هل يتمرّد السياسيّون اللبنانيّون على القرار الأميركيّ بخنق بلدهم؟
} د.وفيق إبراهيم
هناك إصرار أميركي على تدمير لبنان، وتفتيته، استناداً الى مشروع وزير خارجيتهم السابق هنري كيسنجير الذي دعا في سبعينيات القرن الماضي الى توطين الفلسطينيين على أراضيه في اطار كانتون مستقل بهم.. وتهجير المسيحيين الى الغرب المستعد لاستقبالهم، وطرد كتل كبيرة من المسلمين السنة والشيعة والدروز الى مناطق عربية مجاورة.
هذا ما يفعله الأميركيون بحصارهم الاقتصادي على لبنان في محاولة واضحة لخنقه، ودفع «اسرائيل» الى مهاجمته ومنعه من الانفتاح على الصين وسورية والعراق وروسيا.
ما يبدو واضحاً هو أن الأميركيين مستعجلون لتحقيق مشروعهم في لبنان فطلبوا من الكيان الاسرائيلي توتير الأوضاع الأمنية على الحدود اللبنانية، وشجعوا القوى اللبنانية المؤيدة لهم على رفض الانفتاح على سورية وبالتالي الوصول الى العراق، فارضين على الصندوق والبنك الدوليين منع أي سلف او قروض للدولة اللبنانية، مرسلين إنذارات جديدة الى السياسيين اللبنانيين عبر وزير الخارجية الفرنسي لودريان.
لكن الصمت اللبناني أخرجهم من طورهم وفجأة حدث انفجار مروّع في مرفأ بيروت يعادل انفجارات هيروشيما وناكازاكي، فهل هذه مصادفة، أم انه جزء من مسلسل الضغوط الاميركية عبر اجهزة من قوى لبنانية خاصة او رسمية تتعامل معهم؟
ان هذا الانفجار يؤكد على ان الاميركيين مستمرون في تدمير لبنان ولن يتوقفوا إلا إذا تمكّنوا من تنفيذ مشروعهم او جابهتهم الطبقة السياسية التي تشكل معادلة الحكم وسجلت تمرداً سياسياً لبنانياً رسمياً هو الأول من نوعه منذ أكثر من ثلاثين عاماً.
فهل تتجرأ معادلة الحكم على المضي في هذه الوجهة وتسجل التزامها بمصالح اللبنانيين، الذين يضع الاميركيون رقابهم تحت مقصلتها الاقتصادية والأمنية والاسرائيلية؟
يبدو أن الأميركيين ويتجهون الى تفجير آخر في السابع من آب الحالي والمتعلق بقرار المحكمة الدولية الخاصة بالمرحوم رفيق الحريري.
وهذا واضح في سعي أميركي لرشق حزب الله باتهامات لا أساس باغتيال رفيق الحريري، ما يؤدي الى سلسلة انفجارات مذهبية وطائفية تطيح بآخر إمكانات لبنانية للصمود.
بذلك ينكشف مسلسل الخنق الاميركي ويتأكد للجميع ان تفجير مرفأ بيروت «عمل محبوك» بشكل يبدو فيه وكأنه إهمال من مديريتي المرفأ والجمارك.
والحقيقة أن أطنان نيترات الصوديوم التي انفجرت، صادرتها الجمارك اللبنانية منذ 2014، وابقتها مخابرات الجيش في احد عنابر المرفأ لاتلافها في مراحل لاحقة.
وتبين أن هناك «جهات لبنانية رسمية» منعت إتلافها وذلك لاعادة تصديرها الى مستورديها من التنظيمات الارهابية العاملة في سورية، ولم يتمكنوا لاسباب داخلية لبنانية كانت حريصة على منع هذا التهريب المحتمل.
إن «الجهة الرسمية» نفسها التي كانت حريصة على وضع المتفجرات في المرفأ هي نفسها التي فجّرتها بناء على طلب أميركي وذلك بافتعال إهمال يقصي إمكان الكشف عن حقيقة الفاعل الذي سرعان ما يتبين ارتباطه بقوى 14 آذار وبالتالي بالنفوذ الأميركي في لبنان.
يتبين إذاً أن هذا التفجير يأتي في سياق سياسات خنق اميركية للبنان.. ما يستدعي سؤال القوى اللبنانية المتعاملة مع الأميركيين اذا كانت تعرف النهايات التي يريدها الأميركيون للبنان؟
وهل تعتقد أن بوسع الاميركيين تسليمها السلطة في لبنان؟ وأين فعل الأميركيون مثل هذا الأمر.. في فيتنام الجنوبية حيث تخلت عن حلفائها ورحلت أو مع رجلهم الأوحد شاه ايران الذي فتحت له طريق الخروج من إيران أو مع اكراد العراق، حيث سمحت لصدام حسين بابادة قواهم العسكرية بعد عقود من الدعم الاميركي لهم؟
إن كل تجارب الأميركيين مع حلفائهم تكشف ان مصالحهم هي أولاً واخيراً وحصرية وما على الحلفاء إلا الانصياع لها من دون شروط.
فهل تتعظ القوى اللبنانية الموالية للأميركيين من هذه النماذج وتعود إلى رشدها؟
المطلوب اليوم موقف تاريخي كبير من الرؤساء اللبنانيين الثلاثة ميشال عون ونبيه بري وحسان دياب، إطلاق بيان تاريخي يعلن فتح باب لبنان نحو الشرق العربي والصين وروسيا وإيران لوقف انهياره الاقتصادي المريع الذي يهدّد بتفتيت كيانه، فتفجير المرفأ من شأنه قطع الاتصال الاقتصادي مع العالم بمعدل سبعين في المئة، ولن يبقى إلا الحدود السورية وسيلة للربط مع العراق والخليج عبر الصين وإيران، فهل يتجرأ هؤلاء الرؤساء على هذه الخطوة التي يجب أن تكون مدعومة من مختلف القوى السياسية الاساسية التي تقول أو تزعم أنها لبنانية ووطنية.
ولهذا البيان فائدة تاريخية وليس مجرد رد انتقامي على تفجير مرفأ بيروت، بل يشكل إنقاذاً للمجتمع من الانهيار الاقتصادي ودعم الدولة لعدم استسلامها للنفوذ الأميركي ـ الإسرائيلي ـ وإنقاذ الكيان السياسي اللبناني من التفتيت.
بذلك يعاود لبنان الانتماء الى محيطه على اساس التاريخية والاقتصاد بانياً خطاً عبر سورية وآخر قديماً عبر البحر، وهذا حلّ قد يعيد له بسرعة اقتصاداً قابلاً للشفاء.
بقي أن يتجرأ السياسيون اللبنانيون على هذا الأمر ولا يختبئون كعادتهم خلف الجدران بسياسات ملتبسة، لن تؤدي إلا إلى مزيد من الانهيار الاقتصادي اللبناني.