الصين وإيران أهم تحوّل جيواستراتيجيّ في القرن
ناصر قنديل
– تنشغل الأوساط الأميركية التي تعبر عن النخبة التخطيطية، أو عن الدولة العميقة، أو عن فرق التفكير المفتوحة، ومراكز الدراسات المتعددة، بقضية باتت تطغى على ما عداها، وقلبت موازين التفكير والتخطيط الأميركيين، عنوانها التفاهم الصيني الإيراني، الذي سيضمن تدفق النفط الإيراني نحو الصين بسعر مخفّض وبكميات تزيد عن كميات الإنتاج الإيراني في زمن ما قبل العقوبات الأميركية، مقابل نهضة إيرانية تموّلها الصين وتنفذها شركات صينية وإيرانية، لتطوير صناعة الطائرات المدنية وقاطرات سكك الحديد ومساراتها، وبناء مصانع للنسيج والجلود والصناعات الغذائية، وتطوير صناعة الصلب والحديد، والرخام والمناجم التعدينية والحجرية، وبناء شبكات مستشفيات ومصانع أدوية حديثة، وتطوير مراكز البحث العلمي، وبناء مصانع لتصنيع الإلكترونيّات بما فيها الحواسيب وأجهزة الهاتف الذكية، إضافة لشبكات جديدة من المطارات والمرافئ العملاقة، والمشاريع السكنية الضخمة لمدن جديدة، ومصانع للسيارات الكهربائية الصديقة للبيئة، والسفن التجارية وناقلات النفط، وعلى الصعيد العسكري، سيتيح التفاهم تطوير قدرات التشفير الإيرانية لبناء أنظمة جديدة للشيفرات، وقواعد لبناء الوقود الصلب لصناعة الصواريخ، وشبكات الدفاع الجوي والأقمار الصناعية.
– يقدّر الأميركيون قيمة الاتفاق بالأسعار الرائجة عالمياً الاتفاق بأربعة تريليون دولار، رغم أن المعلن من جانبيه الصيني والإيراني هو خمسمئة مليار دولار، ويعتبرونه إعلان وفاة سياسية للعقوبات الأميركية التي تستهدف إيران من جهة، ومن جهة مقابلة حضوراً للصين بجهوزية التقدم نحو البحر المتوسط والخليج وبحر عمان، من خلال بناء قاعدة متطورة صناعياً واقتصادياً وخدمياً في إيران، ويتوقعون أن يرتفع مستوى القدرة الشرائية للعملة الإيرانية 500% خلال خمس سنوات، وأن يرتفع مستوى دخل الفرد 300% خلال السنوات الخمس الأولى من الاتفاق، ويعتقدون أن إيران ستصبح في وضع اقتصاديّ يشبه كلاً من ألمانيا واليابان في الستينيات من القرن الماضي، بالإضافة للمقدرات العسكرية الهائلة التي تملكها وستزداد، لتصير القوة العسكرية الأولى في الشرق الأوسط بلا منازع.
– يقارن الخبراء الأميركيّون هذا الاتفاق باتفاق مصر أيام الرئيس جمال عبد الناصر مع الاتحاد السوفياتي فيقولون إنه اتفاق الصين وإيران يعادل عشر مرات درجة الخطر التي مثلها اتفاق القاهرة وموسكو في أيامه الذهبية، وثمة إجماع على اعتبار الاتفاق طريقاً لنهوض عملاق عالمي هو الصين وعملاق إقليمي هو إيران، لا يمكن الحدّ من الخسائر التي سيجلبها على الحضور والمصالح الأميركية إلا بأحد طريقين، إنهاء سريع للتأزم في المنطقة بحل للصراع العربي الإسرائيلي، بطريقة سحرية تظهر أميركا صديقاً للعرب وتعزل إيران عنهم، أو بتفاهم استراتيجي روسي أميركي، يتضمن حلولاً مشتركة لأزمات المنطقة، وتعاوناً شاملاً في القضايا الاقتصادية والسياسية والاستراتيجية، ويجيبون أن تحجُّر العقل الأميركي الاستراتيجي والسياسي، رغم كونه في الظاهر غير عقائدي وبراغماتي، يشكل عقبة حاسمة دون القدرة على السير بخطوات مناسبة للحد من أضرار هذا الاتفاق، الذي يكفي عدم القدرة على التنبؤ بحدوثه للدلالة على ما تعانيه عملية رسم الاستراتيجيات من مشاكل بنيوية، تجعل السياسة في حال عجز كامل.
– الوصف الذي يطلقه الخبراء على الاتفاق، أنه أبرز تحول جيواستراتيجي في القرن، وأنه بداية لمرحلة جديدة على المستوى الدولي، وأن التعامل مع تداعياته يفوق طاقة أي إدارة أميركية، طالما أن حسابات الإدارات تبدأ من مراعاة مصالح كارتلات الصناعات العسكرية رغم ما تتسبب به من توتر مستمر في العلاقة عم روسيا، واللوبيات الداعمة لـ«إسرائيل» وما تتسبب به من كراهية للأميركي في الأوساط العربية والإسلامية.