنية وصوتاً عصيّاً على الزوال كما كان عصيّاً على الشيخوخة وسيبقى يتردد صداه في الوجدان وآذان الأجيال عبر التاريخ ليصنع ذوقها.
كيف نكتب..؟ وبأي كلمات نكتب وتلفنا الحيرة والحزن. أخاف أن تخونني الكلمات فلا أفي الكبير حقه… لكن أستعيد قواي وأقول لنفسي لا لا… المبدعون لا يموتون وإنما يرحلون عنا بالجسد.
أرزة لبنان الشامخة تعانق شموخ قاسيون وقبل الرحيل أبى إلا أن تعانق روحه العبق الياسمين الدمشقي فتمسك بدمشق بهواء دمشق وياسمين دمشق وذوق دمشق وكان يأمل أن يطلق المزيد من الأعمال الجديدة ويحيي حفلات كثيرة في مناطقة سورية عدة لتستعيد حياتها وفرحها بصوته. لكن تسلل إليه العدو الحفي كورونا وخطفه من بين قلوبنا والأرواح..
توجهت «البناء» إلى ثلاثة من أعمدة الفن في سورية، والذي كانوا الألصق بتجربته خلال حضوره غلى دمشق في آذار الماضي، فاحتفوا بالنجم الكبير مروان محفوظ بما يلزم بضيف كبير مثله، نسجل ما قالوا وما قال لهم بكلماته الأخيرة قبيل ساعات من رحيله المأساوي..
أندريه معلولي
فاض مدير دار الأوبرا السورية الاستاذ أندريه معلولي بمكنونات نفسه ووجدانه لـ»البناء» عن الحدث الكبير برحيل عملاق الفن الأصيل مروان محفوظ: نعتبر الفنان مروان محفوظ سورياً ناصر القضية الوطنية.
قدّم وغنّى لسورية على مدى تاريخه الفني الطويل.
وصل خلال شهر آذار من العام الحالي لمشاركتنا في دار الأوبرا باحتفالية (الثقافة تجدّد وانتصار).. ملبّيا دعوتنا إيماناً بسورية وقضيتها العادلة. فهو أحب أن يقدم لنا فنه الراقي قادماً من كندا وتحمّل عناء السفر في سنه المتقدمة.
فكان شرف لنا بحضور هذا العملاق بتاريخه الكبير وعلاقاته الواسعة في الأوساط السورية، إذ نعتبره فناناً من الفنانين السوريين حاملي القضية والتراث الثقافي عبر مسيرته الحافلة بالإبداع.
كان محاطاً بالرعاية والاهتمام الكبير وبمحبة الناس كلها. رغم تأجيل الحفلة بموعدها المقرّر إلا أنه أصرّ على بقائه في سورية حتى معاودة دار الأوبرا نشاطاته. وفي هذه الفترة كثرت اللقاءات والجلسات الخاصة تكلّم فيها عن حبه لسورية وعلاقاته بالرحابنة وعلاقة ومحبة الرحابنة لسورية وأيضاً كان يروي لنا عن علاقته وذكرياته مع وديع الصافي.
فعلاً كانت أجمل الأيام ونحن نستمع للتاريخ الكبير وللإرث الكبير. فكل أغنية من أغانيه لها قصة في سورية..
لما عاود النشاطات في دار الأوبرا كان نصيبه أول حفلة ناجحة بامتياز غنّى كل الاغاني التراثية الخالدة.
بعد انتهاء الحفلة بأيام عدة سألناه إن كان يودّ المغادرة لنؤمن له ما يلزم من إجراءات السفر.. لكنه فضّل البقاء آملاً إقامة حفلات بأماكن أخرى وتسجيل بعض الأغنيات الجديدة بعد حصوله على كلمات جديدة.
