لبنان يخسر خلال دقائق بانفجار المرفأ ما يوازي خسائره في حرب تموز في 33 يوماً
كارثة بيروت: أكثر من 100 شهيد و5000 جريح وأضرار تزيد عن مليار دولار / دياب: ما حصل كارثة وطنيّة لكنه لن يمرّ دون حساب وسيدفع المسؤولون الثمن
كتب المحرّر السياسي
توقعت مصادر طبية أن يكون ما تم نقله إلى المستشفيات والمراكز الصحية وما تمّت معالجته في المكان من الجرحى، حتى ساعات صباح اليوم قد تجاوز الخمسة آلاف جريح، وأن يبلغ عدد الشهداء أكثر من مئة كان منهم ستون شهيداً قد جرى إحصاؤهم حتى منتصف الليل، بينما قدرت الخسائر المادية التي أصابت الأبنية السكنية والمحال التجارية والمؤسسات الاقتصادية والسيارات، بأكثر من مليار دولار، وقالت مصادر تابعت الانفجار الكارثي الذي حول مدينة بيروت إلى ساحة حرب تشبه هيروشيما بعد القنبلة الذرية، وتشبه نيويورك بعد أحداث الحادي عشر من أيلول، إن ما خسره لبنان وعاصمته خلال دقائق يعادل ما خسره في حرب تموز 2006 خلال ثلاثة وثلاثين يوماً.
الرواية التي استقرت عليها مراجع أمنية وحكومية في تفسير الانفجار الذي بلغ تأثيره حد إسقاط زجاج ابنية في جزيرة قبرص البعيدة مئة وثمانين كليومتراً عن ساحل بيروت، وعادلت تردداته زلزالاً بقوة خمس درجات ريختر، تقول إن المواد التي تسببت بالتفجير هي كمية ضخمة تقدّر بأطنان من مواد شديدة الإنفجار من نيترات الصوديوم تمت مصادرتها من باخرة كانت تنقل السلاح والذخائر من تركيا للجماعات الإرهابية في سورية عن طريق مرفأ طرابلس، ضبطها الجيش اللبناني ونقلها إلى مرفأ بيروت حيث تمّ تفريغ حمولتها ونقلت مؤقتاً إلى العنبر الثاني عشر تمهيداً لنقلها من الجهات المعنية إلى حيث يتم إتلافها، ومضت السنة تلو السنة والمخاطرة قائمة وبقيت المواد المتفجرة حتى تسببت بهذه الكارثة للبنان وعاصمته. وقد أظهر اللبنانيون نخوة وروح تعاون أدهشت كل من تابع وقائع الكارثة، بعيداً عن أصوات النشاز التي سارعت لحرب إعلامية لتزوير الوقائع وزج اسم حزب الله تارة بصفته صاحب مصانع صواريخ في حرم المرفأ، ومرة بالحديث عن سيطرة حزب الله على المرفأ، لكن حبل الكذب قصير، وظهر المواطنون يتطوّعون لنقل المصابين والبحث عنهم ورفع الركام، ومساعدة أطقم الإسعاف والإطفاء، وامتلأت وسائل التواصل الاجتماعي بإعلانات من مواطنين عن تقديم منازلهم التي أعلنوا وضعها بتصرف من أصيبت منازلهم وباتوا بلا مأوى، وتهافت الآلاف إلى مراكز التبرع بالدم، في كل المناطق تلبية لنداءات الصليب الأحمر والمؤسسات الصحية.
رئيس الجمهورية العماد ميشال عون دعا المجلس الأعلى للدفاع للانعقاد لمتابعة عمليات الإنقاذ، بينما تحدث رئيس الحكومة عن كارثة وطنية واعداً ألا تمر من دون محاسبة، وبأن المسؤول سيدفع الثمن، بينما أعلنت أكثر من عاصمة عن استعدادها لتقديم المساعدات للبنان. وتوقعت مصادر مطلعة وصول مستشفيات ميدانية من كل من قطر وإيران، ووصول معدات طبية ومواد دوائية من فرنسا ومنظمة الصحة العالمية، بينما سيظهر اليوم ما ستسفر عنه الاتصالات التي سيجريها وزير الخارجية شربل وهبة مع وزراء خارجية الدول العربية والأجنبية طلباً للمساعدة في إزالة آثار الكارثة ومساعدة الناس على إعادة إعمار مساكنها ومحالها التجارية وتعويضها عن خسائرها.
