أردوغان: كلّ الحروب من سورية إلى ليبيا من أجل السلطة
} د. هدى رزق
ترتبط السياسة الخارجية لحزب العدالة والتنمية التركي بالسياسة الداخلية حيث يصرف مردودها في الصراع الذي تعيشه تركيا داخلياً بسبب مطالبة المعارضة بالعودة الى النظام البرلماني كونها اختبرت لمدة عامين النظام الرئاسي وتوصلت الى نتائج تفيد بأنّ التفرّد في القرارات يحيل تركيا الى دولة لاديمقراطية ويحوّلها الى سجن كبير للصحافة ولحرية الرأي ويضرب عرض الحائط رأي جمهور عريض من الأتراك في القضايا الداخلية والخارجية ويلغي استقلالية القضاء، ضمن هذا الاطار، يسعى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الى انتصار في الخارج يوظفه في الداخل المتعب اقتصادياً وسياسياً، حوّل أنظار العالم الى آيا صوفيا حيث اصبحت رسمياً في 10 يوليو/ تموز مسجداً.
تمّ تجاوز قرار الحكومة الصادر عام 1934 الذي مهّد الطريق لمصطفى كمال أتاتورك، المؤسّس وأول رئيس للجمهورية التركية الحديثة، لتحويل آيا صوفيا إلى متحف.. إلا انّ أردوغان انتقد القرار الذي قضى بجعل آيا صوفيا متحفاً والمتغيّر ليس فقط إعلانها مسجداً بل انتقاد أردوغان لأتاتورك وهو رمز البلاد، لو هو لم يفعلها من قبل رغم انتقاده ورفضه لاتفاقية لوزان، لكنه هذه المرة انتقده لكن بطريقة غير مباشرة.
يعتقد الكثيرون في أنقرة أنّ خطوة آيا صوفيا ستساعد بالتأكيد حزب العدالة والتنمية على تعزيز قاعدته القومية والمحافظة، لكن من الصعب الإشارة إلى أنّ هذا التحوّل وحده سيساعد أردوغان على تأمين الانتخابات المقبلة عام 2023 والتي يعوّل عليها لتغيير وجه تركيا العلمانية.
قام باستنهاض المشاعر القومية حين تعهّد بأنّ الحكومة التركية لن تسمح لأيّ شخص بالتدخل في الشؤون الداخلية للبلاد وقيمها، في إشارة إلى الانتقادات الموجهة من بعض القوى الأجنبية ضدّ تركيا واعتبر انّ آيا صوفيا واحدة من أهمّ رموز حضارة تركيا، وسوف تستمرّ في العمل كمكان للعبادة للأمة التركية والعالم الإسلامي وجميع المسلمين والمسيحيّين أيضاً.
حدث 24 يوليو/ تموز لم يكن داخلياً فقط إنما وزع الرسائل الى الخارج، شارك نحو 350 ألف مسلم في صلاة الجمعة داخل وخارج المسجد التاريخي في اسطنبول، كانت صلاة الجمعة في جامع آيا صوفيا الكبير بمثابة أول صلاة هناك منذ 86 عاماً. قطع الجمهور مشياً مئات الكيلومترات، وافترش قبل ليلة وليلتين الساحات والشوارع المحيطة بـآيا صوفيا، اعتبر أردوغان إنه عبر هذه الحشود جرى تقييم النظام الرئاسي للحكم الذي دام عامين ومن خلال هذا الدفق البشري على آيا صوفيا نال النظام تأييداً مبرماً للصلاحيات التنفيذية للرئيس. التزمت المعارضة الصمت لئلا تتهم بالانحياز ضدّ الدين. أما أردوغان فهو ركز على قوة التضامن والقييم والوحدة مذكراً بلائحة من الإنجازات التي قامت بها الحكومة بدءاً بمحاربة الإرهاب والانتصار على الانقلابيين مشيراً الى انّ تركيا مهتمة بحماية حقوقها ومصالحها «مؤكداً انه ليس لدى تركيا عيون على حقوق الآخرين أو أرضهم أو سلامهم أو ثروتهم في اشارة الى فرنسا، مؤكداً ضرورة الحلول عن طريق المفاوضات والاتفاقيات العادلة غامزاً من قناة الموقف المصري في ليبيا.
تتهم فرنسا تركيا بتعزيز «الميول الإسلامية انزعجت السلطات الفرنسية بشكل متزايد من أنشطة أنقرة تجاه الأتراك الذين يعيشون في فرنسا او هم قلة تشير أنقرة الى انّ المسؤولين الذين أرسلتهم مديرية الشؤون الدينية التركية هو لمنع التطرف. لكن فرنسا تخلط الأمور لأنّ الخلاف معها هو بشأن القضايا الجيوسياسية المتعلقة بمنطقة البحر الأبيض المتوسط في سورية وليبيا.