كان سعيداً جداً وتابع حياته بشكل طبيعي.. لحين تعرّض لوعكته الصحية حاولنا تأمين الرعاية الصحية الكاملة من الكوادر الطبية الخاصة وكنا على تواصل بشكل متواصل عبر الهاتف معه في المشفى. وأؤكد مرة أخرى أن الفنان مروان محفوظ قدّمت له الرعاية الكاملة من الدولة السورية ومن جهاتها المعنية كافة وزارة الصحة والثقافة وإدارة المشفى من الأطباء والأصدقاء حتى آخر لحظة في حياته.
مروان محفوظ تركنا بالجسد لكنه باقٍ بالروح من خلال إرثه الثقافي العريق الذي هو أسس مدرسة أو استكمل مدرسة. كان صلة وصل بيننا وبين الرحابنة ووديع الصافي. يا لها من ذكريات رائعة.
مروان محفوظ تاريخ وصفحة من صفحات التاريخ اللبناني والعربي المشرف.
واليوم برحيله نعزّي أنفسنا ونعزّي كل الوسط الفني اللبناني والعربي وعائلته.. وأعرف صعوبة الأمر لكن لننظر من منظار آخر. توفي في البلد التي عشقها وغنّى لها بالحب والعشق المتبادل
وقدم الكثير لسورية وللفن اللبناني والعربي. فكل الوسط الفني والشعب السوري في حالة حزن شديد. لمحبته وإخلاصه وللإرث الثقافي الحضاري الذي تركه لنا.
نأمل أن نكون كدار الأوبرا السورية ووزارة الثقافة قادرين على حماية هذا الإرث الحضاري ونقله للأجيال كي يبقى اسم مروان محفوظ خالداً وسيبقى كما كل الأسماء الكبيرة التي فارقتنا وهي حية معنا دائماً… لنستفيد ونبني ونحافظ عليه ولنفتخر بحضارتنا وبإرثنا الحضاري ومروان محفوظ.
المايسترو نزيه اسعد
أما قائد فرقة أوركسترا للموسيقا الشرقيّة مايسترو نزيه أسعد فقال لـ «البناء»:
كان لي الشرف أن أعمل مع الفنان العملاق مروان محفوظ حتى اللحظات الأخيرة. وهو كان بقوته وحيويته ومتفائلاً بطاقته الإيجابية وكان مصراً أن أعمل على طبقاته الصوتية نفسها التي كان يغنيها في حياته. لم يكن يرضى بإنزال الطبقات الصوتية. وهذا ما كان يُدهشني على قوة صوته ورقي أحاسيسه. وهو الإنسان الوفيّ لسورية قدّم أغاني وطنية وتراثية وريفية عدة جميلة جداً تنساب في الوجدان والعاطفة بشكل عفويّ. ونحن مدينون لهذا العطاء الذي قدم لنا الكبير مروان محفوظ.
كنت على تواصل دائم معه خلال ساعات النهار والليل أتابع وضعه الصحيّ واحتياجاته.. قبل رحيله بساعات تواصلت معه. شعرت بصعوبة الأمر من خلال نبرة صوته كان مختلفاً. قال لي كلمته الأخيرة وسأحتفظ بها حتى نهاية حياتي «أنت صديقي يا نزيه… ولا بقلك أنت أخي وحبيبي بس اصحى راح نعمل حفلات كتيرة.. تصبح ع خير».. كلماته الأخيرة جعلتني حزيناً ودمعت عيني تأثرت كثيراً بما حصل. فعلاقتي كانت غير عادية مع رجل استثنائي؛ علاقة سامية وراقية وإنسانية…
العميد عدنان فتح الله
وصرّح قائد الفرقة الوطنية السورية للموسيقا العربية عميد المعهد العالي للموسيقا عدنان فتح الله
لـ «البناء» بقوله: الفنان مروان محفوظ خسارة كبيرة بالنسبة للفن والغناء اللبناني والسوري والعربي. صوت قادر ونقي. له تاريخ مهم جداً مع الأخوين رحباني والسيدة فيروز وتجربته مع زياد رحباني كانت مؤثرة جداً. والأغاني ما زالت في ذاكرتنا التي تربينا عليه.
