معادلة الردع ضرورة
معن حمية
الانفجار الضخم في مرفأ بيروت، نكبة حقيقيّة حلّت بالعاصمة بيروت وكلّ لبنان. فحجم الأضرار والدمار وعدد الشهداء والجرحى يشي بأنّ زلزالاً حدث، ما يستوجب التعامل مع تداعياته بحسّ عالٍ من المسؤوليّة الوطنية والأخلاقية والإنسانية، وعدم الانجرار وراء صغائر الحسابات السياسية، التي وللأسف يبرع بها البعض في لبنان.
إنّ الذين ارتقوا شهداء من جراء الانفجار، وكلّ الجرحى والمصابين، ومئات العائلات التي أمضت ليلها أمام المستشفيات لمعرفة مصير أزواجها وأبنائها وأشقائها، كلّ هؤلاء هم ضحايا قبل أن يُستشهدوا ويصابوا ويتألموا ويحزنوا. فالنظام الطائفي لا يبرع إلا في استيلاد الأزمات وصناعة النكبات. وهو الذي يؤمّن الحمايات والحصانات الطائفيّة للفاسدين والمرتكبين والسماسرة، وهو المسؤول عن كلّ أزمات البلد المتفجرة.
هذه نكبة كبيرة، لكنها لن تكون الأخيرة، إذا استمرّ البلد محكوماً بنظام يقوم على مبدأ التحاصص والتقاسم الطائفي، وعلى قاعدة أنّ اللبنانيين ليسوا مواطنين بل رعايا طوائف ومذاهب، وأنّ كلّ راع مسؤول عن تثبيت رعيته في المواقع، مع ضمان أن تكون فوق كلّ مساءلة ومحاسبة.
اللبنانيون ينتظرون تحقيقاً عادلاً وشفافاً، وتحديداً للمسؤوليات، وهذا ما يجب أن يُنجز سريعاً. فالدماء لا تزال على الأرض، وهذه المرّة لن تجفّ الدماء قبل معرفة الحقيقة… وحذار من أن تسجل هذه النكبة ضدّ مجهول.
الحقيقة كاملة، بلا زيادة ولا نقصان، هي المطلب وما نتمناه أن تتوحّد كلّ القوى على هذا المطلب. فانفجار المرفأ لم يختر ضحاياه على قاعدة ميولهم الجهوية والطائفية، لأنّ الشرّ هو الشرّ، والأشرار في هذا البلد “دينهم دنانيرهم ومعبودهم دولارهم”.
مرة أخرى لا بدّ من التعامل مع هذه النكبة بمسؤولية وطنية عالية، وأن لا تنأى أيّ جهة بنفسها عن الأدلة والحقائق التي تبيّن وتحدّد المسؤوليات…
هول الكارثة كبير، وعلى الذين يستجدون الحصار الاقتصادي على لبنان لتحقيق أجندات سياسية أن يقلعوا عن هذا الاستجداء المشين. إنّ خروج لبنان من محنته وتخطيه آثار نكبته، يستدعيان رفع الحصار المفروض عليه، والحصول على المساعدات من الشرق ومن الغرب، مساعدات غير مشروطة، لا تقرب عناصر قوة لبنان، ولا تربطه بصفقة قرن مشؤومة، ولا تفرض عليه حياداً غير قابل للصرف.
الرحمة لشهداء انفجار المرفأ، وقد بات عددهم يوازي عدد شهداء مجزرة قانا التي ارتكبها العدو الصهيوني في العام 1996. والعبرة أن يقيم لبنان معادلة ردع بوجه إجرام الفساد والإهمال، كما أقام بجيشه وشعبه ومقاومته معادلة ردع فرضت على العدو الصهيوني أن يحسب ألف حساب قبل أن يرتكب أيّ مجزرة بحق اللبنانيين.