لم يكن اللبنانيون يتوقعون ان تلحق دولتهم بهم الدمار والموت، فما شهده لبنان أمس من خراب طال بيروت وضواحيها، عطفاً على سقوط عدد كبير من الشهداء والجرحى من جراء الانفجار الذي حدث في العنبر 12 في مرفأ بيروت لا يتحمّل مسؤوليته الا السلطة الفاسدة التي لم تكتف بتغطية الفاسدين والإمعان في سرقة شعبها، بل ذهبت بعيداً في إهمال ملف بالغ الخطورة، وتعاطت باستخفاف مع مواد شديدة الخطورة خزنت في مرفأ بيروت منذ 4 سنوات ولم تقدم على تلفها رغم علمها وإدراكها بما قد تخلفه هذه المواد لو انفجرت من خسائر بشرية ومادية.
فانفجار يوم أمس، وصل دوّيه إلى قبرص، فمادة النترات كانت السبب الرئيسي في الانفجار الضخم الذي ضرب مرفأ بيروت بحسب ما أعلن مدير عام الجمارك اللبنانية بدري ضاهر، في حين اشار اللواء عباس إبراهيم الى أن ٢٧٠٠ طن من مادة الأمونيوم هي التي انفجرت وكانت في طريقها الى أفريقيا.
وفيما غصّت مداخل مختلف مستشفيات بيروت بالجرحى الذين حضر بعضهم بسيارات ودراجات نارية مدنية، مع تأكيد عدد من المستشفيات عدم قدرتها على تلبية الحالات الطارئة التي لا تزال تصل إليها نتيجة الأعداد الكبيرة التي وصلت اليها، أوعز وزير الصحة حمد حسن معالجة المصابين نتيجة الانفجار على نفقة وزارة الصحة في مختلف المستشفيات المتعاقدة وغير المتعاقدة مع الوزارة. وطلب من المواطنين وفرق الإغاثة والصليب الأحمر والدفاع المدني التوجّه بالجرحى والمصابين الى المستشفيات المحيطة بالعاصمة لأن مستشفيات العاصمة تضيق بالجرحى.
ويعقد مجلس الوزراء اليوم جلسة استثنائية في قصر بعبدا للبحث في توصيات المجلس الأعلى للدفاع ومتابعة تداعيات الكارثة التي وقعت في بيروت، وأعلن المجلس الأعلى للدفاع بعد اجتماع مساء أمس، «بيروت مدينة منكوبة»، ورفع توصية لإعلان حال طوارئ. وقد شكل لجنة لتحديد المسؤوليات. وأكد أن مجلس الوزراء سيجتمع اليوم الأربعاء استثنائياً في القصر الجمهوري لاتخاذ القرارات المناسبة.
وبقرار من رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، تمّ تشكيل خلية أزمة في القصر الجمهوري برئاسة مدير عام رئاسة الجمهورية انطوان شقير، مهمتها مواكبة تداعيات الكارثة التي وقعت في مرفأ بيروت، والتنسيق الحثيث مع خلية الأزمة التي شكلت لهذه الغاية والجهات المعنية.
وقال الرئيس عون في مستهل الجلسة: «كارثة كبرى حلّت بلبنان والهدف من هذا الاجتماع اتخاذ الإجراءات القضائية والأمنية الضرورية، ومساعدة المواطنين ومعالجة الجرحى والمحافظة على الممتلكات».
وشدّد على «ضرورة التحقيق في ما حدث وتحديد المسؤوليات، ولا سيما أن تقارير أمنية كانت أشارت إلى وجود مواد قابلة للاشتعال والانفجار في العنبر المذكور».
وأكد أن «اتصالات عدّة وردت من رؤساء دول عربية وأجنبية للتضامن مع لبنان في محنته وتقديم المساعدات العاجلة في مختلف المجالات».
وأكد رئيس الحكومة حسان دياب خلال كلمة له من السراي الحكومي، أن ما حصل أمس لن يمرّ من دون حساب وسيدفع المسؤولون عنه الثمن. وتوجّه بنداء عاجل الى الدول الصديقة والشقيقة أن تقف الى جانب لبنان وأن تساعدنا على بلسمة جراحنا.
