ألا تستحق بيروت المنكوبة التضحية والاعتذار… والاستقالة؟
} علي بدر الدين
زلزال من الفساد والإهمال وعدم تحمّل الحاكمين لمسؤولياتهم اتجاه الوطن والشعب على مدى عقود، ضرب بيروت ست الدنيا وأمّ الشرائع الحاضنة لأكثر من مليون مواطن لبناني من كلّ الطوائف والمذاهب والمناطق من بوابة مرفئها الذي هو رئتها ومتنفّسها ومصدر أساسي لضخ الأموال إلى الخزينة العامة، رغم ما يُقال عن روائح الفساد والسمسرات والتشبيح التي تنبعث منه.
الكارثة التدميرية والدموية وقعت… حيث حوّل الانفجار الضخم جداً وغير المسبوق طوال سنوات الحرب الأهلية وما تلاها من انفجارات واغتيالات، حوّل المرفأ إلى ركام وحطام وأطلال وأثر بعد عين، ولوّن مياه البحر بالأرجواني من دماء الضحايا الشهداء والجرحى، والمنازل والأبنية والشوارع بالدماء التي نزفت وتدفقت من شرايين وأجساد الأطفال والنساء والشباب والعجّز… كأنها شلال لترسم سجادة حمراء بلون الدم، لأنّ السياسيين الفاسدين والمستهترين والمغتصبين للدولة والسلطة والذين كتموا أصوات الناس بالقمع والترهيب والترغيب بالفتات والوظيفة والحماية، وكانوا سبباً مباشراً أو غير مباشر، او على علم بوجود هذا الخطر القائم أو من دون علم هم من يتحمّل مسؤولية ما حدث وتداعياته، جراء هذا الزلزال الرهيب الذي دمّر هذا المرفق الحيوي.
بالطبع… فإنّ حشداً من المسؤولين من كلّ المناصب سيأتون إلى موقع الحدث ليطلعوا على نتائج ما فعله تخلّيهم عن مسؤولياتهم وضمائرهم واستهتارهم بأرواح الناس وأرزاقهم وأعصابهم واستقرارهم وإنْ كان مهزوزاً وقد تأقلموا معه واعتادوا عليه، وهذا هو قدرهم ولا بدّ لهم وقد اعتادوا السير على سجاد دماء الشهداء والجرحى وحتى على جثثهم، ليطلقوا منه العنان لتصريحاتهم المقزّزة الممجوجة والمجترّة، والدعوة لمحاسبة المسؤولين عما جرى وكأنهم ملائكة أطهار وأبرياء وقلوبهم مع عوائل الضحايا وأصحاب الممتلكات التي تساوت بالأرض. انها الوقاحة بعينها ويصحّ فيهم المثل “يقتل القتيل ويمشي في جنازته”!
إنّ تدمير بيروت وتحويلها الى مدينة منكوبة ليس جراء عوامل طبيعية بل بمعرفة ودراية السلطة السياسية أقله منذ عام 2011 لغاية ٢٠٢٠ بوجود مواد خطيرة وقاتلة ومدمّرة، يعني أنّ الكارثة التي حلت ببيروت وما نتج عنها من ضحايا شهداء وجرحى وتدمير ورعب وخسائر تقدّر بالمليارات من الدولارات والبلد منهار ومفلس وشعبه جائع ويتربّص به فيروس كورونا، تتحمّل مسؤوليتها أولاً وأخيراً السلطة الحاكمة منذ سنة 2011 لغاية اليوم وليس أيّ أحد سواهم.
إنّ أيّ كلام آخر أو فتح سجالات تقاذف الاتهامات وتحميل المسؤوليات وإصدار أحكام مسبقة وبخلفيات سياسية هادفة ومصوبة على هذا الفريق السياسي أو ذاك… هو بمثابة كارثة جديدة بحق الوطن والمواطن ومحاولات خبيثة ومضللة لتجهيل الفاعلين الذين ارتكبوا جريمة كبرى لا تغتفر وطي صفحتها وكأنّ ما حصل لا يعدو كونه مجرد جنحة.
إنّ اللبنانيين أمام هول الكارثة التي أصابت منهم مقتلاً ومن مدينتهم تدميراً وحوّلتهم إلى مشرّدين يبحثون عن مأوى وأزعجهم كثيراً إعلان وزير التربية عن فتح المدارس ليأووا إليها بدلاً من فتح الفنادق والبيوت على نفقة الدولة لأنها هي من يتحمّل المسؤولية عما أصابهم، وعلى الحكومة أن لا تنتظر المساعدات الخارجية الموعودة للتعويض وإعادة البناء والتأهيل والترميم والإسراع بتسمية المسؤولين عن الزلزال الكارثة، وهي قد تكون واحدة منهم ولا يعني الشعب تشكيل اللجان ولديه الكثير منها من دون فائدة. ما يعنيه اليوم قبل الغد إعلان حالة طوارئ إنقاذية وتأمين احتياجاته الضرورية وإصلاح الأبنية والبيوت ومعالجة الجرحى، والأهمّ من ذلك تسمية المسؤول او المسؤولين عن هذه الكارثة من دون تلكّؤ أو تغطيات وحمايات وخطوط حمر. ولا بدّ أمام ما حصل من إحداث صدمة لا يمكن أن تكون إلا بتقديم استقالات جماعية من الحكومة ومجلس النواب ومواقع سلطوية أخرى علها تخفف من وطأة المأساة وتعيد بناء سلطة جديدة أكثر إنتاجية وصدق وثقة، أسوة بكثير من مسؤولي دول العالم الذين يستقيلون عندما يشعرون أنهم فشلوا في مهامهم ومسؤولياتهم. فكيف إذا دمّرت مدينة وقتل او فقد او أصيب آلاف من أبنائها.
ألا تستحق بيروت التضحية بمنصب زائل كرمى لأهلها الطيبين ومن أجلها، وهي التي تغنّى بها الشعراء ويقصدها السائحون من كلّ دول العالم، وهي الجامعة والمستشفى وكرم الضيافة وهي فيروز وصباح ووديع الصافي، وهي تتنفس الحرية في صحافتها وإعلامها وأقلامها… وهي أيضاً وأيضاً المدينة العربية الوحيدة التي كانت تنتفض وتثور وما زالت من أجل فلسطين والوحدة العربية وتأييداً لجمال عبد الناصر في حربه ضدّ حلف بغداد؟ أليست بيروت هي التي تصدّت للاحتلال الصهيوني لها سنة ١٩٨٢ أثناء غزوه لبنان وقدّمت الشهداء وهزمته وحرّرت أرضها ببطولات أبنائها ومقاوميها، وأولهم الشهيد البطل خالد علوان…
أليس من حق بيروت وأهلها أن يرتاحوا من سلطة سياسية فاجرة وفاسدة وقاتلة ومدمّرة؟ إنها دعوة الى مبادلة الوفاء بمثله مع انّ التجارب والمعطيات غير مشجعة ولا تؤشر إلى أن أحداً من في السلطة قد يقدم على الاستقالة والاعتذار عما اقترفه بحقها…!