ماذا يريد ماكرون فعلياً؟
} د.وفيق إبراهيم
فرنسا الحالية السياسية والاقتصادية ليست في وضع يسمح لها بإطلاق مبادرة ضخمة لإنقاذ الدولة اللبنانية، ولم تعُد تمتلك النفوذ الدولي ما يؤهلها لإعادة صناعة “لبنان الدولة مرة ثانية”. فهذا يتطلّب مركزاً بين الدول العالمية الأساسية على غرار الولايات المتحدة الأميركية والصين وروسيا، اي بلدان تجمع بين النفوذ الدولي وقوة الاقتصاد والمناعة العالمية، وهذا ما تفتقده فرنسا حالياً.
بما يكشف على الفور ان زيارة الرئيس الفرنسي ماكرون الى لبنان الغريق في فرنكوفونيته تذهب الى واحد من احتمالين: اما إنها تحاول الاحتفاظ بدور على قياسها في السياسة اللبنانية عن طريق بعض المساعدات المقدور عليها وتتيح لها المشاركة في مرحلة ما بعد الحرب في سورية وتمتين وضعها في الصراع على البحر الأبيض المتوسط. اما انها الآلية المقبولة من لبنان لتمرير مشروع غربي لا يريد للبنان أن يذهب بعيداً في بحثه عن بديل للغرب وخصوصاً في الصين وروسيا وإيران.
فأي الاحتمالين هو الأقوى؟
بالتدقيق في مقارباته لضرورة بناء آلية سياسية جديدة في لبنان وتطرقه الى حكومة وحدة وطنية وتأكيده على استمرار الدعم الاقتصادي المباشر من مؤتمر سيدر والصندوق والبنك الدوليين والدول الغربية.
هذا اذاً عرض يربط بين السياسة والاقتصاد انما بعض تقديم مساعدات فرنسية كبيرة تعيد تذكير اللبنانيين بفرنكوفونيتهم القديمة.
بذلك يتضح ان المشروع فرنسي ظاهرياً وأميركي – أوروبي في اهدافه ويرمي الى منع لبنان، خصوصاً بعد تفجير مرفئه الأساسي في بيروت من الإقدام على التعاون مع الصين وروسيا والعراق وايران.
فهناك اهميات للبنان تبدأ حالياً في انه يشكل جزءاً من مياه البحر المتوسط وسواحله، بما يحتويه من كميات معروفة من الغاز وأخرى غير معروفة يقول الخبراء انها تشكل أكبر تجمع غاز معروف في العالم.
هذا بالإضافة الى حساسية آبار الغاز اللبنانية عند حدوده مع فلسطين المحتلة بما يمكن أن تشكله من دفع لحروب في الاقليم قد تؤدي الى وقف انتاج الغاز ليس فقط في الكيان الاسرائيلي ولبنان وانما في قبرص واليونان امتداداً الى ليبيا ومصر، فيتحكم بذلك حلف الغاز الذي يدعمه الاميركيون بين مصر و”اسرائيل” وقبرص واليونان وبعض الدول الاوروبية. فهذا حلف يبني عليه الاميركيون لوقف التمدد الروسي المعني كثيراً بهذا الأمر لان بلاده هي الدولة الاولى في انتاج الغاز في العالم. وتعرف ان حلف الغاز الاميركي في المتوسط إنما هو مبني لوقف الهيمنة الروسية على اسواق استهلاك الغاز في اوروبا.
كيف يفكر الفرنسيون؟
يعتبر ماكرون أن حزب الله اصبح حقيقة سياسية في لبنان والإقليم لا يمكن تجاوزه. لذلك فإن بناء آلية سياسية لبنانية تضم كل مكوّنات لبنان السياسية والطائفية هي إنقاذ للدور الغربي في لبنان من خلال الإصرار على التمثيل للقوى اللبنانية الموالية لهم على شاكلة الحريرية وجعجع والكتائب والاشتراكي.
بذلك يتأمن توازن سياسي داخلي مدعوم غربياً يمنع اي سياسات لبنانية جديدة نحو الصين وروسيا، ويفرض هدنة بين لبنان والكيان الإسرائيلي ويعرقل فتح الحدود السورية بوظائفها الاقتصادية وإذا سمح باستعمالها فللعراق فقط وفي إطار بعض التبادلات النفطية.
يحاول ماكرون إذاً ومعه النفوذ الغربي العام الاستفادة من مميزات لبنان على مستوى الموقع المتوسطي والجوار مع فلسطين المحتلة وسورية استخدامه في الصراعات الحالية والمقبلة على مصادر الطاقة.
لكن هناك مَن يضيف بأن مشروع ماكرون الاقتصادي – السياسي يخفي توقاً فرنسياً لإعادة الاعتماد على لبنان السياسي لأداء دور اقتصادي فرنسي كبير في الشرق الاوسط.
هنا يعرف ماكرون أن لبنان بتنوعه السياسي هو الوحيد في منطقة الشرق الاوسط القادر على ايصال حلفائه الى إيران والسعودية وربما امكنة اخرى.
واذا كان ماكرون قادراً على الوصول الى الرياض بامكانات دولته، فإن رحلته نحو سورية والعراق وإيران واليمن تتطلب مرشداً خبيراً وحليفاً لهذا الخط الطويل.
هذا ينطبق تماماً على حزب الله الوحيد الذي يستطيع فتح أبواب هذه الدول لفرنسا. اما لماذا يريد ماكرون التسلل الى هذه الدول؟
فهذا عائد الى انها تحتاج الى عمليات اعادة اعمار ضخمة تستطيع فرنسا بواسطتها العودة الى قطبية عالمية فعلية، فإعمار هذا الخط يتطلب آلاف مليارات الدولارات ويرتبط بتقارب سياسي بين هذه الدول والبلدان الراغبة في المشاركة. بما يؤكد ان حزب الله هو أفضل مؤدٍ لهذا الدور لعلاقاته البنيوية بخط مقاومة عميق جداً.
لكن ماكرون لن يتجرأ على البوح برغبات بلاده، بما يدفعه الى بناء سياسات هادئة تبتدئ من لبنان الفرنكوفوني ولبنان المنتمي الى حزب الله من دون اي كشف للأهداف الاقتصادية العميقة. وعندما تصل المنطقة الى مرحلة إعادة إعمار تكون فرنسا الهادئة سياسياً من المحظوظين القادرين على ايجاد مساحات للاقتصاد الفرنسي وربما الألماني أيضاً الذي يقبع في خلفية المشهد.
هل تنجح هذه المحاولات؟ هناك مَن يراهن على مرحلة ما بعد الانتخابات الأميركية والإسرائيلية مع انتظار بضعة أشهر بعد تنفيذها لبدء عصر التسويات في الشرق الأوسط.