د. ادمون ملحم
رفض سعاده حالة الفسيفساء والقطعانيّة والتفسخ والانقسامات في شعبه وكتب في مقال نشر عام 1938: «»إذا كان الشعب يريد تغيير الحال فعلاً فعليه هو أن يسعى لهذا التغيير في نفسه في تقاليده واتجاهاته الفكرية».(1) وفي مقال له بعنوان «آن للشبابِ أن يدركَ» يقول: «إن الذين يريدون الإصلاح الحقيقي يجب عليهم أن يكونوا صادقين في أنفسهم، وأن يتحوّلوا إلى الإصلاح في ذواتهم أولاً..».(2)
من هذه الأقوال وغيرها الكثير يمكن تلخيص رأي سعاده بما يلي:
أولاً، لا يمكن إصلاح الدولة من دون إصلاح حال الأمة وإصلاح العلة في أهلها.
ثانياً، إن الإصلاح الحقيقي لا يكون في تغيير الحكومات والمجالس وخلع الحلل بل يكون في إصلاح حالة الأمة النفسية – المناقبيّة وفي تغيير القضايا الرجعيّة الخصوصيّة نفسها التي هي سبب انحطاط الأمة.
ثالثاً، الإصلاح الفعلي لا يكون في النصوص والقوانين فقط بل يأتي نتيجة عقيدة صحيحة موحِّدة للشعب «تنشئ جيلاً جديداً ونظاماً جديداً وجمالاً جديداً».
إن بداية الإصلاح تكون في بناء النفوس بناءً جديداً وتوجيهاً نحو الأمة وقضيتها الصحيحة وتكون في تحرير النفوس من قيود الذل والخمول والخوف والخنوع وفي إنقاذها من المساوئ والأهواء والنزوات الفردية وتسليحها بقيم الحياة الصراعيّة والوعي القومي الصحيح. فالنفوس المتحررة بقوة العلم والمعرفة والوعي والمناقب السامية والمتسلحة بالوجدان القومي هي وحدها القادرة على بناء المستقبل والوصول إلى مراتب العز والتقدم والانتصار.
إن حركة سعاده الإصلاحية خلقت بتعاليمها المناقبية الجديدة، كما يقول سعاده، «روحاً جديداً في الشعب وأنشأت نظاماً جديداً لحياته وحققت له إصلاحاً عظيماً»(3). والحق يقال إن هذه الحركة التي شكَّلت انقلاباً فكرياً فاصلاً في تاريخ الأمة هي حركة الحداثة التجديدية الأصيلة لأنها جاءت بنظرة جديدة إلى الحياة والكون والفن غايتها تأسيس الحياة القومية الجديدة بعد تحويل مجتمعنا المفتّت ذو التناقضات المتعددة إلى مجتمع قومي أساسي موحَّد له نفسية جديدة وهوية واضحة وقضية قومية مستقلة، مجتمع يتساوى أبناؤه في ملكيتهم للوطن وثرواته وينصهرون في قومية سورية جامعة نتيجة اشتراكهم في وحدة الحياة والمصالح والمصير. لذلك يقول سعاده: ان «المبدأ الذي أتمشّى عليه هو مبدأ القومية، وهو المبدأ الذي يدعونا إلى محبة أبناء قومنا وجلب الإصلاح القومي لهم». ويقول أيضاً: «المبادئ القومية الاجتماعية وحدها هي طريق الإنقاذ. فالذين يريدون فعلاً خير الأمة فما عليهم إلا الاتجاه نحو الحركة القومية الاجتماعية التي تقدم مبادئ الإنقاذ والتي أوجدت الإصلاح الفعلي في صفوفها الذي هو نموذج رائع للإصلاح الذي يمكن أن تقدّمه للأمة كلها».(4)
(1) أنطون سعاده، مختارات في المسألة اللبنانية 1936 – 1943، الطبعة الأولى (آذار 1976)، ص 165.
(2) المرجع ذاته، ص 19 .
(3) أنطون سعاده، مختارات في المسألة اللبنانية – 2- الانعزالية أفلست 1947 – 1949، ص 145.
(4) أنطون سعاده، مختارات في المسألة اللبنانية – 2- الانعزالية أفلست 1947 – 1949، ص 201.