البلطجة الأميركيّة لا تزال مستمرة في الإقليم…
د. جمال زهران*
منذ أيام عدة، بينما كانت طائرة مدنية إيرانية في طريقها من طهران إلى بيروت، فوجئت على غير توقع، أنّ طائرتين تعترضان طريقها وتحومان حولها، وكان الهدف واضحاً هو إسقاطها، ويذهب من عليها من ركاب وطاقم طيران وضيافة، ضحايا خطأ غير مقصود، ليشتعل التوتر في الإقليم أكثر مما هو حادث. ولولا حنكة القائد ومساعديه، لراحت وسقطت الطائرة، ولولا إرادة الله قبل هذا وذاك لضاعت الطائرة، حيث إنّ القائد حذّر الطائرتين بضرورة الابتعاد بعد اكتشافهما، واضطر إلى الصعود المفاجئ والهبوط المفاجئ، الأمر الذي نجمت عنه خسائر بسيطة، ومحدودة، لم تخرج عن إصابة (6) ركاب فقط، إلى أن وصلت الطائرة سليمة إلى أرض مطار بيروت، بتوفيق من الله، ومهارة القائد.
وتداولت الأنباء التي أشارت إلى احتمال أن تكون هذه الطائرات إسرائيلية، وكان التساؤل، كيف دخلت المجال الجوي السوري، وهاجمت طائرة إيرانية سمح لها بالطيران المعتاد فوق أراضيها؟! ويبدو أنّ الأنباء المفبركة قصد بها أنّ إسرائيل أضحى لها اليد الطولى، بالدخول إلى المجال الجوي السوري الذي أصبح مستباحاً أمامها، وهو غير حقيقي، وأنها قادرة على مهاجمة طائرة مدنية تابعة لإيران على أرض سورية، بغض النظر عن الأضرار الحقيقية، إنما ينظر إليها باعتبارها إرهاباً وردعاً لإيران، وتخويفاً لسورية! إلا أنّ هذه الأنباء سرعان، ما انكشف من وراءها؟! واتضح أنّ أميركا التي لا تزال تحتلّ الشمال الشرقي في الرقة وما حولها وما تحتويه من آبار بترول، هي التي تمتلك الطائرات ولها قاعدة عسكرية، وهي القادرة على التحليق والإعاقة. وكان يُستهدف من وراء إخفاء أنّ الطائرات المعتدية أميركية، وأنها إسرائيلية لتحقيق أهداف إسرائيلية، ولتفادي اعتداء مضاد لأميركا نتيجة انتشار هذه الأنباء المؤكدة بأنّ الطائرات هي أميركية، وخرجت من القاعدة العسكرية في الرقة، ضدّ طائرة مدنية إيرانية، ربما وصل الأمر إلى اليقين بأنها أميركية، ويستوجب الأمر الردّ من جانب إيران.
إذن، نحن أمام واقعة خطيرة، وهو اعتداء طائرتين أميركيتين عسكريتين، على طائرة مدنية تحمل ركاباً مسالمين، وكان من الممكن سقوطها، وموت جميع الركاب، وهي جريمة جنائية متكاملة الأركان. وهذا السلوك الأميركي المستفز للإيرانيين، يفتح الباب أمام جحيم ردّ الفعل الإيراني، وتصعيد التوتر، واحتمالات الحرب في الإقليم. فما الذي استهدفته أميركا من وراء هذا الفعل؟!
هل الإرهاب والتخويف للإيرانيين؟! هل تستهدف أميركا الردّ على أفعال إيرانية ضدّ أهداف أميركية، فأرادت أميركا لفت نظر إيران إلى احتمالات المواجهة على هذا النحو، بتهديد الطائرات المدنيّة، الأمر الذي يؤدي إلى تداعيات اقتصادية سلبية على الطيران المدني الإيراني، وذلك في إطار الضغوط الأميركيّة وعقوباتها ضدّ إيران.
وقد لفت نظري ما قام به مندوب روسيا في مجلس الأمن، الذي طالب رسمياً الولايات المتحدة، بضرورة تفكيك احتلالها لأراضي سورية، وبسرعة، لأنّ وجود قوات أميركية على أرض سورية بغير طلبها أو إرادتها، هو وجود غير شرعي، ولا صلة له بالشرعية الدولية، ولذلك أضحى استعماراً أميركياً للدولة السورية، يستوجب الرحيل من الأرض السورية. فضلاً عن طلب المندوب الروسي بوقف استخراج أميركا للبترول والغاز السوري، واستغلالهما لحسابها، وهو أمر يستدعي التوقف وتعويض سورية عن كلّ ما حصلت عليه أميركا بغير وجه حق. حيث إن أميركا تسرق بترول سورية بما يجاوز 50 مليون دولار يومياً! وعليها أن تردّ ما حصلت عليه سرقة واغتصاباً، للشعب السوري.
إذن، فإنّ أميركا تمارس أبشع أنواع البلطجة في الإقليم، فهي تحتلّ أراضي سورية، وأخرى عراقية، وتحاول السيطرة على القرار والحكومة في لبنان، فضلاً عن سيطرتها الطبيعية على حلفائها في الخليج ومصر وغيرها، ثم مؤخراً تعتدي على طائرات مدنية آمنة، تستوجب المحاكمة أمام محكمة العدل الدولية بل والمحكمة الجنائية الدولية أيضاً.
وهنا فإنني أدعو للمقاومة ضدّ هذا الاحتلال الأميركي في العراق وسورية، لإجبار قواته على الرحيل بلا رجعة، فإن الاستعمار لا يرحل بالتفاهم، أو وفقاً للمبادئ!! بل يرحل بالقوة والمقاومة، ولعلّ في السوابق التاريخية خير شاهد. وأطالب إيران بممارسة حقها في الردّ على ما حدث من اعتداء أميركي على الطائرة المدنية، وإلا فإنه من الممكن أن تستمر هذه البلطجة الأميركية في العصف بأمن الإقليم واستقراره. فالذي سيجبر أميركا عن التوقف عن بلطجتها في الإقليم، هو القوة واستمرار المقاومة وهي التي تنتصر في النهاية.
*أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، والأمين العام المساعد للتجمع العربي الإسلامي لدعم خيار المقاومة، ورئيس الجمعية العربية للعلوم السياسية.