لماذا الإصرار على تدويل لبنان؟
} د. وفيق إبراهيم
قوى الرابع عشر من آذار تطلق صراخاً متواصلاً لوضع اليد الدولية على لبنان بذريعة أنه تحوّل مجالاً لإرهاب إيراني يجسّده حزب الله.
فما هي الاسباب العميقة لهذا المشروع المشبوه؟
تفهم قوى 14 آذار مفهوم التدويل على أنه حركة للبنان تتصل بمفهوم اطلقه النفوذ الاميركي منذ تسعينيات القرن الماضي تحت مسمى “مجتمع دولي”.
يجمع هذا المجتمع نحو اربعين دولة في الخليج واوروبا و”اسرائيل” واميركا الجنوبية واوستراليا وانحاء آسيا برعاية الجيوبوليتيك الاميركي؛ أما اسباب الاستيلاء الاميركي لهذا الحلف إلا محاولة لإضفاء مستوى من تأييد دولي لإرهاب أميركي اجتاح افغانستان وبعض أميركا اللاتينية والعراق وسورية وليبيا مرخياً هيمنته على معظم انحاء العالم.
بذلك بات بإمكان الاميركيين تجاوز مجلس الأمن الدولي بسبب الفيتوات الصينية الروسية المناهضة واستعمال مصطلح المجتمع الدولي بديلاً قوياً بموجب موازنات القوى التي احتكرها الأميركيون منذ 1990 وحتى 2010.
ما طرأ على تراجع الاستعمال الأميركي لمصطلحهم التبريري يعود الى مسألتين: الاولى هي نجاح حزب الله في دحر الإسرائيليين في 2000 و2006 ومعهم إرهاب معولم مدعوم من هذا المجتمع الدولي، والثانية فشل الحصار الأميركي على ايران ووصول الجمهورية الاسلامية الى مرتبة دولة صناعية وإقليمية.
لجهة السبب الثالث فهو الدور الروسي العسكري – السياسي في سورية الذي أسهم بشكل كبير في إحباط المشروع الأميركي لتفتيت سورية وتطويق موسكو من القوقاز واوروبا الشرقية.
هناك عامل رابع يرتبط بالتفوّق الاقتصادي الصيني الذي يصعد نحو الإمساك بالعالم الاقتصادي في 2030 وحيداً في قطبية عالمية لا شريك له فيها.
هذا ما دفع الأميركيين الى اعتماد آليات جديدة في تأجيج الصراعات الداخلية العراقية ودفع 14 آذار اللبناني من جهة و”اسرائيل” من جهة أخرى لضرب الوحدة الوطنية اللبنانية ودفعها الى مرحلة احتراب طوائفية خطيرة جداً.
لكن الحصار الاقتصادي الاميركي والاوروبي الخطير على لبنان ومحاولات 14 آذار الفتنوية والدور الخليجي في الشحن الطائفي، لم تنفع في تحقيق التفجير الداخلي المطلوب.
فكان تفجير مرفأ بيروت الأكبر من نوعه في تاريخ الانفجارات العالمية بعد هيروشيما وناكازاكي النوويين.
الأمر الذي أعطى 14 آذار حجة ملفقة بطلب تحقيق دولي في الموضوع، وهم يعرفون استحالة مثل هذا الأمر من دون موافقة الدولة اللبنانية التي تصرّ على سيادتها الوطنية، فيجدون في هذا الانسداد وسلة لإيلاء المجتمع الدولي المفبرك والخاضع للاميركيين مهمة تحقيق في تفجير يعرف القاصي والداني ان “اسرائيل” والأميركيين هما من ارتكباه لضرورات تأزيم اوضاع حزب الله بإثارة فتن طائفية داخلية ناجمة عن عجز الدولة عن التلبية الاقتصادية للناس.
بذلك يجد اللبنانيون أنفسهم امام 14 آذار تذهب نحو التمسك بالمجتمع الدولي وبين الدولة وحلفائها المصرين على السيادة القانونية اللبنانية.
لماذا تريد 14 آذار التدويل؟
هناك مرحلة بدأت في 1982 حتى 2006 انتصر فيها حزب الله على “اسرائيل” معاوداً الانتصار على الإرهاب بين 2012 – 2020 فحقق بذلك معادلة لبنانية جديدة أدت الى صعود معادلة تحالفية بين التيار الوطني الحر الذي يقوده رئيس الجمهورية ميشال عون وحزب الله وحركة أمل التي يرأسها رئيس مجلس النواب نبيه بري.
هذه المعادلة التي تمكنت من تجاوز فرار رئيسها سعد الحريري من مسؤولياته الحكومية بطلب أميركي خارجي ودفعت نحو إنتاج حكومة مستقلة برئاسة حسان دياب. فاعتبرت 14 آذار أنها اصبحت خارج معادلة الدولة ما ادى الى اصابتها بجنون الى حدود السُعار ومطالبتها بتدويل لبنان فهذه الحركة تعتقد ان التدويل يؤدي تلقائياً الى فقدان معادلة الحكم الحالية مشروعيتها. وقد يتمكن الاميركيون حسب اعتقاد مجموعة الحريري – جعجع – جنبلاط والجميل من الإمساك بلبنان وضرب حزب الله وإعادة 14 آذار الى السلطة.
لذلك اطلق هذا الحلف هواجسه باعلان مروان حمادة استقالته من المجلس النيابي بما يشبه مقدمة لاستقالات جماعية مرتقبة لنواب القوات والحريري وجنبلاط والكتائب وبعض المستقلين في محاولة مفضوحة للتسبب بضرر كبير في الميثاق الوطني.
هذا يعني أنهم يحاولون تعطيل الدولة بإحداث فراغات ميثاقية تطال نحو أربعين بالمئة من النواب اللبنانيين، فهل هذا ممكن؟
إن هذه المحاولات فاشلة لان معادلة الحكم فيها من كل الطوائف والمذاهب وهي قوية وقاتل حزب الله فيها بمفرده “اسرائيل” والاميركيين والارهاب.
بما يعني ان 14 آذار لا يهمها تدمير لبنان بقدر اهتمامها بالعودة الى السلطة ولو على حساب مئات آلاف الشهداء من اللبنانيين.
هذا دأب الحريرية والجعاجعة والجنبلاطية الذين يتعاطون حتى مع إبليس لتعبئة الكيس.