كي لا يبقى الأمن الصحيّ مجرد شعار…
د. فادي فخري علامة*
مع تقدّم المجتمعات وتطوّرها وازدياد حاجة المواطن للخدمات المختلفة وارتفاع منسوب الوعي المجتمعي إذا صحّ التعبير وتمسك الفرد بحقوقه الطبيعية ونضاله الدائم لتحصينها وتطويرها، ومع تزايد نسبة الأمراض وظهور أمراض وأوبئة جديدة ارتفعت معها الحاجة الى الخدمات الصحيّة والاستشفائيّة، وبالتالي عملت مختلف دول العالم على تقديس حق الطبابة والاستشفاء الذي يدخل ضمن حق المواطن بالحياة الكريمة والتي تحترمه وتصونه الاتفاقيات والدساتير الدولية.
في لبنان وعلى مرّ السنوات تكرّر السلطة حديثها عن حماية الأمن الصحي، وهناك مَن يُطالبها باستمرار بضرورة تحصين الأمن الصحي وتأمين الرعاية والتغطية الصحيّة للمواطن اللبناني، وإذا كان هذا الطلب البديهي والمطبق من دون منة من أحد في دول العالم أمراً ضرورياً وواجباً في الظروف العادية، فإنه يصبح أولوية مطلقة في ظلّ الظروف الاقتصادية والمعيشية الصعبة كتلك التي يعانيها وطننا اليوم، فإذا وضعنا جانباً خطر وباء كورونا المستجدّ، فإنه وبسبب سوء النظام الغذائي المتأثر بتعثر المواطن مالياً وبتراكم العوامل البيئية وتأثيرات الأزمة وانعكاسها السلبيّ على صحة المواطن بشكل مباشر أو غير مباشر فإنه من الطبيعي أن ينعكس هذا الأمر على ارتفاع عدد المرضى والمحتاجين للعناية الطبية.
لطالما اعتُبر لبنان «مستشفى الشرق الأوسط»، ومركزاً للرعاية الصحية إذا صحّ القول، يقصده الأخوة العرب وغيرهم نظراً لتفوّقه في هذا المجال، ولأنّ القطاع الصحي ومؤسساته جزء لا يتجزأ من الواقع الاقتصادي الذي لامَس الانهيار منذ أشهر لناحية ارتفاع الأسعار وعدم ضبط سعر صرف الدولار وغياب السيولة الماليّة لدى المواطن (المريض) وتوجّه بعض المرضى لتأجيل أعمال طبية أحياناً أو اللجوء للعلاج على نفقة وزارة الصحة او الجهات الضامنة على مختلف أنواعها، فكان لا بدّ للقطاع الصحي أن يتأثر سلباً مع تضاؤل دور الدولة في المقابل أو انكفائها وعدم تدخلها كما يلزم والتي هي بالأساس لا تبسُط يدها كما يجب لدعم هذا القطاع.
وللخروج من النظريات وبعد توصيف الواقع فإننا نقترح عدداً من الخطوات قد تساهم في إنقاذ هذا القطاع الحيوي وتأمين استمراريته :
دعم الدولة للقطاع الصحي مالياً أسوة بباقي القطاعات الحيوية (تعليم وأمن وغذاء وزراعة وصناعة…) من خلال خطة مرحلية للفترة المتبقية من العام الحالي.
1 ـ تسديد كافة المستحقات العائدة للمستشفيات منذ العام 2012 حتى العام 2019 للمساهمة في تأمين استمرارية تلك المؤسسات، مع العلم أنّ تلك الديون فقدت قيمتها نتيجة تدهور سعر صرف الليرة اللبنانيّة مقابل الدولار الأميركيّ.
2 ـ وضع خطة لدعم الصيانة الخاصة بالآلات والمعدّات الطبية التي باتت كلفتها خياليّة مع ارتفاع سعر صرف الدولار.
3 ـ التباحث مع البنك الدولي والتعاون معه للحصول على قروض ميسّرة بضمانة البنك المركزي لدعم القطاع الصحي (مع الإشارة الى أنّ البنك الدولي مستعدّ للتعاون وهو ما لمسته وسمعته من القيّمين في البنك خلال لقاءات عدة).
4 ـ تخصيص المستشفيات بسلف مالية شهرية عن المؤسسات الضامنة (القوى العسكرية، وزارة صحة، الضمان الاجتماعي وتعاونية موظفي الدولة) بهدفين: الأول عدم تراكم المستحقات للمستشفيات من جهة، والثاني المساهمة في استمرار عملها من خلال حصول المستشفيات شهرياً على مستحقاتها أو على بعض منها.
5 ـ الالتفات إلى ملف المستلزمات الطبية والأدوية نظراً لأهميّته من خلال القيام بخطوات منها على سبيل المثال:
ـ تشديد الرقابة على عملية استيراد وتصدير المستلزمات الطبية والأدوية لمنع التهريب.
ـ إلزام شركات المستلزمات الطبية والأدوية بتغطية نسبة 100% بالعملة الوطنية بدلاً من 85%.
ـ دعم المستلزمات الطبيّة والأدوية على أن تكون التغطية 100% لكون مشتريات المستشفيات تتمّ بالدولار الأميركي حصراً.
ـ قيام المؤسسات الضامنة بتأمين المستلزمات والأدوية (للأمراض المستعصية) بشكل مباشر للمستشفيات.
6 ـ إحياء وتفعيل عمل لجنة عليا للصحة في لبنان تكون مهمّتها العمل على إيجاد الخطط وابتكار الحلول والاقتراحات المناسبة لحماية القطاع بالتواصل مع المعنيين.
ربما حان الوقت ليعي الجميع أهمية القطاع الصحي ويتنبّه للمخاطر التي تواجهه وللهواجس الحقيقية للقيّمين عليه والعاملين فيه وإبعاد شبح الإقفال الحتمي الذي ينتظر المؤسسات الطبية إذا لم يتمّ التدخل بحزم وبإجراءات عملية من خلال خطة طوارئ مرحلية واضحة تعيد الى هذا القطاع حيويّته وتمنحه الحياة ليقوم بدوره في الرعاية والعناية الصحيّة والاستشفائيّة، فلا صحة وسلامة لوطن مؤسساته الصحية عليلة وتحتاج لعناية فائقة، والأمن الصحي ليس شعاراً يُشفى المرء بمجرد سماعه بل هو خدمات مؤمنة يطمئن المواطن لوجودها واستمراريتها.
*نائب في البرلمان اللبناني، رئيس اتحاد المستشفيات العربية.