مشاريع التدويل تجد في انفجار المرفأ منفذاً من باب الدعوة لمعونة دوليّة في التحقيق
ماكرون اليوم في بيروت يعرض المساعدة... ودعوات للوصاية الدوليّة مقابل الدعم الماليّ / «القوميّ» للتضامن الوطنيّ وتضميد الجراح... والحكومة للطوارئ والتحقيق والإغاثة كأولويات
كتب المحرّر السياسيّ
خلال خمسة أيام ستكون الحكومة أمام تحديات مركبة لإثبات قدرتها على نقل لبنان من مرحلة عنوانها التشكيك بكل ما هو وطني تمهيداً لطرح التدويل والوصاية، وقد بدأت طلائع هذه الدعوات على لسان رؤساء الحكومات السابقين، والحكومة التي قرّرت أمس منح نفسها مهلة الأيام الخمسة لإنهاء التحقيق خطت خطوة أولى في الاتجاه الصحيح، بانتظار أن تنتهي التحقيقات بما يطمئن اللبنانيين إلى أن لا خيمة تحمي أحداً من المساءلة والمحاسبة، مهما علت مراتبه، وأن لا عمليات انتقاميّة عبر التحقيق، ولا تسويف ولا تضييع للمسؤوليات، ولا حمايات، ولا خوف من التبعات. فالحقيقة وحدها خلاص اللبنانيين وحكومتهم، وقد جرّبوا التدويل في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري وذاقوا الأمرّين من التوظيف السياسي، واللعب على الفتن المذهبية، وهم يرون بأم العين الحملات الإعلامية الداخلية والخارجية لتوظيف التفجير في المعارك التي تستهدف المقاومة.
امتحان الحكومة خلال خمسة أيام يطال قدرتها على التعامل مع الكارثة الوطنيّة، كما وصفها رئيس الحكومة، على صعيدي الإغاثة وإزالة آثار الكارثة، وهما حِملان كبيران. فالخسائر المادية ترتفع تقديراتها إلى خمسة مليارات دولار كحد أدنى، وتصل حسب بعض التقديرات الى عشرين مليار دولار، بينما الإغاثة تطال عشرات آلاف اللبنانيين الذين بقوا بلا مساكن، ومثلهم بلا أبواب رزق، بينما سقط مرفأ بيروت شهيداً.
المساعدات التي تركّزت على الشق الصحيّ، تميّز العراق فيها بتقديم معونة نفطيّة يحتاجها لبنان، قد تشكل مدخلاً لحل جذري لملف المشتقات النفطية بكلفة أقل وتقسيط ميسّر، وبلا عمولات وسمسرات في اتفاق من دولة الى دولة، بينما فتحت بعض الشركات الصينية الباب لمناقشة إعادة إعمار المرفأ وتجهيزه بمعايير حديثة تجعله بسرعة صالحاً لاستعادة دوره وربما لعب دور أكبر وأوسع، وتنتظر الأمور بعض الإجراءات الحكومية في بيروت وبكين وفقاً للمصادر المتابعة للملف.
من روسيا وقطر وإيران وفرنسا والإمارات وتونس وتركيا ومصر وصلت وستصل تباعاً طائرات وسفن محملة بالمعونات، لكن الرئيس الفرنسي امانويل ماكرون سيكون أول الواصلين الدوليين الى بيروت تحت عنوان الدعم السياسي، في ظل مؤشرات استثمار سياسي مكثّف ومتسارع عبرت عنه دعوات تيار المستقبل لتدخل دولي ودعوة رؤساء الحكومات السابقين لتحقيق دولي، ودعوات أقل للاستعانة بخبراء دوليين، والكل مجمع على التشكيك بجدوى الرهان على التحقيق اللبنانيّ وأهلية الأجهزة الأمنية والقضائية، بصورة تستعيد سيناريو ما بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري، الذي كان لافتاً تأجيل المحكمة الخاصة بقضيته للنطق بحكمها، كأنها تمنح مهلة لتكليفها مهمة جديدة قبل إعلان نهاية المهمة وصرفها من الخدمة، ربطاً بدعوات تدويل التحقيق، التي سيخرج من يقول ولم تشكيل لجنة جديدة ولديكم محكمة صارت تعرف الخصوصيّات اللبنانية؟
اللافت في دعوات التدويل أنها لا تقتصر هذه المرة ملف التحقيق والقضاء والأمن، بل تصل لتلاقي دعوات الحياد التي تترجم بالدعوة لوضع لبنان تحت الوصاية الدوليّة، بربط المساعدات المالية بوضع لبنان تحت سلطة مجلس الأمن وفقاً للفصل السابع، بما يضمن فتح الباب لتطبيق القسم الثاني من القرار 1559، الذي طبق نصفه الأول بالتدويل الأول، فتم انسحاب القوات السورية من لبنان بتوظيف اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وقد برأ التحقيق سورية من المسؤولية بعدما صارت قواتها خارج لبنان، لينتقل لاتهام المقاومة، التي تُراد تصفية الحساب معها من بوابة التدويل الثاني، تحت عنوان انفجار بيروت الثاني.
الحزب السوري القومي الاجتماعي دعا في بيان له حول انفجار بيروت، إلى التكاتف والتضامن وإعطاء الأولوية للوحدة الوطنية وتضميد الجراح، معلناً وضع مؤسساته وإمكاناته في تصرف الجهات الاغاثية المعنية.
جدّد الحزب السوري القومي الاجتماعي تعازيه بشهداء الانفجار في مرفأ بيروت وتمنّيه بالشفاء العاجل للجرحى وكشف مصير كل المفقودين. ورأى «القومي» أن الانفجار الضخم في مرفأ بيروت، نكبة كبيرة حلت بالعاصمة بيروت وكل لبنان، وأنّ كارثية هذه النكبة تكشفت بما خلّفه الانفجار من أضرار ودمار ومن شهداء وجرحى.
ودعا إلى التعامل مع هذه النكبة بحسّ عالٍ من المسؤولية الوطنية والأخلاقية والإنسانية، مشدّداً على ضرورة بذل كل الجهود من قبل الجميع لتضميد جراح لبنان النازفة وتجاوز المحنة التي حلّت به.
كما دعا الى التبرّع بالدم، ووجّه المؤسسات الصحية والإسعافية الرديفة بضرورة مساعدة الأجهزة والمؤسسات الرسمية في عمليات الإسعاف، فقد أجرى عميد العمل والشؤون الاجتماعية في الحزب بطرس سعادة اتصالاً بالأمين العام للصليب الأحمر اللبناني جورج كتانة، مقدّراً باسم الحزب السوري القومي الاجتماعي الجهود الكبيرة التي يبذلها الصليب الأحمر، ومؤكداً جهوزية المؤسسات الصحية وفرق الإسعاف الرديفة للمشاركة في المهام الإنقاذية والإسعافية.
الى ذلك، قرّر مجلس الوزراء تشكيل لجنة تحقيق ادارية لإدارة التحقيق في الأسباب التي أدت إلى وقوع الكارثة والطلب من السلطة العسكرية العليا فرض الإقامة الجبرية على كل من أدار شؤون تخزين نيترات الأمونيوم وحراستها ومحّص ملفها أياً كان منذ حزيران 2014 حتى تاريخ الانفجار.
وتبنى مجلس الوزراء في جلسته الاستثنائية التي انعقدت أمس، برئاسة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون في قصر بعبدا، ما صدر عن المجلس الأعلى للدفاع في جلسته امس الأول لجهة اعلان بيروت مدينة منكوبة بعد الانفجار الذي شهده مرفأ بيروت، بالإضافة الى إعلان حالة الطوارئ فيها لمدة أسبوعين قابلة للتجديد.
واكد الرئيس عون في كلمة له في مستهل الجلسة تصميمه على «السير في التحقيقات وكشف ملابسات ما حصل في بيروت في أسرع وقت ممكن، ومحاسبة المسؤولين والمقصِّرين، وإنزال أشد العقوبات بهم»، متعهدا إعلان نتائح التحقيقات التي ستجريها لجنة التحقيق بشفافية».
بدوره، حدد رئيس الحكومة الدكتور حسان دياب الأولويات في الوقت الرهن على الشكل التالي: «ملف التحقيق هو أولوية، ونتائجه يجب أن تكون سريعة، إضافة الى تكثيف عمليات انتشال الضحايا، والبحث عن المفقودين، ومعالجة الجرحى والمصابين، وتأمين مأوى مؤقت لأصحاب المنازل المتضررة كلياً، وإطلاق عملية سريعة لمسح الأضرار، وصرف مساعدات عاجلة لإصلاح الأضرار الجزئية، وتأمين مساعدات عاجلة لترميم المنازلص والمكاتب». والمؤسسات المتضرّرة كلياً.» وطلب «من الوزراء أن يشاركوا جميعاً في ورشة العمل، بغض النظر عن الحقيبة الوزارية، سواء كانت مرتبطة أو غير مرتبطة بالتعامل مع الوضع الذي نحن فيه».
كما قرّر المجلس تكليف الهيئة العليا للإغاثة تأمين إيواء العائلات التي لم تعُد منازلها صالحة للسكن، والتواصل مع وزارة التربية لفتح المدارس لاستقبال هذه العائلات ومع وزير السياحة لاستعمال الفنادق لهذه الغاية أو لأي غاية مرتبطة بعمليات الإغاثة. كما قرر فتح اعتماد استثنائي بقيمة 100 مليار ليرة سنداً للمادة 85 من الدستور والمادة 8 من القانون النافذ حكماً رقم 6 تاريخ 5/3/2020 (الموازنة العامة والموازنات الملحقة لعام 2020).
واتخذ مجلس الوزراء القرار بوضع كل المسؤولين عن المرفأ في الإقامة الجبرية الى حين تحديد المسؤولية عن الانفجار الذي وقع.
وأعلن وزير الشؤون الاجتماعية والسياحة رمزي مشرفية أن «كل المسؤولين سيحاسبون في حادثة انفجار مرفأ بيروت».
ولفتت وزيرة المهجرين غادة شريم إلى أن «هناك مسؤولين سيمكثون في منازلهم خلال الايام المقبلة ريثما ينتهي التحقيق وتصدر النتائج». وأوضحت أن «الإقامة الجبرية ستشمل كلّ من أدار عملية التخزين وحراسة وتمحيص ملف العنبر 12 من أي جهة كان من 2014 وحتى اليوم.»
وعما إذا كان القرار سيشمل رئيس الحكومة السابق سعد الحريري ويمنعه من السفر الى لاهاي، اكتفت بالقول إن «الجيش اللبناني سيقوم بتسمية المسؤولين».
وأشارت مصادر «البناء» الى «قرار حاسم لدى رئيسي الجمهورية والحكومة بإجراء التحقيقات اللازمة بالانفجار ومعرفة كل التفاصيل والأسباب التي أدت اليه وذلك خلال خمسة أيام ومن ثم تعلن النتائج وتبدأ محاكمة المتورطين والمقصرين وكل المسؤولين في هذا الموضوع».
وترأس الرئيس دياب الاجتماع الأول للجنة التحقيق الإدارية بحضور الوزراء المعنيين والقادة الأمنيين.
وأشارت مصادر وزارية الى أن «لجنة التحقيق مؤلفة من الرئيس دياب ووزيرة الدفاع وقائد الجيش ورئيس جهاز أمن الدولة ورئيس جهاز الأمن العام وهي سوف تتحرى الحقائق».
وبحسب المعلومات فقد اقترحت وزيرة الدفاع زينة عكر خلال الجلسة ملاحقة الإعلاميين قضائياً، ووضع حد للحريات الإعلامية وارتكزت في طرحها على المادة القانونية رقم 11 التي تنص انه في حالة الطوارئ يحق للجيش قمع الوسائل الإعلامية. وقالت عكر خلال مداخلتها: «هناك تطاول من قبل الإعلاميين وتمادي في التجرؤ على هيبة الوزراء ويجب أن نضع لهم حداً من خلال الصلاحيات الممنوحة لوزارة الدفاع»، إلا أن بعض الوزراء بمن فيهم وزير الصناعة عماد حب الله اعترض على هذا الأمر.
كما حصل سجال بين وزيرة الدفاع ووزير الصحة حمد حسن حول توزيع المساعدات، إلا أن حسن أوضح بعد انتهاء الجلسة حقيقة السجال الذي وقع بينه وبين وزيرة الدفاع، مؤكداً «أننا لسنا ضد الإدارة المشتركة للهبات وإنما موضوع تسلم الجيش المستشفيات الميدانية هو من اختصاص وزارة الصحة لإنقاذ الجرحى والمصابين».
على صعيد أسباب الانفجار تم التداول بسيل من الفرضيات، وأشار خبراء عسكريون لــ«البناء» الى أنه لا يمكن الجزم بالأسباب التي أدت الى الانفجار قبل إجراء التحقيقات الأمنية والقضائية، لكن هناك فرضيات عدة مع ترجيح كفة فرضية الاحتكاك الكهربائي مع عدم استبعاد فرضيات العمل العدواني الإسرائيلي او الإرهابي، ويلاحظ الخبراء تغيّر لون شرارة النار من اللون الأبيض الى الرمادي الى الاسود الى البني الزهري ما يؤكد بأن هناك مراحل لتطور الانفجار وليس وليد سبب واحد إضافة الى أن بعض الفيديوات عن الانفجار أظهرت وجود حريق شب في مكان محاذٍ للعنبر رقم 12 قبيل حصول الانفجار الأول ثم الانفجار الثاني الذي كان الأكبر.
