مَن يريد الحرب ويخشاها مقابل مَن لا يريدها ولا يخشاها!
ناصر قنديل
– تشكّل الحرب النفسية الواقعية التعبير الأعلى عن مصداقيّة موازين القوى بين المتحاربين. والحرب النفسية الواقعية هي تلك الحرب التي تدور داخل عقول وقلوب الجنود والضباط والقادة على طرفي المواجهة، وليست تلك التي تدور للتأثير على هذه العقول والقلوب. فبعد أن يُدلي كل من الفريقين بدلوه ويفعل كل ما يستطيع ويرمي بثقله للتأثير على موازين العقول والقلوب، تبدأ لحظة المواجهة قبل إطلاق النار، بحروب من نوع آخر تدور في العقول والقلوب على الجبهتين المتقابلتين، وتقدّم لنا عيّنة عن موازين قوى ذات صدقية سنشهدها بوضوح أشدّ عندما يبدأ إطلاق النار المتبادل، وليس إطلاق الوحشة التي تصيب أحد الطرفين تعبيراً عن حال الذعر التي تسيطر عليه، كما جرى أول أمس في مزارع شبعا وتكرّر ليل أمس قرب سهل الخيام وعيتا الشعب.
– توازن الردع، الناتج عن توازن رعب، الرعب من حرب مكلفة ودامية يخشاها الفريقان، هو أكبر من توازن في القوة النارية، فبعدما تفوّقت المقاومة بكونها مقاومة على جيش احتلال وفرضت عليه الانسحاب الذليل من جنوب لبنان عام 2000، خاضت في حرب تموز 2006 معركتها لصناعة معادلة التكافؤ الردعي بين منسوب مرتفع من القوة المعنوية مع منسوب منخفض من القوة النارية، من جهة؛ وفي الجهة المقابلة منسوب معاكس، مرتفع في القوة النارية ومنخفض في القوة المعنوية، وهي تتجه في المواجهة الراهنة لتغيير كبير في المعادلة، حيث تحققت نسبة عالية من التعادل في القوة النارية قابلة للتحول إلى اختلالها لصالح المقاومة عندما تصير المواجهة بين ما تفعله غارات الطيران وما تحققه الصواريخ الدقيقة. وبالتوازي تعمّقت الهوة المعنويّة، بين منسوب فائض في المعنويات المرتفعة، وحضيض المعنويّات المنكسرة. وهذا يعني الانتقال من توازن الردع المؤسس على توازن الرعب، إلى رعب من طرف واحد، وردع من طرف مقابل.
– الصورة التي عكستها وتعكسها حال كيان الاحتلال مستوطنين وقادة سياسيين، وجيشاً ضباطاً وقادة وجنوداً، تقول بالمقارنة مع المقاومة وبيئتها والساحة المحيطة بها داخلياً، إن هناك توازناً في التأثيرات السلبية لكورونا، والتشظي السياسي الداخلي، تقابله في الكيان رغبة معاكسة للظروف والمناخات الداخلية وغير مشفوعة بعزيمة وقدرة، عنوانها الرغبة بالحرب، لأنه من دونها كل شيء يتداعى، وكل شيء ذاهب للمزيد من التدهور، والاهتراء سيد المواقف. وعلى الضفة المقابلة تقف المقاومة المراعية لما يحيط بها، رغم ما لديها من مقدرات وروح معنوية وبيئة حاضنة متماسكة، وتقرر أنها لا تريد الحرب، ومقابل الرغبات المتعاكسة نحو الذهاب للحرب، كابح غياب القدرة يحول دون ترجمة الرغبة لدى كيان الاحتلال، حيث كل الحسابات الميدانية تقول إن الكيان بمستوياته الشعبية والسياسية والعسكرية يخشى هذه الحرب، يوازيه لدى المقاومة شعور بالثقة بأنه إذا انزلقت الأمور نحو الحرب فكل شيء سيكون لصالحها وستفوز بنتيجتها، وبالنظر لما لديها من مقدرات فهي واثقة من أنها جاهزة لخوض غمار الحرب إذا صارت خياراً حتمياً، وفرض إرادتها في ميادينها، ولذلك فهي لا تخشاها.
– حاصل الحرب النفسية الواقعية الذي نشهده كل يوم وكل ساعة وكل دقيقة في هذا الظرف المتسارع، بما هي حرب داخل العقول والقلوب، على مستوى القادة والنخب والجنود، يقول، إننا أمام طرف يريد الحرب بقوة لكنه يخشاها بقوة أكبر، ومقابله طرف لا يريد الحرب بالمطلق، لكنه لا يخشاها بالمطلق، وعلى هذه النقاط البيانية يرتسم خط بياني للأوضاع الميدانية، تظهر وقائعه بطرف يعيش حال الهلع والارتباك والهلوسة، ويقابله طرف يعيش حال الثقة والطمأنينة والثبات.