وتفقد دياب يرافقه وزيرا الداخلية والبلديات محمد فهمي والأشغال ميشال نجار، موقع الانفجار في مرفأ بيروت. كما أصدر رئيس الحكومة قراراً بإعلان اليوم الأربعاء يوم حداد وطني على الضحايا الذين سقطوا.
وعلى صعيد آخر، أصدر المكتب الإعلامي في قصر بعبدا بياناً أشار فيه إلى أنّ «الرئيس ميشال عون تابع تفاصيل الانفجار الكبير الذي وقع في مرفأ بيروت، وأعطى توجيهات إلى كل القوى المسلحة بالعمل على معالجة تداعيات الانفجار الكبير وتسيير دوريات في الأحياء المنكوبة من العاصمة والضواحي لضبط الأمن». كما طلب عون في البيان نفسه «تقديم الإسعافات الى الجرحى والمصابين على نفقة وزارة الصحة، وتأمين الإيواء للعائلات التي تشردت نتيجة الأضرار الهائلة التي لحقت بالممتلكات».
وفيما أفيد أن جهاز أمن الدولة كان طلب منذ 5 أشهر فتح تحقيق بالمواد المتفجرة الموجودة في العنبر رقم 12 بمرفأ بيروت كلف مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية بالإنابة الأجهزة الأمنية جمع المعلومات لمعرفة حقيقة انفجار المرفأ.
وليس بعيداً، انكبت الدول الغربية والعربية على التضامن مع لبنان، وأعلن متحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية أن الوزارة تتابع عن كثب التقارير عن انفجار في بيروت ومستعدة لتقديم «كل المساعدة الممكنة»، وذكر أن الوزارة ليست لديها معلومات عن سبب الانفجار، وأضاف أنها تتعاون مع السلطات المحلية لمعرفة ما إذا كان هناك أميركيون ضمن المصابين.
أعلن وزير الخارجية الفرنسي جان ايف لودريان أن «فرنسا تقف إلى جانب لبنان ومستعدة لتقديم المساعدة له بعد الانفجار. وأكد السفير الفرنسي إيمانويل بون تحضير فرنسا مساعدة إنسانية عاجلة تبدأ بالانطلاق هذا المساء (مساء امس) باتجاه لبنان وباريس بصدد تحريك العواصم الأوروبية لمساعدة لبنان. وفيما عرض الاتحاد الأوروبي تقديم المساعدة على لبنان، أبدى رئيس وزراء بريطانيا استعداد لندن لتقديم كل ما بوسعنا من دعم لبيروت.
وأجرى أمير قطر اتصالاً بالرئيس ميشال عون وأمر بإرسال مستشفيات ميدانيّة في أعقاب انفجار بيروت، كما تلقى الرئيس عون اتصالين من الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون والعراقي برهم صالح اللذين أكدا التضامن مع لبنان بعد المحنة التي تسبب بها الانفجار في بيروت.
وأعطى الديوان الأميري في الكويت توجيهات بمساعدات طبيّة عاجلة للبنان. ولهذه الغاية تلقى وزير الخارجية شربل وهبة اتصالاً من نظيره الأردني وضع خلاله الأخير جميع الإمكانيات الأردنيّة بتصرف لبنان لمواجهة تداعيات الانفجار الكارثيّ، وأعلنت طهران على لسان وزير خارجيتها محمد جواد ظريف أنها مستعدة لمساعدة لبنان بأي طريقة بعد انفجار بيروت.
إلى ذلك وبعد التكهنات العديدة التي تحدثت عن قصف إسرائيلي سبب الانفجار في المرفأ، أعلن مسؤول إسرائيلي أن «إسرائيل ليست لها علاقة». وقال وزير خارجية العدو الإسرائيلي غابي أشكينازي لقناة إن12 التلفزيونية الإسرائيلية إن «الانفجار كان على الأرجح حادثاً نتج عن حريق».
وأجّل الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله كلمته التي كانت مقرّرة اليوم الأربعاء الى إشعار آخر بسبب الفاجعة الوطنية والتزاماً بالحداد الوطني.