أولى

ما أولويات المواجهة بعد سقوط النظام الطوائفي وأهله؟

 د. عصام نعمان*

 

سقط النظام الطوائفي وأهله الفاسدون. لا مجال للمراوغة والمخاتلة والإنكار. سقط بعد تدمير مرفأ بيروت وأحياء المدينة بفعل انفجارٍ هيروشيماوي هائل قيل إنه الأكبر والأعنف بين ثلاثة غير نووية عرفها العالم المعاصر. سقط ومعه الآلاف من الشهداء والجرحى والمفقودين نتيجةَ إهمال المسؤولين وتغاضيهم لست سنوات عن شحنة زنتها نحو 2700 طن من نيترات الأمونيا السريعة التفجير مركونة بلا حراسة في عنبر غير آمن وغير مُراقَب في حرم المرفأ.

اللبنانيون جميعاً يسلّمون، بلا تردّد، بواقعة سقوط نظام المحاصّة الطوائفية وأهله الفاسدين. رئيس الجمهورية العماد ميشال عون أقرّ، مداورةً، بذلك: «نحن أمام تغييرات واعادة رؤية لنظامنا القائم».

أهل النظام الآخرون ما زالوا يراوغون. بعضهم انبرى سريعاً الى محاولة إنقاذ نفسه بتحميل المنظومة الحاكمة المسؤولية الكاملة عن الفاجعة، متناسياً انه كان لأشهر خلت أحد أبرز أركانها. بعضهم الآخر تشوّف الى تأجيل المحاسبة والإدانة بالدعوة الى إجراء تحقيق ومحاكمة دوليين يظنّ انهما يستغرقان شهوراً وسنين.

  قائد المقاومة السيد حسن نصرالله ارتقى بالأهمية الاستثنائية للحدث الجلل الى مستوى تقرير مصير الكيان نفسه. قال: «إذا لم تصل الدولة الى نتيجة في ملف التحقيق، فهذا يعني أن لا أمل ببناء دولة».

اللبنانيون الساخطون، وهم الغالبية، اندفعوا الى الشوارع والساحات منادين بضرورة إقصاء أهل النظام الفاسد فوراً. تظاهراتهم المتعاظمة، كما تطورات التحقيق الجنائي، طرحت سؤالاً مفتاحياً: الى أين من هنا، وما الأولويات بعد اكتمال سقوط النظام؟

من خلال بحث معمّق مع مفكرين وعاملين مناضلين في مختلف مجالات الشأن العام يمكن استخلاص الأولويات الآتية:

أولاً: تركيز الاهتمام والجهود وصبّها في هذه الآونة على التعاطف مع أهالي الشهداء، والتعاون على لملمة الجراح، ورفع الأنقاض، والبحث عن المفقودين، وإسعاف الجرحى، وإيواء المشرّدين، وتأمين الضرورات الحياتية من غذاء ودواء ووقود للناس عموماً وللمتضرّرين خصوصاً وذلك بالتنسيق والتعاون الوثيق بين المؤسّسات والأجهزة الحكومية من جهة وتنظيمات المجتمع المدني من جهة أخرى.

ثانياً: إيلاء مهام التحقيق في الحدث الجلل الى الجيش اللبناني واجهزته المختصة وذلك بالتعاون مع الهيئات العربية والدولية التي توفّر عوناً تقنياً يساعد المحققين على إنهاء التحقيق بالسرعة الممكنة.

ثالثاً: إعلان نتائج التحقيق على الملأ، والمبادرة الى إقامة محكمة خاصة مؤلفة من أخيار القضاة العاملين والمتقاعدين، كما من أعلام أهل القانون للمباشرة فوراً في تمحيص التحقيقات وإجراء المحاكمات العادلة.

رابعاً: مبادرة مجموعة من أهل الإختصاص في صفوف القوى الوطنية والتقدمية وتنظيمات المجتمع المدني المستقلة والوازنة الى الاجتماع للتوافق، في مهلة شهر واحد، على مشروع قانون للانتخابات يراعي أحكام الدستور، لا سيما المادة 22 (مجلس نواب على أساس وطني لاطائفي ومجلس شيوخ لتمثيل الطوائف) والمادة 27 («عضو مجلس النواب يمثل الأمة جمعاء» ما يستوجب الدائرة الوطنية الواحدة) والمادة 95 («إلغاء الطائفية السياسية وفق خطة مرحلية») وخفض سن الاقتراع الى الثامنة عشرة مراعاةً للإصلاحات المنصوص عليها في وثيقة الوفاق الوطني (الطائف) وغيرها من المبادرات الإصلاحية.

خامساً: يُعلَن مشروع قانون الانتخابات الديمقراطي المتوافَق عليه ويُحال على كلٍّ من الحكومة، ومجلس النواب، وقوى الانتفاضة الشعبية ليُصار الى إقراره في مجلس النواب في مهلةٍ أقصاها شهر واحد، وإذا امتنع المجلس او أخفق في ذلك لأيّ سبب كان، يُصار الى تبنّيه من قِبَل قوى الانتفاضة الشعبية المعبّأة والمبادرة الى إطلاق وتفعيل ضغوط شعبية عارمة على الحكومة بغية طرحه على استفتاء شعبي عام لإقراره وبالتالي اعتماده وتنفيذه عملاً بنظرية الظروف الاستثنائية التي تستوجب تدبيراً استثنائياً في حال نشوء ظرف استثنائي، وهو حال البلاد قبل كارثة 4 آب وبعدها.

إنّ القوى الوطنية الحيّة مدعوةٌ الى اليقظة والحرص الشديد على عدم الإنجرار الى سجالات مع المنظومة الحاكمة، بمواليها ومعارضيها، او مع غيرهم حول الأصول الإجرائية الواجب اتباعها في ظروفٍ عادية، بل يجب اغتنام فرصة الظرف الإستثنائي البالغ الخطورة والحساسية من اجل فرض إصلاحاتٍ طال انتظارها منصوص عليها في أحكام الدستور المعدّل واخرى جرى التوافق عليها في مبادرات إصلاحية سابقة لوثيقة الوفاق الوطني (الطائف) أو لاحقة لها.

لا مجال للتلفيق والترقيع في نظامٍ متآكل ومنهار، ولا فرصة متاحة للعودة اليه تحت اية ذريعة او حجة.

الزمن هو زمن فرض الإصلاحات بإرادة الشعب وبما يتوافق مع أحكام الدستور.

لا مهادنة مع أهل نظام فاسد أوصلوا البلاد والعباد بفسادهم وسوء تدبيرهم الى الحضيض.

الشعب، بقواه الوطنية الحيّة، بات حاضراً وناشطاً في الشارع، ولن يخرج منه إلاّ بإرساء قواعد الانتقال سلماً الى دولة المواطنة المدنية الديمقراطية، مرةً وإلى الأبد.

_ وزير سابق

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى