الطبقة السياسيّة «تفتدي» مصالحها بحكومة دياب؟
} د. وفيق إبراهيم
تُجمع معظم أحزاب النظام السياسي في الموالاة والمعارضة على رفع الغطاء السياسي عن حكومة حسان دياب ودفعها لاستقالة.
بالمقابل هناك قوى داخلية أخرى ترفض هذا التوجّه وتعتبره خطيراً يدفع البلاد نحو فوضى شعبية قد تصل الى حروب أهلية ويؤسس لفراغ دستوريّ مدمّر.
فتعمل على قراءة عميقة للمشهد الإقليمي بتقاطعاته الدولية وتداعياتهما على الداخل اللبناني الضعيف الذي يعمل على إيقاع الاتفاقات الخارجيّة فقط.
لتأكيد هذا المضمون يجب تحليل مسألتين بنيوتين تضعان لبنان في قعر تراجيديا إغريقية متكاملة، الاولى هي الانهيار الاقتصادي الكامل الذي يجرّد الدولة من كامل إمكانياتها ويسجنها في اطار ديون خارجية وداخلية تنوف عن المئة مليار دولار وسط عجز اقتصادي داخلي كامل وانهيار المصارف، أما الثانية فهي حريق مرفأ بيروت الذي فتك بسبعين بالمئة من اقتصاد لبنان استيراداً وتصديراً.
ويحتاج الى عشرة مليارات دولار لإعادته الى العمل مع توقف اضطراري اثناء عملية إعادة البناء قد تزيد عن خمس سنوات.
ما هي أسباب هذه الكوارث؟
الانهيار الاقتصادي بإجماع السياسيين الأميركيين والأوروبيين، هو محصلة سياسات داخلية لبنانية اعتمدت أعمق فساد وسطو على المال العام منذ ثلاثين سنة على الأقل وليس له نظير في العمق من حيث الفساد.
اما حريق المرفأ فله بدوره جذوره التاريخية التي تعود الى مصادرة باخرة كانت تحمل في 2014 كمية 2750 طناً من نيترات الامونيوم وتعطلت لأسباب غامضة قرب مرفأ بيروت فصادرتها سلطاته. ولم تفعل اربع حكومات متعاقبة هي على التوالي برئاسات الميقاتي وتمام سلام واثنتان لسعد الحريري أي شيء لإيجاد حل ما لهذه الكميات المرعبة.
حتى ان مديريات المرفأ والجمارك تقول إنها راسلت هذه الحكومات بخصوصها ولم تتلق أي إجابة، فيما تسرب مصادر أخرى ان اكثر من ثلثي كمية الامونيوم المصادرة جرى تهريبها الى منظمات ارهابية في سورية عن طريق إرهابيين سوريين كانوا مقيمين في مناطق جبلية تخضع لنفوذ الحزب التقدمي الاشتراكي والمعروف أن وليد جنبلاط لا يزال حتى اليوم يمارس سياسات شتم الدولة السورية وإرسال تحياته لما يزعم انها معارضة سورية منشقة من تنظيم القاعدة.
لجهة تفجير مرفأ بيروت، فهناك محاولات حثيثة من بعض القوى اللبنانية لإلصاقه بحزب الله في تجانس مع اتهامات إسرائيلية وخليجية وغربية مماثلة.
ضمن هاتين الحادثتين، أين موقع حكومة حسان دياب؟
أولاً تأسست هذه الحكومة لتغطية مرحلة وسطية لها دور وحيد، وهو استعمال آلية سياسية دستورية جديدة، لا تستطيع الجماهير الثائرة، ان تتهمها بالانهيار الاقتصادي ولا بتفجير مرفأ بيروت، لأنها تضم شخصيات مستقلة لها ارتباطات سياسية محدودة، والدليل أن جنبلاط طلب من مناصرته وزيرة الإعلام عبد الصمد الاستقالة فاستجابت وكذلك وزير البيئة دميانوس قطار الذي استقال لضغوط كنسية شجّعته على الرحيل.
هذا يكشف أن الموالاة والمعارضة في النظام السياسي اللبناني موجودتان في حكومة دياب، فلماذا اذاً استهدافها؟
وحكومة دياب التي لا يزيد عمرها عن ستة أشهر ليست هي المسؤول عن الانهيار الاقتصادي الذي يراكم فساداً عمره أكثر من ثلاثة عقود، أو لا علاقة لها بتفجير المرفأ الذي تتحمّل مسؤوليته أربع حكومات كانت تسيطر عليها الحريرية السياسية المحسوبة على الغرب والخليج. هذا في حال التأكد من أن الإهمال التراكمي التاريخي هو المسؤول وليس جهة خارجيّة كـ»إسرائيل» او الأميركيين بآليات محلية او إقليمية.
هذا ما يدفع الى تساؤل عميق يشكك في محاولات الطبقة السياسية دفع حكومة دياب للاستقالة.
فلا يجد المنطق إلا تفسيراً وحيداً وهو رغبة الطبقة السياسية وخصوصاً فرقة جعجع الحريري والكتائب وحلفائهم في تحميل حكومة دياب سياسات اقتصادية وسياسية صنعتها الحريرية السياسية منذ مرحلة المرحوم رفيق الحريري في التسعينيات.
فهل حسان دياب هو الوريث السياسي للحريري؟
بالطبع لا، فهو شخصية مستقلة متزنة ارتضت بتسلم رئاسة الحكومة في مرحلة مصيرية للعمل على إنقاذ البلد. فلماذا استهدافه اذاً؟
تحاول هذه الطبقة السياسية «تلبيس» حكومة دياب جرائهما الاقتصادية والسياسية التاريخية وذلك في محاولة إرضاء شكلية لشارع شعبي يريد البحث عن المسؤولين عن الانهيار وتحميلهم تبعاتها وإقصائهم عن أداء أدوار سياسية.
إن حكومة حسان دياب لا تجسّد الحياة الحزبية السياسية في لبنان، لكنها لم تأتِ من الفضاء الخارجي، وشكلت حلاً للاستمرار في أجواء من الانهيار البنيوي.
فهل تعافى الوضع حتى تحاول الطبقة السياسيّة العودة إلى إدارة الحكم بشكل مباشر.
يحاول النظام السياسي القديم تقديم حكومة دياب كبش فداء لاحتواء الغضب الشعبي والعودة الى الحكم او الى تنظيم حرب طائفية بايحاء غربي اذا لم تؤدِ المفاوضات المرتقبة بين الاميركيين والايرانيين الى نتائج على شاكلة الهدنة المعمول بها في العراق، فهل يرتدي الحريري لبوس رئيس حكومة العراق الكاظمي؟
الجواب بعد الانتخابات الاميركية في تشرين الثاني المقبل، وهذه دعوة للصبر في لبنان الجريح الذي يتحمل أفسد طبقة سياسية في العالم تعمل على تمديد أدوارها على حساب دماء اللبنانيين.