بيروت المنكوبة والانفجار الكبير
} د. جمال شهاب المحسن*
بيروت المنكوبة تفتش بين الركام وآثار الدمار وسُحُب دخان الحرائق عن الضحايا والجرحى والمنكوبين والمشرّدين الذين وصلوا الى الآلاف.. وهي أيضاً تبحث عن الأسباب والأبعاد والنتائج والعواقب الخطيرة للانفجار الكبير في الظاهر والباطن والأسرار…
ولمَن لا يعرف فإنّ مرفأ بيروت هو أهمّ مرفق حيوي لبيروت ولبنان والمنطقة وإنّ تحوّله إلى أشلاء يعني الكثير الكثير في الاقتصاد والترانزيت والجغرافيا والتراث والتاريخ والجيوبوليتك والاستراتيجيات.
ما حصل هو أنّ لبنان قد ضُرب بشريانه الاقتصادي الحيوي، فمرفأ بيروت هو أهمّ المرافئ اللبنانية وعلى امتداد الحوض الشرقي للبحر المتوسط والمنفذ البحري الأساسي للدول العربية الآسيوية، حيث يتعامل هذا المرفأ مع 300 مرفأ عالمي.. ويُقدّر عدد السفن التي ترسو فيه بـ 3100 سفينة سنوياً. ومن خلاله تتمّ معظم عمليات الاستيراد والتصدير اللبنانية.. وتمثّل البضائع التي تدخل إليه 70% من حجم البضائع التي تدخل لبنان.
وانطلاقاً من ذلك فإنّ العدو الصهيوني وحليفه الأميركي لهما المصلحة الأكيدة في تضييق الخناق على لبنان وسورية في ظل سياسة الحصار الإقتصادي وما يُسمى «قانون قيصر» الأميركي الذي يستهدف سورية ويطال باستهدافاته لبنان ومقاومته البطلة.
نحن لا نتجاوز التحقيقات والأمور التقنية والعلمية للانفجار حين ننطلق من مؤشرات المصالح المعادية لمحاولة فهم مجريات هذا الحدث اللبناني والإقليمي والعالمي الكبير دون إغفال الفساد والخلل الداخلي في موضوع وجود هذه الكمية الكبيرة من مادة نيترات الأمونيا في عنبر رقم 12 في المرفأ خصوصاً أنّ جهاز أمن الدولة قدّم تقريراً لحكومة سعد الحريري عن خطورة المواد ولم يحرّك أحد ساكناً…
كما لا بدّ من الإشارة الى القِّناع الذي يلبسه أعداؤنا والمرتبطون بهم في مثل هكذا أحداث لحرف الحقائق من النقيض الى النقيض وتضليل الرأي العام بكلّ الوسائل التقنية الحديثة في سياق الإستغلال القذر لبعض الأمور في المشهد العام للحدث… وهنا أذكّر بما جرى في حريق القاهرة في مطلع الخمسينيات من القرن الماضي وحريق أسواق بيروت الذي انطلق بفعل قذيفة صاروخية أطلقتها إحدى الميليشيات المسلحة اليمينية اللبنانية في 18 أيلول/ سبتمبر عام 1975 على بناية «سينما أوبرا» في ساحة الشهداء مما أشعل حريقاً هائلاً في منطقة وسط بيروت.. ويا للمصادفة العجيبة فإن حريق القاهرة بدأ من سينما أوبرا وكذلك جرى حريق بيروت بتدبير من «مركز اللعب» بالمخابرات المركزية الأميركية..
وأصِلُ الى بيت القصيد لأقول: إنه وعلى طريقة الحرائق القديمة ووفق الوثائق الأميركية فإن «مركز اللعب» المخابراتي الأميركي يعمل بجدية من خلال «الحرائق المشتعلة» وأسلوب «الصدمة والرعب» والتجييش الإعلامي الدعائي لحلفائه وأتباعه للوصول الى هدفه السرّي والعلني ألا وهو «القضاء» على حزب الله اللبناني المقاوم… وهذا مستحيلٌ لأنّ هذا الحزب متجذّرٌ في أرضنا الوطنية الطيبة…
وما يُسجل ويُكتب في هذه اللحظة اللبنانية التاريخية وقفات التضامن الوطني والإنساني التي تؤكد أصالة الشعب اللبناني وقدرته على تجاوز الصعاب والمحَن وكافة التحديات..
رحِمَ اللّه الشهداء، وشفى اللّه الجرحى، وكان اللّه في عون المنكوبين…
* إعلامي وباحث وباحث في علم الإجتماع السياسي