جيش سوريّ وطنيّ بتداعيات إقليميّة
} د.وفيق إبراهيم
وحيدٌ بين الجيوش العربية في الشرق يدافع عن شعبه ودولته منذ عقد تقريباً بإرادة حديديّة مواصلاً حرباً مفتوحة في وجه الأميركيين والأتراك والإسرائيليين وبعض القوى الأوروبية محجماً المشروع الكردي ومئات التنظيمات الإرهابية المدعومة من الخليج.
هذا هو الجيش السوريّ الذي يحتفل بعيد تأسيسه الخامس والسبعين وسط حرب مفتوحة عليه لها بعدان، الأول محاولات تفتيته بذرائع مناطقية واخوانية وطائفية ورشى مالية ضخمة والثانية كسره في الميدان بفتح عشرات المعارك عليه في آن معاً لبعثرة قواه. فلا هذه أفلحت ولا تلك نجحت.. ولا يألو الجيش العربي السوري بعديده الذي ينيف عن ثلاث مئة الف جندي، من دون احتساب ألوية الردفاء والأنصار يجول في ميادين سورية من حدودها السورية مع الجولان المحتل والأردنية والعراقية والتركية، ولا ينسى حدوده مع لبنان لضبط حركة الإرهاب والتهريب.
كيف صمد الجيش السوري هذه المدة الطويلة متمكناً من تحرير سبعين بالمئة من بلاده، ومحافظاً على تماسكه؟
الإعداد الوطني المدروس لهذا الجيش، ادى الى تماسكه العسكري في وحداته وألويته بعقيدة قتال راسخة تقوم على حماية الدولة بما تشكله من شعب ومؤسسات وتاريخ يزهو على كل دول الإقليم.
هذا الشعور بالانتماء عميق لدى الجندي السوري الذي يتعلم في المؤسسات العسكرية انه يحارب دفاعاً عن أهله وشعبه وآلاف السنوات من عمر سورية.
قد يكون هذا الجانب مطلوباً، لكنه يتعلم أيضاً انه يدافع عن الشرق بأسره عندما يدافع عن ميادين بلاده.
هناك من المتخاذلين السوريين والعرب من يعزو انتصارات الجيش لتحالفاته الإقليمية والدولية، فيرد عليها إعلام أجنبي مؤكداً لها ان هذه التحالفات اتت الى سورية بطلب من دولتها ولوجود تقاطعات في المصالح تتعلق برهبتها من خسارة الدولة السورية وهذا معناه انتشار الإرهاب في بلادها.. ألم يقل الرئيس الروسي بوتين بأنه قاتل في سورية لكي لا يجد نفسه مضطراً لمحاربة الإرهاب في موسكو… وكذلك إيران التي تعرف أن هزيمة المشروع الاميركي ـ الخليجي ـ التركي ـ الإرهابي في سورية، يؤدي الى تخفيف الهجمات على إيران نفسها.
يتبين ان ادوار الجيش السوري متنوّعة لتنوع أهمية سورية في الشرق والإقليم، فضلاً عن مؤسسة الجيش نفسها التي تدرب أفرادها على اساس الانتماء للشعب والدولة.
داخلياً، قاوم الجيش إغراءات مالية من دول الخليج، شملت الأفراد والضباط والقادة بالمباشر حيناً وعبر أصحابهم حيناً آخر وبواسطة أصدقائهم وقرارهم وبلداتهم والمبالغ المعروضة تشكل ثروة وتصل مع القادة العسكريين الى ملايين الدولارات، مروراً بخمسين ألف دولار للجنود العاديين.
إلا أن هذه المحاولات عجزت عن اختراق الأسوار الوطنية العالية للجيش السوري، ولم يتأثر إلا نفر قليل لا يزيد عن ألفين او أقل، لم ينجح مشغلوهم ببناء تنظيم عسكري خاص بهم.. مكتفين ببعض الاعلانات التهريجية لصور عسكريين فارين اصبحوا عمالاً في الخليج وتركيا والمانيا، مخترعين صوراً لمدنيين، جرى إلباسهم ازياء عسكرية مع محاولات تمويهية لإخفاء وجوههم للزوم تمرير الاخبار الكاذبة.
