لماذا حزب الله مهيأ أكثر لتغيير قواعد الهدنة؟
د. وفيق إبراهيم
قواعد الاشتباك بين حزب الله والكيان الاسرائيلي المحتل تأسست بناء على نتائج قتال متواصل استمر بشكل مباشر ثماني وثلاثين سنة بدءاً من 1982.
هذه المرحلة هي التي نجح فيها الحزب المجاهد بطرد «اسرائيل» من لبنان وضرب الإرهاب في سورية وجبال لبنان الشرقية مؤمناً بذلك استقراراً سياسياً للبنان منذ 2006.
لا أحد يستطيع نكران هذه المحطات، لكن هناك الكثير من الأمور التي تتجاهلها القوى اللبنانية الغربية الاتجاه.
وأولها أن الهدنة ليست صلحاً وتشكل في العلم العسكري وقفاً مؤقتاً للأعمال القتالية حتى موعد آخر يخرقه طرف من أطرافها الى ان يتبين له ان بوسعه تغييراً في التوازن العسكري نتيجة سيطرته على عناصر قوة جديدة فيتعمّد ارتكاب خروق تؤدي الى انهيارها.
انطلاقاً من هذا المنطق، فإن نتائج مرحلة 2006 تاريخ آخر هجوم إسرائيلي واسع على لبنان و2020 الحالية هي لمصلحة الحزب الذي رفع من منسوب تمكنه القتالي الاحترافي وقوته العسكرية وعديد صواريخه التي تصل 150 الفاً معظمها من النوع الدقيق، بالإضافة الى اتساع رقعة تحالفاته السياسية من أعالي صنعاء في اليمن وسواحل الخليج في إيران والعراق انتقالاً الى سورية التي اصبحت تشكل جزءاً اساسياً من عرينه القتالي والسياسي.
من دون نسيان تحالفاته في غزة وفلسطين وضفتها ومخيماتها المنتشرة في الأردن ولبنان وسورية.
هذا الحزب أصبح في هذا العقد الأخير أهم منظومة عسكرية جهادية سياسية وايديولوجية تقوم على اساس ان فلسطين هي الإسلام والمسيحيّة والمسجد الأقصى وكنيسة المهد والسمات الفلسطينية والسورية والعربية.
أما العامل اللافت أيضاً فإن هذه المرحلة شكلت ايضا تحول الحزب الى أقوى قوة سياسية في لبنان بالايديولوجيا والتحالفات السياسية ومن دون اي اشارة الى سلاحه الجهادي المتربص للعدو في الجنوب والمنازل للإرهاب في سورية وأنحاء من لبنان فقط.
اما حكايات استثماره لسلاحه في الداخل اللبناني السياسي، فتشكل جزءاً من السلاح الدعائي الغربي الاسرائيلي الذي يتماهى معه بعض الداخل اللبناني والخليج، فيطلقون لغواً تافهاً يذهب نحو تحشيد التباينات الطائفية في لبنان لعرقلة الأدوار الوطنية والجهادية للحزب في لبنان والإقليم وذلك خدمة للنفوذ الغربي بما يعنيه من دعم للجيوبوليتيك الاميركي والكيان الاسرائيلي المحتل.
إن هذه القوى اللبنانية تعتقد ان تجريد الحزب من سلاحه يؤدي تلقائياً الى تسلمها السلطة والدولة في لبنان، وهذا وهم وخداع يواصل ضعضعة التضامن الداخلي فقط مع إضعاف البلاد.
يتبين بالقراءة الاستنتاجية العلمية ان حزب الله هو الذي راكم عناصر قوة هائلة قياساً بما كان عليه في 2006، كما حاز على تموضع سياسي في قلب معادلة استراتيجية إقليمية سجلت قدرتها على مجابهة النفوذ الأميركي وإصابته بثقوب كبير في ردائه الجيوبوليتيكي.
هذا اليمن أمام المراقبين فليعاينوه وهذه إيران المحاصرة منذ أربعين عاماً تصبح دولة تصنع الأسلحة وتغزو الفضاء وتنتج فائضاً من السلع والطعام.