ترى انقرة انّ فرنسا، دعمت في سورية الجزء الكردي، الذي تعتبره تركيا الجناح السوري غير الشرعي لحزب العمال الكردستاني هو أحد أسباب بداية الخلاف بين البلدين اما في ليبيا، تساعد باريس في تسليح وتدريب المشير خليفة حفتر، الذي كان يتحدّى حكومة طرابلس، المدعومة من تركيا
تحاول فرنسا تصوير حكومة الوفاق بشكل متزايد على أنها حكومة ذات «ميول إسلامية».، فإعادة فتح آيا صوفيا كمسجد عززت تلك الصورة. كذلك دعم تركيا للجماعات الإسلامية في سورية وتستنجد بتقرير «هيومن رايتس ووتش» لتنتقد سياسات فرنسا في غرب أفريقيا الداعمة للإسلاميين.
تدافع تركيا عن موقفها في شرق البحر المتوسط لأنها كانت تتطلع ببساطة للخروج من الزاوية التي ضغطت فيها عندما تعاونت مصر و»إسرائيل» واليونان وقبرص اليونانية ضد تركيا لاستكشاف الموارد الطبيعية في المنطقة. وتستبعد بثقة في ليبيا عملية برية شاملة من قبل مصر. شغلت انقرة بالتساؤل ان كانت الإمارات او روسيا ستمدّ مصر بالطائرات المقاتلة. انطلاقاً من الهجوم على قاعدة «الوطية»، ويشغلها مدى استعداد مصر للتدخل العسكري؟ تعتقد أنقرة أنّ موقف القاهرة هو في الغالب للاستهلاك المحلي، ويهدف إلى صرف الانتباه عن فشلها في ردع إثيوبيا في النزاع المائي على النيل، وسوء التعامل، مع وباءCOVID-19 .
فوفقاً لتقييم أنقرة، تكافح مصر التي للتعامل مع عدد قليل من الجماعات الإرهابية في سيناء وبالكاد يمكن أن تخاطر في ليبيا، لا تكفي رغبة السيسي وحدها في الدخول في حرب فهو قد يكون حريصاً على التدخل، على أمل تعزيز شعبيته في العالم العربي والحفاظ على الدعم المالي للإمارات، لكن أنقرة تشك في أنّ الجيش المصري يشاطره حماسه على الصعيد الدولي، تدرك أنقرة جيداً أنها بحاجة إلى دعم سياسي أوروبي، وخاصة من إيطاليا وألمانيا وبريطانيا وإسبانيا، والدعم اللوجستي من دول مالطا والمغرب العربي للتحرك على سرت وكذلك دعم الولايات المتحدة لموازنة روسيا في ليبيا.
كثفت جهودها الدبلوماسية ساعية للاستفادة من الخلافات بين دول الاتحاد الأوروبي بشأن ليبيا ومخاوف الجيش الأميركي بشأن الوجود الروسي في البلاد. تعتقد أنقرة أن مصر لا يمكنها التدخل بدون موافقة من واشنطن – وهو أمر تعتبره احتمالاً بعيداً بسبب تحالف مصر مع روسيا.
يبدو أن مصر نشطة للغاية. ويقال إنه منذ مطلع يونيو/ حزيران، كثفت جهودها لتسليح القبائل الليبية. ويتحدث هذا النشاط عن خطة لتنظيم المقاومة المسلحة على المستوى المحلي لعرقلة تقدم قوات طرابلس إذا حاولت المسير نحو سرت والجفرة.
بشكل عام، تعتقد أنقرة أن التدخل المصري سيكون مسعى غير عقلاني، بالنظر إلى معوقات القاهرة والظروف الدولية تعد سرت والجفرة عاملين رئيسيين في استعادة حكومة الوفاق الوطني معظم احتياطيات البلاد النفطية، مصر هدّدت بالتدخل إذا استمرت الحكومة التي تتخذ من طرابلس مقراً لها في التقدم. إذا استعادت حكومة الوفاق الوطني سرت، فمن المرجح أن يضطر مؤيدو حفتر إلى إعادة الحساب بشأن موكلهم.
إلا انّ تركيا وروسيا اتفقت اعلى النظر في تشكيل لجنة مشتركة لحلّ الأزمة في وقت سابق من هذا الأسبوع، على الرغم من عدم وجود إشارة واضحة حتى الآن تعتزم حكومة الوفاق الوطني التفاوض بشأنها.
جميع هذه الأحداث توظفها أنقرة في سعيها الى السيطرة في الداخل عبر الظفر بحصة من الغاز وموقع في ثروة المتوسط. ينتظر الداخل ولا يريد حرباً تدفع فيها تركيا ثمناً باهظاً لكن في الوقت عينه لا يعارض أردوغان لأنه يعتبر انّ الرئيس يسعى الى المصلحة القومية التركية وهي أولوية.