كان من عشاق دمشق وكان قدره أن يعيش آخر أيامه فيها سواء أكانت فنية أم حياتية واجتماعية.. كان من الرجال الأوفياء وأتذكر قبل ثلاث سنوات كانت له أيضاً حفلة في دار الأوبرا كان له دور كبير لكسر الحصار الثقافي على سورية. وهذا يؤكد على نبل أخلاقه ووفائه لسورية.. وسورية كانت وما زالت الحاضن والداعم لكل الفنانين العرب واللبنانيين بشكل خاص. كلنا نعرف تاريخ إذاعة دمشق تحمل تسجيلات نادرة لكثير من الفنانين والمبدعين من عمالقة الفن اللبناني والعربي.
خسارتنا برحيل الفنان مروان محفوظ خسارة كبيرة. اجتمعت معه في أكثر من جلسة قبل أسابيع عدة. بالفعل اغتنينا من تجربته وتعرّفنا على محطات تاريخيّة وسيبقى في ذاكرتنا للأبد.
العملاق الذي لا تفيه التحقيقات والمجلدات حقه
مروان محفوظ عملاق من الجيل الذهبي من الزمن الجميل من زمن الأحلام الجميلة بحجم كبرياء الوطن.
أثرى المكتبة الموسيقية اللبنانية والعربية وترك بصمته الخالدة للأجيال.
رحل صباح أول امس الأحد في 26 تموز 2020، إثر وعكة صحيّة في احد مشافي دمشق.. بعد أن قدّم آخر حفلاته في دار الأوبرا السورية وتمّ تكريمه من وزارة الثقافة السورية على تاريخه الإبداعي في الغناء والموسيقى قبل أسابيع عدة من وعكته الصحية.
مروان محفوظ عشق الفن والموسيقى والغناء منذ طفولته في بلدة المريجات البقاعيّة حيث ولد 1942.
ومن ثم درس في المعهد الموسيقى في بيروت على يد الأستاذ سليم الحلو.
ومن ثم انطلق من تلفزيون لبنان ضمن برنامج (الفن هوايتي) للإعلامي الراحل رشاد الميمي في بداية الستينيات من القرن الماضي بأغنية لوديع الصافي (طلّ الصباح) كانت بداية انطلاقه نحو الاحتراف.. عندما لفت أنظار المبدعين الأخوين رحباني وكان دواليب الهوا أول الأعمال التي قدمت في مهرجانات بعلبك سنة 1965 الى جانب نصري شمس الدين والشحرورة صباح وأيضاً شارك في مهرجانات بيت الدين والأرز في كل المسرحيات حتى 1973 (دواليب الهوا – هالة والملك – أيام فخر الدين – ناس من ورق – صح النوم – المحطة – قصيدة حب. وأعمال كثيرة أخرى).
وعمل أيضاً بين أعوام 1969 و1974 مع المخرج ريمون حداد والياس رحباني في أعمال عدة مع مجموعة من كبار الفنانين ملحم بركات، وديع الصافي، جورجيت صايغ، إيلي شويري، والأخرى في أيام صيف، جوار الغيم، مدينة الفرح وموسم الطرابيش.
وأيضاً عمل العمل السينمائي سفر برلك للأخوين رحباني وفيلم فتيات حائرات.
وفيما بعد بدأ مسيرة جديدة مع المبدع زياد رحباني في مسرحية سهرية إلى جانب جوزيف صقر جورجيت صايغ. حيث أبدع بحنجرته الذهبية اغاني خالدة: خايف كون عشقتك وحبيتك، يا سيف ع الاعدا طايل، غالي غالي يا وطني، بعدك بلبنان الأخضر، يم الشال الليموني، حالف لو شو ما صار.
حيث غنّى للعديد من الكبار الشعراء والملحنين والمؤلفين: الأخوين رحباني، زياد رحباني، فيلمون وهبي، الياس رحباني، سهيل عرفة، موسى زغيب، وآخرون كثيرون.
ستبقى نبض قلوب العشاق تشنّف آذانهم بصوتك وعرب حنجرتك الحية بروح الحياة التي صدحت بها.