وكيف نخفف من إنجازات الحشد الشعبي في العراق الذي يحارب الإرهاب الداعشي والتباينات الطائفية والعرقية والاحتلالين الأميركي والتركي والتدخل الخليجي والإسرائيلي.
أما سورية فلها حكايتها الخاصة، لأن دعم الحزب لها إنما أصاب مقتلاً من مشروع تدمير دولتها والقضاء على القضية الفلسطينية وتدمير كامل الشرق على الطريقة التي كانت تريدها وزيرة الخارجية الأميركية السابقة كونداليزا رايس.
بناء على هذا الاستنتاج المنطقي فإن قواعد الاشتباك في لبنان لم تعُد تعني لحزب الله جداراً يرجئ الحرب الى حين تحسين قواه القتالية، فهو الآن في أعلى جهوزية ممكنة، ويعلم ان مستنداته السياسية موجودة في الاحتلال الإسرائيلي لنصف قرية الغجر اللبناني ومزارع شبعا وكفرشوبا والاعتداءات الإسرائيلية على خطوط الحدود البحرية والبرية مع فلسطين المحتلة، كما ان بوسعه فتح ملف القرى السبع اللبنانية التي ضمتها إسرائيل منذ سيطرتها على فلسطين.
هذا ما يدفع الى التساؤل كيف أن «اسرائيل» التي سقط مشروعها بتفتيت سورية وتدمير حزب الله تحاول كسر قواعد الاشتباك عند الحدود اللبنانية الفلسطينية. فالمنطق العسكري والاستراتيجي يعتبر أن حزب الله أكثر قدرة منها على هذا الاختراق.
هذا ما يكشف عن حاجة إسرائيلية داهمة وحالية لعرقلة الحزب في عرينه اللبناني وعلاقاته مع التنظيمات في فلسطين المحتلة، ومحاولات إرباك دوره السوري خصوصاً في المناطق القريبة من الجولان السوري المحتل.
فوجد الإسرائيليون المحتلون أن بوسعهم الاستفادة الى حدود التنسيق مع قسم من الداخل اللبناني لتوفير ظروف تدعم مشروع تجريد الحزب من سلاحه وحيادية لبنان عن الصراعات الإقليمية وكل ما يرتبط بالاقتصاد مع الصين وروسيا والعراق وإيران وسورية.
لذلك اعتقدوا أن توتير الوضع في الجنوب اللبناني واتهام الحزب بشنّ عملية قرب الحدود انما يوفر مناخاً مؤاتياً لأنصار فكرة حيادية لبنان التي طرحها الكاردينال بشارة الراعي وقد يؤدي على الاقل الى تزويد الانقسامات الداخلية اللبنانية بشحنات تأجيج إضافية بوسعها عرقلة حركة الحزب، كما يزعمون.
بالمقابل هناك معطيات قانونية ومنطقية تؤكد أن حزب الله لم يرد على الحركة الإسرائيلية الاخيرة لأنه استوعب أبعادها، انما على قاعدة تأكيده على حقه بالرد على خرق قواعد الاشتباك من جهة وأن مزارع شبعا وكفرشوبا هي أراضٍ لبناني محتلة تلحظ القرارات الدولية منذ 1967 ضرورة انسحاب «إسرائيل» منها، كما ان كل جزء لبناني محتل والدفاع عن آبار النفط والغاز هذه من المسائل الاستراتيجية التي لا تحتل ألاعيب جعجع والكتائب وعبقرية سعد ومراوغات بطل التقدمي وحيادية فئات شرق لبنان منذ تأسيسه.
الاوضاع إلى أين؟ لا شك انها تتجه الى اعادة تكريس قواعد اشتباك لا تسمح بما يطلبه الأميركيون من تطوير لوظيفة قوات الطوارئ بتحويلها قوة لضبط الأمن في القرى اللبنانية، ولا بتسويات على الغاز والنفط مع «إسرائيل» والشركات الغربية.
وهذا يتطلب انتظار موعد الرد من حزب الله ومكانه، وهذا من حقوق الحزب المرتبطة بظروفه واحترافه في الحروب النفسية والإعلامية ومهارات القتال.