هناك أربعة انواع من التداعيات انجزها الجيش العربي السوري في قتاله المستمر منذ نحو عقد:
الأول هو دفاعه ونجاحه بالحفاظ على وحدة سورية بتحريره معظم مناطقها وبشكل أجهض فيه أي إمكانية لتقسيم او كنتنة ناجحين، فحتى المناطق التي يسيطر عليها أكراد «قسد» في شمال شرقي سورية، لا تستطيع بناء دولة عليها، لافتقارها الى سواحل وطرقات متصلة بخارج متصالح معها وبعثرة مناطقها السوري ورفضها من قبل السكان السوريين من غير الأكراد الذين يشكلون الغالبية فيها، اما المناطق الداخلية فمستقرة في اطار الإيمان الكامل بالاندماج الوطني الداخلي.
لجهة الدور الثاني، فإن ضرب الجيش السوري للإرهاب في بلاده، أفشل حركته بالتموضع والانتشار في لبنان، معطلاً نموه في الأردن، ومحطماً بناه الممتدة الى العراق.
كما منع الإخوان المسلمين المتحالفين مع الأتراك من التموضع في أجزاء من سورية، مجهضاً إمكانية تحرّكها بحرية نحو الجوار المباشر لسورية.
كذلك فإن الجيش السوري دافع بقتاله للإرهاب في سورية عن الأردنيين انفسهم مبعثراً حركته نحو مدنهم وقراهم، علماً أن المملكة الهاشمية رعت في بدايات الحرب السورية، انطلاق الإرهاب نحو سورية وحمته وحاولت التقدم بواسطته نحو درعا عاصمة حوران، وهكذا يحافظ الجيش السوري على وحدة الأردن الذي شاركت دولته في محاولات تدمير سورية.
كذلك فإن لجم الإرهاب في سورية أسهم بإضعافه في العراق وإفساح المجال امام الجيش والحشد الشعبي فيه لتفكيك أوصال اقوى منظمات ارهابية كانت على وشك السيطرة على بغداد نفسها.
فيكون الجيش السوري بعمليات ضربه للارهاب اوقف من نموه في كامل الشرق لأنه حلقة متصلة، كانت تأمل بالسيطرة على سورية لتأمين حريات حركة واسعة لها في الإقليم.
ودول الخليج والأردن التي دعمت الارهاب هي في طليعة المستفيدين من تدمير الجيش السوري للإرهاب في سورية.
هذا ما جعل بوتين يعترف بدور سورية في منع الإرهاب من الانتقال الى مجمل الدول في العالم، ومنها روسيا، الأمر الذي يدعو الى مدى خطورة الرئيس التركي اردوغان الذي استثمر في الارهاب مهدداً بالسماح لمئات الآلاف من النازحين السوريين ومن بينهم ارهابيون الى اوروبا، وعندها بدأ الاتحاد الاوروبي يخصص مساعدات لتركيا كي تعيل بها النازحين فسرقتها وأعادت تنظيم الارهاب التركماني والاخواني بها.
بذلك يتضح دور الجيش السوري وطنياً واقليمياً وعالمياً في مكافحة الارهاب المعولم واجهاض حركته الدولية من جهة ووظيفته في تدمير الدولة السورية من جهة ثانية.
ألا يستحق هذا الجيش وساماً عالمياً على مثل هذا الدور الصانع للاستقرار في سورية والعالم؟ لذلك فإن هذا الجيش الذي يشكل مؤسسة طليعية من مؤسسات الدولة السورية، مثابر على تحقيق دور وطني يؤمن له وليس كمجرد وظيفة، إنه دور الدفاع عن سورية قلب الشرق، وبالتالي عن كامل الإقليم مسهماً في آن معاً في دعم الاستقرار العالمي.