على صعيد المواقف الدولية المتضامنة مع لبنان، يصل الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون اليوم الى بيروت لتأكيد التضامن مع اللبنانيين في المحنة التي ضربتهم. وأبلغ ماكرون الرئيس دياب دعمه للبنان وأنه يريد الحضور شخصياً لتأكيد الدعم للبنان. وتحط طائرة ماكرون عند الثانية عشرة ظهر اليوم في المطار وتستمر خمس ساعات ويتوقع أن يكون في استقباله الرئيس عون وينتقلان معاً الى بعبدا حيث يلتقي الرؤساء الثلاثة قبل توجّهه لتفقد مكان الانفجار وينتقل بعد ذلك الى قصر الصنوبر حيث يلتقي عدداً من الشخصيات السياسية.
كما استقبل دياب في السراي الحكومي مساء وفداً عراقياً برئاسة وزير النفط إحسان عبد الجبار ممثلاً رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، ووكيل وزير الصحة هاني العقابي، القائم بالأعمال أمين النصراوي، المستشار السياسي أحمد جمال ومدير مكتب وزير النفط حيدر عبيد، بحضور وزير الطاقة والمياه ريمون غجر ومستشار رئيس الحكومة خضر طالب.
وأطلع الوفد رئيس الحكومة على التقديمات الطبية العراقية التي وصلت إلى بيروت والتقديمات النفطية التي انطلقت من بغداد.
وأشار وزير الطاقة ريمون غجر في حديث تلفزيوني، بأن «وزير النفط العراقي وصل لبنان مع طاقم طبي من 15 طبيباً و20 طناً من المواد الغذائية والصحية»، وكشف وزير الطاقة بأن هناك 22 شاحنة غاز اويل هبة الى لبنان، والحكومة العراقية مستعدّة لتقديم الفيول اويل الى لبنان بطريقة دفع أفضل من الطريقة الحالية، واليوم هناك جدية بالموضوع».
كما وصلت الى مطار بيروت أمس طائرتي مساعدات من روسيا.
وأشار السفير السوري في لبنان علي عبد الكريم علي إلى أن «التكامل بين سوريةا ولبنان تفرضه المصلحة، وهو يلجم الضغوط الأميركية والإسرائيلية وغيرها»، لافتاً إلى أن «استقرار لبنان ينعكس على سورية وحتى الخسائر التي تصيب لبنان تطال سورية، والبلدان بحاجة لبعضهما والحصار الأميركي ليس قدرًا».
ونوه عبد الكريم علي، خلال حديث تلفزيوني، بأنه «اذا بادرت أي جهة مسؤولة في لبنان إلى التواصل مع سورية فإن الضغط الأميركي سيتراجع ولن يزداد»، مشدداً على أن «الكارثة التي حلت بلبنان ستدفع الكثير من المسؤولين اللبنانيين إلى اتخاذ خطوات نحو سورية والتوجّه شرقاً».
في غضون ذلك، تخوفت مصادر متابعة لــ«البناء» من استغلال الحلف الاميركي الاسرائيلي السعودي الانفجار الذي ضرب لبنان والآثار الاقتصادية التي ستترتب عليه، وذلك للاستمرار بسياسة حصار لبنان لمزيد من الخنق حتى تقديم التنازلات التي يطبلها الاميركيون».
وأعلن محافظ بيروت مروان عبود أن «الخسائر التي لحقت بالبلاد أكثر من المعلنة وقد تصل لـ 15 مليار دولار». ونبه من أن «كميات محدودة من القمح متوفرة وسنواجه أزمة غذائية من دون تدخل خارجي».
على صعيد آخر، أجلت المحكمة الدولية الخاصة بلبنان موعد النطق بالحكم في اغتيال الرئيس الراحل رفيق الحريري إلى 18 آب الحالي، بعد أن كان الموعد مقررا في السابع منه. وأشارت المعلومات إلى أن «الرئيس سعد الحريري سيرجئ سفره الذي كان مقرراً اليوم الى لاهاي ويجتمع الى الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون في قصر الصنوبر».